« إحساس رائع يفوق الخيال» ، تشعر به وأنت تطأ بقدمك أرضا بكرا، تشاهد بدايات العمل لميلاد مدينة جديدة وسط الصحراء، يدور بخلدك ما سترويه لأحفادك فى شيخوختك عن كونك كنت يوما شاهد عيان على بناء هذه المدينة، وتحكى لهم ذكرياتك فى مواقع العمل وحديثك مع العمال والمهندسين، وكيف كانت هذه الشوارع الممهدة الجميلة والتى تظلها الأشجار مجرد صحراء جرداء، بذل رجال مصريون عرقهم وجهدهم فى سبيل تأهيلها وتزيينها فى أبهى صورها. هذه الأفكار وغيرها الكثير راودتنى فور وصولى إلى أرض موقع العاصمة الإدارية الجديدة ، والذى حرصت «تحقيقات الأهرام» على زيارته ، والتى رغم بعدها لحد ما عن العمران، إلا أننا وجدنا موقع الإنشاءات يشبه خلية النحل مليئا بالعمال من كل فئة، فى كل مبنى يجرى تشييده تجد عشرات العمال والحرفيين، كل منهم منهمك فى حرفته ما بين حداد أو نجار أو بناء، كل منهم يعرف هدفه ومهمته التى يجب عليه تنفيذها، دورة عمل متكاملة تتم فى نظام دقيق، والشيء الملفت للنظر هو أن المكان رغم وعورته وبدايات تأهيله بدأ زحف المواطنين للمدينة بحثا عن سبل للرزق ببيع المأكولات كالفول، أو المشروبات كالتمر هندي، وفى أثناء جولتنا بمواقع العمل حاولنا الوقوف على ملامح المشروع والمخطط له، وحجم الأعمال ومراحل العمل، وتوقيت الانتهاء منها، والمعوقات التى تواجههم ومدى توفر التمويل لضمان استكمال العمل فى الإنشاءات بالمشروع. وفى موقع العمل التقينا المهندس أحمد عباس رئيس قطاع القاهرة الكبرى بشركة المقاولون العرب ، الذى أوضح أن العاصمة الإدارية تقع بجوار طريق السويس والعين السخنة ، على مساحة حوالى 170 ألف فدان بما يعادل 700 مليون متر ، وقد تم وضع تصور كامل من البداية للنهاية لمخطط عام لها بوزارة الإسكان ، وتنفيذ هذا المخطط يتم على مراحل ، الأولى على مساحة 3000 فدان ، وتشارك 7 شركات ومنهما شركة المقاولون العرب والتى كلفت بأكبر جزء من هذه المرحلة بمساحة 550 فدانا ، وذلك لامتلاك شركتنا أكبر طاقة إنتاجية ، ومقدرتها على اقتحام وتولى المهام الصعبة والعمل فى أصعب الظروف بالمناطق الوعرة لتفتح الطريق لعمل باقى الشركات ، ولاسيما أن المكان غير مأهول ، وقد قمنا بتمهيد الطريق لبدء العمل فى ظل أجواء وظروف قاسية ، مع صعوبة المكان وخلوه من أى مرافق بالإضافة إلى درجات الحرارة العالية واحتياج العاملين الشديد للماء ، وخاصة مع دوام العمل على مدار 24 ساعة ، وفى ذات التوقيت تسعى لبث وإشعال حماس العمال بموقع العمل الذى يتواصل على مدار 3 ورديات عمل يوميا كل منها 8 ساعات . مراحل العمل وأردف عباس قائلا : وتقدر تكلفة حجم العمل التى ننفذها ب 2 مليار و 300 مليون جنيه ، تتمثل فى إنشاء إسكان متميز ومرافق وطرق يتم العمل فيها على مرحلتين ، الأولى تشمل إنشاء 44 عمارة، النموذج الخاص بها عبارة عن أرضى وبدروم و8 أدوار ، بعض العمائر لها مدخل وبعضها لها مدخلان بمساحات مختلفة للوحدات السكنية ما بين 120 مترا و150 مترا ، أما المرحلة الثانية فتشمل 34 عمارة أرضى وبدروم و 6 أدوار ، وتنشأ هذه الوحدات بنظام الاسكان المتميز بتخطيط مفتوح «غير مجروح بالمبانى المجاورة» بمساحات واسعة دون تحميلها بالخدمات، بحيث سيتسلم الساكن على سبيل المثال الوحدة بمساحة 120 مترا صافى داخل العمارة . وأشار الى أن العمل فى الحى السكنى يسير وفق جدول زمنى يقضى بانتهاء العمل بها خلال 18 شهرا ، ومع هذا نحن بشركة «المقاولون العرب» نعمل على اختصار الزمن بهدف الانتهاء من البرنامج قبل موعده ب 3 أشهر ، وبإذن الله سوف ننفذه فى 15 شهرا فقط بدأت من 1\5\2016 إلى 1\7\ 2017 المنطقة السكنية وأضاف أن العمل فى المنطقة السكنية يتم من قبل 7 إدارات رئيسية و 4 إدارات فرعية ، من 3 قطاعات مختلفة بالمقاولين العرب ، منهم قطاع القاهرة الكبرى والذى يشارك بالعمل به 4 إدارات، بالإضافة إلى إدارتين للدلتا، وكذلك إدارة من شمال الصعيد ، ويخدم على هذه الفروع الرئيسية 4 إدارات معاونة ، إدارة مسئولة عن الأعمال التكميلية والمسئولة عن توفير العمالة الفنية ، وإدارة المشدات المعدنية المسئولة عن تصنيع حديد التسليح وفقا لمعايير الجودة والتشكيلات الخشبية، بالإضافة إلى إدارة الخرسانة الجاهزة المسئولة عن إمداد المشروع بالخرسانة للمحطات بحيث لا يوجد أى شيء يتم يدويا ، ونعقد اجتماع متابعة بصورة دورية كل يوم سبت يحدد فيه البرنامج الزمنى للعمل فى كل مرحلة من مراحل تنفيذ المشروع، بحيث نستهدف صب 22 سقفا أفقيا خرسانة فى الأسبوع ، وأول عمارة تم الانتهاء من أعمال الخرسانة بها فى 8 مايو الماضي، أما كل الوحدات السكنية بالمرحلة الأولى سوف تنتهى خراساناتها فى 30 ديسمبر المقبل، بينما المبانى سوف ننتهى من أعمال النقاشة وتشطيب الواجهات فى يوليو 2017 المرافق والطرق وسيتم خلال هذه الفترة وبالتوازى معها العمل بالمرافق والطرق، والتى يجب أن تنتهى قبل أن يأتى إليها قاطنو المنطقة السكنية ، ولذا نعمل حاليا فى إنشاء محطة مياه تسمى «محطة التكديس» ، والتى تبعد 17 كيلو مترا من موقع العاصمة فى التقاء طريق السويس مع الطريق الإقليمى ، وهذه المحطة ستمد هذا التجمع بالعاصمة الإدارية بالمياه، ومصدر المياه بها يأتى من محطة المياه فى العاشر التى افتتحها وزير الإسكان منذ شهرين، وتقدر تكلفة إنشاء محطة التكديس ب 370 مليون جنيه شاملة محطة المياه والخط الناقل من العاشر لمحطة الطلمبات التى تضخ المياه لمسافة 17 كيلو مترا، عبر خطوط من المواسير من الزهر المرن قطرها 1000 متر ، وهذه المحطة سوف نقوم بتشغيل المرحلة الأولى منها فى أول اكتوبر القادم ، والمرحلة الثانية منها ستعمل فى 30 ابريل 2017، أما بالنسبة لمرفق الكهرباء، فيوجد فى الجهة المقابلة للعاصمة الإدارية محطة الكهرباء فيجرى العمل فيها على قدم وساق الحى الإدارى وعن حجم وتوقيت العمل بالمنطقة الإدارية أردف قائلا : تم تحديد موقع الحى الإدارى فى المخطط العام للعاصمة بالقرب من طريق العين السخنة ، و بدأنا بإنشاء مبانى أول المقرات الوزارية بالتوازى مع عملنا فى موقع الحى السكنى بجانب العمل بالطرق والمرافق والإسكان، بالإضافة إلى أعمال الإنشاءات بسور المنطقة الإدارية والذى بدأ على طريق العين السخنة والتى تتولاها إدارة المنشآت المتميزة، حيث كلفت شركة المقاولون العرب بالعمل بالمنطقة الإدارية بمساحة أرض 11 كيلو مترا فى 8 كيلو مترات بتكلفة تبلغ 750 مليون جنيه ، لإنشاء 6 مبان إدارية، وسور الحى الإدارى الذى يبلغ طوله 36 كم، وسوف يتم تسليمه مع جميع مرافقه 30\5\2017، أما المبانى الإدارية فسينتهى العمل فيها فى تاريخ 30\12\2017، والكبارى سوف تنتهى فى عام واحد وأبرزها الكوبرى الأول طريق السويس . وأكد أنه وفق معدلات العمل الحالية والمستهدفة فإنه من الممكن فى خلال سنتين استقبال المواطنين كسكان جدد بالمدينة كمدينة سكنية فى القاهرة، تتواجد بها جميع الجهات والوزارات من وزارتى الصحة والتعليم مع وزارة الإسكان وغيرها من جهات إدارية ووزارات مما سيساعد على نقل كل الضغط من منطقة وسط القاهرة إلى العاصمة الإدارية. منطقة رجال الأعمال أما بالنسبة لمنطقة رجال الأعمال فأشار إلى أن هذه المنطقة وفق المخطط العام للمدينة سيتم إنشاؤها فى المراحل التالية، والتى وضع تصميم لها لدى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بوزارة الإسكان يشمل ناطحات سحاب وأبراجا لرجال الأعمال ومن المفترض أن ينشأ فيها أكبر برج بالعالم كنظيره فى دبى بالإضافة إلى قاعة مؤتمرات ومنشآت ضخمة، وسيبدأ العمل فى هذه المرحلة بعد الانتهاء من وضع الإطار العام للمدينة والانتهاء من المرافق وتمهيد جميع الطرق حتى يتسنى البدء فى استغلالها استثماريا . التمويل والموارد وعن مدى توفر التمويل والموارد لأعمال الإنشاءات والمرافق بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة ، أوضح المهندس محمد عباس أنه تقف الموارد عائقا أمام عملنا، فالمصريون لديهم القدرة على الصبر وتحمل الصعاب والانجاز دون منافس، وخير دليل أن الذيشيد العمران من يشير إليه العالم بالبنان فى دولة الإمارات الشقيقة هو مهندس مصري، فهل سيستعصى عليه البناء فى مصر؟ كما أننا أكبر بلد فى العالم به رمال السيلكون. وأضاف: نحن بصفة عامة نقوم بأعمال مشروع العاصمة الإدارية لا نواجه صعوبة فى توفير الموارد لأن كل فرع ممثل للشركة مستقل بذاته، ومن أجل التغلب على مشكلة توافر الموارد نشرك إدارات الشركة بهدف الاستغلال الأمثل للطاقة الإنتاجية الموجودة، وخاصة أن كل فرع لديه معداته وعمالته الخاصة به من مهندسين ومشرفين وورش بحيث تخصص ال 4 إدارات المعاونة فى عمل واحد. جولة فى الموقع وبعد الاطلاع على تفاصيل العمل بالموقع ومراحله والجداول الزمنية لها من رئيس القطاع المسئول عن تنفيذ كل أعمال الشركة بموقع ال550 فدانا، توجهنا بجولة بالموقع والذى يعمل فيه العمال من حدادين ونجارين وبناة كخلايا النحل، كل مجموعة تعمل فى عمارة من العمارات بتوقيت متزامن مع اختلاف نوعية العمل، تجاورهم مضخات وماكينات تجهيز مواد الخرسانات للأسقف والأعمدة، وبالمرور أمام العمارات لاحظنا اختلافات فى مواقع وارتفاعات العمارات بين بعضها البعض، ولذا توجهنا للمهندس أحمد ماجد مهندس تنفيذ فرع شمال الدلتا لتفسير ذلك باعتباره المسئول عن أعمال التنفيذ للعمارتين بالحى السكني، فأوضح قائلا: نحن فى شركة «المقاولون العرب» لدينا إدارة للمعامل وقطاع مسئول عن التربة يقوم بعمل مجسات بموقع العمل ، بحيث يجعل المهندس الأرض مناسبة للبناء، ومن هنا نجد اختلاف منسوب بعض العمارات عن الأخرى سواء بالانخفاض أو الارتفاع حسب نوعية الأرض التى يقام عليها المبني، أما عن نسق العمل بالموقع وتنفيذ أعمال الإنشاءات فيه فالعمل مقسم بصورة تضمن الإتقان والسرعة فى الإنجاز فى ذات الوقت بحيث إن كل سبع عمارات خصص لهم مدير مشروع وفوقه مدير الفرع الرئيسى فى شمال الدلتا ، ومهمتى هى تنفيذ العمل بعمارتين، ففى العمارة الأولى 36 نجارا و8 حدادين و 7 بنائين يقوموا بالبناء فى الدور الأرضى وعندى الحدادون يعملون فى سقف الدور الثانى علوى مثلا. بينما يوجد فى العمارة الأخرى 15 حدادا، و14 بناء يقومون بالبناء فى الدور الأول والدور الأرضى بالإضافة إلى 12 كهربائيا فى الدور الأرضى و15 سباكا فى الدور الأرضى و12 مبيضا فى الدور الأرضي، فى إطار عمل متواصل على مدار 24 ساعة ، ونحن نعمل وفق هذا النسق والمعدل الزمنى بحيث نقوم بتسليم مبنى عمارة منهم كخرسانة وإنشاءات فى خلال أسبوعين . الرقابة والتقييم وأضاف أنه بالنسبة للرقابة وتقييم الأعمال بالموقع فتوجد 3 هيئات تتولى هذه المهمة، أولها هيئة المجتمعات العمرانية ممثلة لوزارة الإسكان بوصفها صاحبة المشروع وممثلة للدولة، كما يوجد المركز القومى للبحوث ومهمتهم فحص مواد البناء من قبل استشارى كلفته الهيئة لمراجعة الكميات والمواصفات. تأهيل المكان وفى أثناء تجولنا بالموقع بين أعمال الإنشاءات فى العمارات والذى يزدحم بخامات البناء من طوب وأسمنت ومعدات خلط الخرسانة التقينا بالمهندسة وفاء النمر المديرة الفنية للقطاع لهيئة القاهرة الكبرى التى أكدت قائلة إنه فى بداية العمل كان من الصعب التواجد بصفة دائمة فى موقع العمل، وخاصة أنه لم يكن مؤهلا، ولا توجد به مياه أو كهرباء كما هو الحال الآن، ولكن بعد عشرة أيام تمكننا من تأهيل المكان وتوفير جميع الخدمات والمرافق التى تساعدنا على متابعة عملنا بصورة ملائمة، ولاسيما أنها تحرص على متابعة سير العمل بالموقع باستمرار غير أن هناك أوقاتا معينة وبالتحديد مع اقتراب انتهاء المشروع يجب أن تتواجد بصورة دائمة حتى نتمكن من الوقوف على كل دقائق العمل وتحديد مناطق الخلل إن وجدت والعمل على تلافيها لضمان تسليم الإنشاءات على أكمل وجه وفق المواصفات المحددة له، كما أن العمل هنا فى الموقع وسط العمال شيء طيب، بحيث نرى المشروع كأنه طفل صغير يكبر أمام أعيننا يوما بعد يوم وهذا أمر غاية فى الروعة، وخاصة ونحن وجميع العمال بالموقع نعمل وبداخلنا قناعة كبيرة بأن العاصمة الإدارية ستمثل نقلة نوعية وستساهم فى تكوين مجتمع عمرانى وسكنى جديد، وستساعد على مواجهة مشاكل زيادة التعداد السكانى الذى سيتضخم خلال ال30 عاما المقبلة، مع السعى نحو البناء كامتداد طبيعى للعمران لمواجهة الزيادة السكانية المضطردة، حيث تقع على بعد 70 كم من القاهرة ومثلها عن العين السخنة ، بالإضافة الى قربها من الطريق الإقليمى الدولى مما سيسهل عملية الانتقال اليها من كل المحافظات، كما أنها ستساعد على العمران فى المدن الجديدة المجاورة لها. متابعة البرامج الزمنية أما المهندس مدحت منير مساعد رئيس القطاع المسئول عن تنسيق أعمال المبانى بين الإدارات السبع والفروع المنفذة والإدارات المعاونة فأوضح قائلا إن مهمته بالموقع تنصب على عملية التنسيق بين مديرى الإدارات والفروع السبع فروع كله، وكذلك أقوم بمتابعة البرامج الزمنية والعمالة الموجودة و العمل وتوفرها بالموقع وهو إحدى أهم مزايا شركة المقاولين العرب والتى تمثل الطاقة الإنتاجية الكامنة بالشركة حيث يوجد بها ما يزيد على 80 ألف موظف ضمت الشركة فى ال 3 سنوات الذى الماضية 20 ألف موظف جديد منهم تتعدى نسبة العمال منهم ال70%، وهذا ما دعم استمرار العمل 3 دورات على مدار ال 24 ساعة بالإضافة إلى توفير أماكن تم تجهيزها لإقامة العاملين بالموقع من مهندسين وفنيين وعمال وحرفيين فى مدينة بدر توفير لجهد العاملين بالموقع ولاسيما المغتربين منهم. وبعد فترة من التنقل بين الإنشاءات من بداية الصباح الباكر جاءت فترة الاستراحة للعمال فى إحدى العمارات تحت الإنشاء وحرصنا على الجلوس معهم والوقوف على طبيعة عملهم وحجم الإنتاجية المطلوبة منهم فى دورية عملهم، فقال أحمد ربيع عبد المقصود من بلدة صقاره بمركز البدرشين بالجيزة انه يعمل حدادا بالشركة بنظام المؤقتين وكل حلم حياته أن يتم تثبيته فى الشركة التى يعشق ترابها، أما عن عمله بالموقع فيعمل وردية بوردية عمل مدتها ثمانى ساعات، يطلب منا حجم إنتاج معين، حيث يكلف كل 60 حدادا بتسليح الدور فى ثلاثة أيام، وهو نفس الكلام الذى أكده زملاؤه أثناء تناولهم طعام الغذاء وقت استراحتهم، استعدادا للعودة لعملهم من جديد لاكتمال مهمتهم بالبناء والتعمير فى العاصمة الإدارية الجديدة.