حملات مكثفة لضبط سرقات التيار الكهربائي بعزبة البرج في دمياط    ما الفرق بين التبرع بصك الأضحية للأوقاف عن غيرها؟ المتحدث الرسمي يجيب    حملة موسعة لإزالة التعديات على أراضي الدولة والزراعة بقنا ضمن الموجة 26    بعد وصول أول قطار.. مواصفات قطارات مترو الخط الأول الجديدة    ويتكوف يرفض اتهامه بمحاباة قطر ويلتمس العذر لنتنياهو    الخارجية الليبية: ننفي شائعات إخلاء السفارات والبعثات    وزير الخارجية الإيراني: لن نتنازل عن حق شعبنا بتخصيب اليورانيوم    لابيد: نحن على بُعد قرار وزاري واحد للتوصل لاتفاق تبادل    بث مباشر مباراة الاتحاد والرائد في الدوري السعودي للمحترفين 2025    نشوب حريق داخل شقة سكنية بالزاوية الحمراء    لحسم زواج عبدالحليم حافظ، أسرة العندليب تعلن عن نشر وثيقة رسمية غدا    راغب علامة يطرح أغنيته الجديدة "ترقيص"    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على ذكرى النكبة    رئيس جامعة عين شمس يفتتحا الجلسة العلمية الثانية " الذكاءالاصطناعي والتحول الرقمي    محافظ الجيزة: عمال مصر الركيزة الأساسية لكل تقدم اقتصادي وتنموي    ضبط سيدة تنتحل صفة طبيبة وتدير مركز تجميل في البحيرة    الإعدام شنقا لربة منزل والمؤبد لآخر بتهمة قتل زوجها فى التجمع الأول    استعدادًا للصيف.. وزير الكهرباء يراجع خطة تأمين واستدامة التغذية الكهربائية    التأمينات الاجتماعية تقدم بوكيه ورد للفنان عبدالرحمن أبو زهرة تقديرًا لمكانته الفنية والإنسانية    إحالة 3 مفتشين و17 إداريًا في أوقاف بني سويف للتحقيق    أمام يسرا.. ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة فيلم «الست لما»    تحديد فترة غياب مهاجم الزمالك عن الفريق    لن تفقد الوزن بدونها- 9 أطعمة أساسية في الرجيم    تصل ل42.. توقعات حالة الطقس غدا الجمعة 16 مايو.. الأرصاد تحذر: أجواء شديدة الحرارة نهارا    محافظ الجيزة يكرم 280 عاملا متميزا بمختلف القطاعات    جامعة حلوان تطلق ملتقى لتمكين طالبات علوم الرياضة وربطهن بسوق العمل    محسن صالح يكشف لأول مرة تفاصيل الصدام بين حسام غالي وكولر    ملائكة الرحمة بالصفوف الأولى.. "أورام الأقصر" تحتفل بصنّاع الأمل في اليوم العالمي للتمريض    زيلينسكي: وفد التفاوض الروسى لا يمتلك صلاحيات وموسكو غير جادة بشأن السلام    فقدان السيطرة.. ما الذي يخشاه برج الجدي في حياته؟    موريتانيا.. فتوى رسمية بتحريم تناول الدجاج الوارد من الصين    وزير السياحة يبحث المنظومة الجديدة للحصول على التأشيرة الاضطرارية بمنافذ الوصول الجوية    الاحتلال الإسرائيلى يواصل حصار قريتين فلسطينيتين بعد مقتل مُستوطنة فى الضفة    افتتاح جلسة "مستقبل المستشفيات الجامعية" ضمن فعاليات المؤتمر الدولي السنوي الثالث عشر لجامعة عين شمس    محافظ الإسكندرية يشهد ندوة توعوية موسعة حول الوقاية والعلاج بديوان المحافظة    "فشل في اغتصابها فقتلها".. تفاصيل قضية "فتاة البراجيل" ضحية ابن عمتها    "الصحة" تفتح تحقيقا عاجلا في واقعة سيارة الإسعاف    أشرف صبحي: توفير مجموعة من البرامج والمشروعات التي تدعم تطلعات الشباب    تحت رعاية السيدة انتصار السيسي.. وزير الثقافة يعتمد أسماء الفائزين بجائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الخامسة    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    رئيس إدارة منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع امتحانات شهادة القراءات    عامل بمغسلة يهتك عرض طفلة داخل عقار سكني في بولاق الدكرور    إزالة 44 حالة تعدٍ بأسوان ضمن المرحلة الأولى من الموجة ال26    مسئول تركي: نهاية حرب روسيا وأوكرانيا ستزيد حجم التجارة بالمنطقة    فرصة أخيرة قبل الغرامات.. مد مهلة التسوية الضريبية للممولين والمكلفين    كرة يد.. مجموعة مصر في بطولة أوروبا المفتوحة للناشئين    فتح باب المشاركة في مسابقتي «المقال النقدي» و«الدراسة النظرية» ب المهرجان القومي للمسرح المصري    شبانة: تحالف بين اتحاد الكرة والرابطة والأندية لإنقاذ الإسماعيلي من الهبوط    تشكيل منتخب مصر تحت 16 سنة أمام بولندا فى دورة الاتحاد الأوروبى للتطوير    جهود لاستخراج جثة ضحية التنقيب عن الآثار ببسيون    ترامب: الولايات المتحدة تجري مفاوضات جادة جدا مع إيران من أجل التوصل لسلام طويل الأمد    رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة «معلم مساعد» حتى 45 عامًا    تعديل قرار تعيين عدداً من القضاة لمحاكم استئناف أسيوط وقنا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    أمين الفتوى: لا يجوز صلاة المرأة خلف إمام المسجد وهي في منزلها    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتزال صاحبة الجلالة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 08 - 2016

ما الذى جرى لنا بالضبط؟!.. تلك الوضعية المتدنية التى انحدرنا إليها! ذلك الكابوس الذى يطبق على أنفاس المهنة! الهلهلة والهرتلة والسوقية والامتهان والدرك الأسفل، وسمع هس الصحفيين يطلعوا برّه من القاعة من المجلس من المؤتمر من حفل التوقيع من دوائر الاحترام والاهتمام والحظوة والعناية والرعاية والصدارة والتقديم والتكريم.. و..خطبة رئيس الجمهورية الأخيرة وما قبل الأخيرة التى قدم فيها الشكر لجميع الفئات، لكل قطاعات الدولة، من الخارجية للداخلية للجيش لمجلس الأمة للمرأة للشباب للعلماء لرجالات القضاء كلهم.. كلهم.. اللهم إلا نحن.. الصحفيين وأهل الإعلام.. كلكيعة الدولة الآن.. الكتلة الحرجة.. الورم الخبيث.. الزفت الطافح والجرح الناقح، وليه يا بنفسج ضيّعت مستقبل حياتك وكنت الزهر المفتح الفواّح.. ليه يا صحافة أسدلوا عليك الستار؟!.. ليه أصبح النت والفيس والتويتر فى الصدارة وانت يا غالية رخصت واتبعت فى سوق النخاسة الكيلو منك بقرشين؟!.. ليه أصبحت جرائدك مكوّمة كجثث موتى داعش فوق الرصيف؟.. ليه أدار القراء ظهورهم لك كما أداروا ظهورهم للترعة زمان؟!.. الرجل تِعب زِهق ملّ يكلمنا يرشدنا يناشدنا ينبهنا يوعينا يعاتبنا، ولما زهد فينا قام بتشفيرنا وأصبح كلامه موجهاً لغيرنا ومع غيرنا.. ليه يا زملاء القلم وحبر المطابع والمانشيتات والمقال انقسمتم شيعًا وطوائف شتى ومرتزقة ومفترسة ومنفرسة ومنزلقة ومحترقة ومنسحقة وبشمركة؟!.. ليه صحافتنا أصبحت تمر بفترة عصيبة لم تشهد لها بلادنا مثيلا فى تاريخها؟!.. حالة حمى.. درجة الحرارة مرتفعة لا من جودة صحافتنا وإنما من شدة احتكاك الحابل بالنابل واندحار القيم وتأرجح الموازين.. ليه أصبحت أقلام البعض تشعل البيت نارًا وتتلف الثمار وتكسر الغصون؟!.. ليه عاد قطاّع الطريق يتسلقون جدارنا وينغصون عيشتنا ويهددون بقاءنا ويسرقون طعامنا وقمحنا وأرزنا؟!.. ليه سود الضمائر يشتمون ويتآمرون ويمنعون الماعون؟!.. ليه أصبح ما يطرحونه مثقوباً كالأحذية القديمة يقود للضغينة للهزيمة؟!.. ليه صحفهم مالحة وسطورهم أسماك ميتة طافحة على سطح المالح؟!.. ليه يجعلون من أشرافنا أنذالا وأقزامنا أبطالا؟!.. إن الكلمة يا سادة إبرة مورفين.. الكلمة جسد مهترئ.. الكلمة كرة مطاط.. الكلمة جمرة من نار.. الكلمة طلقة رصاص.. خنجر مسنون.. الكلمة حفلة زار.. الكلمة تفرقنا وتجمعنا وتنشلنا وتغرقنا وتأخذنا نطير زى العصافير وتدفننا فى سابع أرض.. الكلمة تولد طازجة فى المهد وتتوكأ على عصا شيخوخة.. الكلمة تستل سكيناً وتنتحر بحزام ناسف.. الكلمة مأذنة وساعة ميدان وخطبة إمام وشهادة على العصر.. الكلمة تحرق جميع المراكب.. الكلمة تسد الأبواب وتفرق الصحاب وتُلوِث الأحقاب وتشتت الأحزاب وتمنح الثواب والعقاب.
ليه أصبحت صحافتنا أشبه بعربة مندفعة بسرعة غير منضبطة على الطريق، وكان لابد شئنا أم أبينا أن يحدث للعربة حادث وأن تصطدم بلورى أو فنطاس أو حتى بعربة كارو، وكان مفروضاً بعد الحادث الذى ذهب ضحيته من ذهب أن يهبط الركاب الباقون لدفع العربة المصابة إلى أقرب ورشة وأن يتولوا إصلاحها جميعاً لكى تعود تمضى على الطريق، ولكن ما حدث أنهم وقفوا منتظرين معجزة أن تنصلح العربة من تلقاء نفسها، ولما طال بهم الانتظار وفرغ معين الصبر بدا كل منهم يسعى إلى خلاصة المفرد، ويأخذ له قطعة غيار أو صامولة، أو حتى يخلع عجلة القيادة ويمضى إلى أقرب تاجر مسروقات ليبيعها وبثمنها يمتطى أى شيء وينجو، ويبقى من لم يستطع أن يسرق، ومن لم يستطع أن يخلع، ومن عجز بشرفه أو بصدقه أو بغبائه أن يترك القوم ويمضى ناجياً بنفسه، وتتبقى العربة معه ومعهم وقد أصبحت كوم من الحديد الخردة، ونعود نرفع رأسنا من فوق المنظر المفجع ونقول: ما الحل؟!.. و..ليه يا صاحب قلم أصابه الحوَل فأصبح لا يرى سوى البلاء والبلى؟!.. ليه يا سجيع الإعلام أصبحت لا تستطيع إثبات قوتك وعرض مجانصك سوى بالتطاول وإجهاض كل جديد ولو كان المولود مدناً تترى، ومساكن كغابات من أسمنت تسد عين الصحراء، وأبراجًا وأنفاقاً وصوامع ومشاريع ومحاور و..و..قناة جديدة شريانا للحياة.. وعاصمة جديدة بزغت للنماء.. ليه يا أرباب مهنة البحث عن المتاعب أصبحتم بدوركم متاعب مباعة تباّعة بتاعة كل من يعطى تباعاً.. ليه يا صحافة بلدى أجدبت أرضك لتغدو قفرًا لا ينبت سوى صبارًا وشوكًا وهى التى ظلت تنبت للأمس القريب زهورًا ورياحين وخمائل وأعناب وحب الرمان وأعطاف نخيل طوبى للقارئين؟!.. ليه رجعنا لزمن لا يستطيع فيه الجرنالجى التقدم بكبرياء وفخار ومشاعر العالم ببواطن الأمور لطلب يد بنت الناس الطيبين؟!.. ليه الصحفى الذى كان يمشى ملكًا أصبح فى عداد المعوقين معذرة ذوى القدرات الخاصة؟!.. ليه لم يعد فينا بهاء ولا رجاء ولا هيكل ولا أباظة ولا الست روزا ولا إحسان ولا الإخوة أمين ولا صاحب الجلالة التابعى الذى يروى عنه الكاتب الصحفى إبراهيم الوردانى عندما كان محررا ناشئا تحت رئاسته فى آخر ساعة كيف غضب التابعى من الرقيب الذى شطب للوردانى ثلاث صفحات، وكيف أخذه التابعى معه إلى وزير الداخلية «فؤاد سراج الدين».. ويصف الوردانى اعتزاز التابعى بنفسه وبتلامذته فيقول: «وركبت بجواره ومعى البروفة فى سيارته الرولز رويس الباهرة الفاخرة، وطربوشه المائل على الحاجب يهتز من شدة ما هو منفعل وغاضب!.. ومرقت السيارة بنا من بوابة الداخلية والعساكر تعظيم سلام، والتابعى بأرستقراطيته النفاذة يقتحم الأدوار والردهات والحجرات، والناس له ينحنون ويفسحون، ثم تندفع خطوات حذائه نحو مكتب مزدحم بأطقم من أفخر الرياش، وشاب فائح الأناقة هو مدير مكتب الوزير يقفز مهرولا منحنيا للتابعى.. وقبل أن يحاول الشاب الدخول وهو يفتح الباب مواربًا على غرفة الوزير سبقته خطوات التابعى العصبية وهو يجرنى من ذراعى، وبركلة من حذائه دفع الباب ليُفتح على المصراعين.. نعم فتح الباب بركلة من حذائه!.. ويا له من منظر لا أنساه.. الباشا المرعب الذائع الصيت فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية والحاكم العسكرى والآمر الناهى فى كل بر مصر.. المنظر.. المشهد.. الباشا.. سراج الدين.. كالوهج منجعص خلف مكتب مطعَّم بالأبانوس والقطيفة الخضراء، والبللور الضاوى من حوله له بريق الذهب ورائحة البنكنوت الطازج.. فى فمه سيجار له حجم الفأر وفى إصبعه خاتم له شكل الفانوس، وأمامه يجلس كرشان فخمان.. الباشا عثمان محرم والباشا عبدالمجيد صالح.. هب الثلاثة الفخام العظام فى استقبال التابعى وأذرعهم تفرد نفسها لطويل العناق، ولكن التابعى توقف فى منتصف الحجرة متجاهلا الأذرع الممدودة وانطلق مزمجرًا معنفاً مخيفاً بكلام خلاصته الرفت الفورى لهذا الرقيب الوقح وأن يسمع الاعتذار من وزير الداخلية وفورًا..!.. ويا له من مشهد انزرع فى العين والباشاوات الفحول يهدئون الصحفى المنفعل الغضوب.. يدللون ويسترضون بل يتزلفون.. واهدأ يا محمد.. روّق يا تابعى.. نرفت لك الرقابة كلها يا سيدى بل تعتذر لك أجهزة الحكم كلها.. كل هذا وأنا جالس على طرف المقعد منكمشًا مبهورًا ذاهلا، وريفيتى المفرطة لا تصدق أن يكون للقلم الصحفى مثل هذا السلطان.. أقول وأردد.. لقد انزرع هذا المشهد فى عينى وفى مشاعرى وعلى أسطر ضلوعى وكأنه التقييم الهائل لقيمة الصحفى فى بلاط الحكم والسلطان.. ويا إلهى كيف لا يتعامل الصحفيون والكُتّاب بمثل هذا الشمم وتلك الكبرياء.. نعم انطبع المشهد وشاع فى وجدانى ولم أسأل وقتها من أين هذا السلطان؟! ومن أعطى هذا السلطان؟! ولحساب من هذا السلطان؟!.. إنه الشعب لا سواه.. هو وحده الذى يعطى مثل هذا السلطان..».
ويذهب يوسف إدريس فى الستينيات للقاء محمد حسنين هيكل صاحب الحديث العاجل الناعم الحاسم المستمر كدقات تلغراف مبطن بالقطيفة، السريع الحركة سريع الفهم سريع الأخذ والرد والإجابة والاستجابة.. ذهب يسأله عن رأيه فى جريدة الجمهورية التى عهد إليه مهمة الكتابة اليومية فيها..
■ ما رأيك فى الجمهورية؟
- سؤال محرج فى الحقيقة، ولكن أتريد رأيى؟ الجمهورية تمثل بحكم وضعها فكرة الثورة، وهى تقوم بأخطر تجربة فى الصحافة العربية، أنا لا أوافق من يقولون إن أرقام التوزيع مبالغ فيها. الأرقام فعلا حقيقة، والجمهورية ارتفع توزيعها فى الفترة الأخيرة ستة أضعاف وربما سبعة، ولكن الأهرام لم تتأثر أبدًا بهذه الزيادة الهائلة، بل الحقيقة أن توزيعها ارتفع هو الآخر.
■ وعيوبها؟
- لا لا لا. هذا كثير. لنفرض أنى ذكرت بعض العيوب فهل تنشر جريدة نقدًا لها على صفحاتها؟
■ الجريدة القوية تفعل.
- المشكلة ليست مشكلة عيوب، المشكلة هى الاحتفاظ بهذا العدد الوافر من القراء. إذا ظلت الجمهورية توزع هكذا فلن يعتبر نجاحها هذا نجاحاً لها فقط، ولكنه نجاح للصحافة العربية كلها.
■ كيف، ونجاح جريدة قد يغلق أخرى؟
- بالعكس. الجرائد كالمذاهب، كالأحزاب، كالآراء، لا تلغى بعضها بعضا، الواقع أنها تقوى بعضها البعض، ونحن هنا حتى لازلنا فى حاجة لجرائد ناجحة أخرى.
■ وأين تضع صحافتنا من صحافة العالم فى رأيك؟
- صحافتنا متقدمة جدا، دعك من بريطانيا، وخذ بقية أوروبا وآسيا وافريقيا حتى اليابان، تجد جرائدنا المصرية ومجلاتنا لا تكاد تبارى.
■ فى الماضى كانت صحافتنا حافلة بمعارك الهجوم والنقد، والآن تغيرت الحال، فماذا حدث؟
- تقصد الهجوم على الحكومة مثلا.. أنا معك أنا هذا غير موجود الآن، زمان الحوار فى أوائل الستينيات كان باستطاعتك أن تهاجم رئيس الوزراء لأنه يستغل نفوذه ويعطى تصاريح استيراد لابن أخته مثلا لأن هذا كان يحدث فعلا، أما الآن فدلنى على رئيس الوزراء أو الوزير الذى يستغل نفوذه.. فى الماضى كانت الصحافة تهاجم الحكومات لأن الحكومات كانت تخون وتتهادن وتتهاون، أما اليوم فالحكومة تجتث الفساد حتى قبل أن يصل خبره إلى الصحافة، فلماذا الهجوم عليها؟ وأعتقد أن تساؤلك هذا يدور فى بعض الأذهان التى لم تستوعب التغير الذى حدث فينا ولنا، والتى تفكر وكأننا لانزال فى عصر الأحرار الدستوريين والكتلة، لقد خلفنا وراءنا هذه المرحلة بمسافات طويلة جدًا. إنهم لايزالون يعيشون فى أول القصة، بينما الأحداث تطورت والفصول توالت، فكيف يريدوننا أن نعود معهم لنحيا فى البداية؟!
■ كأستاذ لفن التحقيقات الصحفية والسياسية، وأول من كتبها فى الصحافة العربية.. ترى هل جاء اختيارك هذا عن عمد، أم كانت هناك نقطة تحول؟
- محاضرة استمعت إليها وألقاها مراسل حربى كان قد حضر الحرب الأهلية الإسبانية ومرَّ بالقاهرة، بينما كان يتحدث عن العمل الصحفى فى الميدان، هتفت بكل ما فى نفسى: هذا ما أريد أن أكونه.
■ وبالضبط ماذا كنت تريد؟
- الصحافة إلى ذلك الوقت (أواخر الحرب العالمية الثانية) كانت إما أخبارًا يجمعها المندوبون، وإما مقالات يكتبها كتاب، أو تعليقات على الأخبار أو الأحداث يكتبها كبّار الصحفيين. بالاختصار كان الخبر هو الذى ينتقل إلى الصحفى فى جريدته أو مكتبه أما أن ينتقل الصحفى إلى مكان الخبر أو الحادث ليرى ويدرس ويجمع المعلومات ثم يكتبها فى تحقيق صحفى لجريدته، فنوع من الصحافة لم يكن قد عُرف بعد، وهكذا حددت منذ البداية هدفي، وبدأت كمخبر حوادث، وأول سلسلة من التحقيقات الصحفية قمت بها فى أخبار اليوم كانت عن الخُطّ وعصابته الشهيرة فى الصعيد، وبعدها عن وباء الكوليرا، ثم عن حرب فلسطين، ثم الحرب الأهلية فى شمال اليونان، ثم كوريا عام 50 والصين والهند وإيران وتأميم البترول وعبدان وعزل مصدق، وقامت الثورة وأنا رئيس تحرير آخر ساعة فتركت المكتب وانتقلت وراء أخبارها وتحركاتها فى كل مكان.
■ وحققت كل أحلامك؟
- بعضها.
■ ألم تحلم بشيء آخر غير الصحافة؟
- أبدًا.
■ أحلامك للمستقبل؟
- الصحافة أيضاً.
■ بما تكتبه تقوم بدور سياسى فعلا؟
- أزاول السياسة كصحفى، ولكنى أبدًا لا أزاول الصحافة كسياسى..
■ وما الفارق؟
- هو الفارق بين الصحافة والسياسة، وأنا لا أستطيع أن أعمل إلا بالصحافة، فهى ليست بالنسبة إلىّ مجرد عمل أو هواية، أو أكل عيش، إنها حياتى، إنها أنا...
وإذا ما كان هيكل فى ستينيات القرن الماضى مباهيًا بصحافتنا المصرية فنحن من بعد مرور 16 سنة على القرن الجديد أصبحنا نزجج صحفنا بمقالات ودراسات الصحف العربية السعودية والخليجية واللبنانية التى ساهمنا فى تأسيسها وتوطيد أركانها وكتابة سطورها كنوع من التحلية وإطلاع القارئ المصرى على عمق التفكير وبلاغة اللغة وجزالة العبارة وسعة المعلومات ودوائر الاطلاع.. و..المثل بيقول «القرعة بتتباهى بشعر بنت أختها» فى الوقت الذى يندر الآن أن تطالع سطورا مصرية فى تلك الصحف.. وإذا لم يعد بيننا الآن هيكل ولا إدريس ولا أنيس ولا التابعى صاحب الجلالة، فإننا فى حاجة ملحة إلى رجل عاقل وسط هذا المولد الصحفى الذى نعيشه، أو إلى مجموعة من الرجال العاقلين تعيد صحافتنا إلى صوابها، فلا يغرنا ضجة البائعين الجائلين وكلاكسات النفاق وخناقات السوق ووقفات السلالم ودعاء جوقة من أينعت رؤوسها وحان قطافها من بعد تعديها السنوات المقننة وهى لازقة بالأوهوو فى موضعها: «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف واعم عيونهم عن قانون الصحافة الذى قد يكون الخير فيه وقد لا يكون، والذى يُكرم المرء فيه أو يُهان وقطعا يُهان، والذى اجتمع لوضعه الخبراء واللجان والمجالس من مشارق الأرض ومغاربها اللهم إلا جنوبها وشمالها واجعله اللهم قانوناً كالسراب وبمثابة الطلسم يرتدى طاقية الإخفاء ويعيش فى طى الكتمان سابحًا فى زورق من صنع الأشاوسة الجدعان هائما على وجهه ما بين الوزارة والبرلمان مشرَّدًا ما بين بوستة إسماعيل وعبدالعال كمان.. هذا ولابد من إنقاذ الصحافة من حمى الصحافة ووضعها فى الإنعاش لإعادة الوعى الغائب وانتشال المهنة المقدسة من تردى أوضاعها.. إذ الوضع جد خطير، خاصة بعدما قدمت صاحبة الجلالة بأفعالها وثيقة تنازلها عن العرش.. وهنا وفى الختام لن يطاوعنى قلبى برفع شعار «تحيا مصر» كالعادة فالصحافة قلب مصر النابض..

أمثال الميدانى
فى رحلة تجوالى بين أمثال أبى الفضل الميدانى المطبوعة سنة 1290ه بكردستان أوجزت فى الاختيار بقرار علوى حول ما يجاز من مساحة متاحة للكلمات الموحيات من ضروب الأمثال:
«آفة العلم النسيان».. «إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك فلا تأمن أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك».. «أول الشجرة النواة».. «إذا خان القضاء ضاق الفضاء».. «إذا قام جناة الشر فاقعد».. «إذا أتاك أحد الخصمين وقد فُقئت عينه فلا تقضى له حتى يأتيك خصمه فلعله قد فقئت عيناه الاثنتان».. «إنك لا تعدو بغير أمك».. و«إنك لا تجنى من الشوك العنب».. «إن كنت ذقته فقد أكلته».. «إذا ضربت فأوجِع فإن الملامة واحدة».. «إذا تفرقت الغنم فهنيئا للعنزة الجرباء».. «تاج المروءة التواضع».. «تزاوروا ولا تجاوروا».. «تفرق بين المسلمين الدراهم».. «تكلم فقد كلّم الله موسى».. «توبة الجانى اعتذاره».. «جوّع كلبك يتبعك».. «جعل بطنه طبلا وقفاه اصطبلا».. «ظن العاقل خير من يقين الجاهل».. «العفّة جيش لا يُهزم».. «كل امرء فى بيته صبى».. «كالعصفور إن أرسلته فات وإن قبضت عليه مات».. «الكلب لا ينبح فى داره».. «كل غريب للغريب نسيب».. «كلما كثر الذباب هان قتله».. «لابد للمصدور أن يسعل».. «لا تعلم اليتيم البكاء». «لا تهرف بما لا تعرف».. «لا يصلح رفيقاً من لم يبتلع ريقاً».. «لو خُيرت لاخترت».. «لو كرهتنى يدى ما صحبتنى».. «الليل أخفى الويل».. «لسان من رطب ويد من خشب».. «لكل قوم كلب فلا تكن كلب أصحابك».. «لا تكن رطباً فتُعصر ولا يابساً فتُكسر». «لا يجد فى السماء مصعدًا ولا فى الأرض مقعدًا».. «من حبّ طب».. «من ذهب ماله هان على أهله».. «من اتكل على زاد غيره طال جوعه».. «من أحب أحدًا أكثر من ذكره».. «من أحسن السؤال عَلِمَ».. «من استحى من ابنة عمه لم ينجب منها ابناً».. «من اشترى ما لا يحتاج باع ما يحتاج».. «من اصطنعه السلطان صبغه الشيطان».. «من أطاع غضبه أضاع أدبه».. «من أُعجب برأيه ضلّ ومن استغنى بعلمه ذلّ».. «من شرب مرقة السلطان احترقت شفتاه ولو بعد حين».. «من بلغ السبعين اشتكى من غير علّة».. «من تأنى أدرك ما تمنى».. «من ترك حرفته ترك بخته».. «من تصنت سمع ما يكره».. «من تعدى الحق ضاق مذهبه».. «من ثَقُل على صديقه خفّ على عدوه». «من جال نال».. «من جعل من نفسه عظاما أكلته الكلاب».. «من دخل مداخل السوء اتُهم».. «من زرع المعروف حصد الشكر».. «من سابق الدهر عَثُر».. «من سعى رعى».. «من سلّ سيف البغى قُتل به».. «من غاب خاب».. «من غضب من لا شيء رضى بلا شيء».. «فُرص اللص ضجّة السوق».. «من كثرة الملاحين غرقت السفينة».. «من لانت كلمته وجبت محبته».. «من طلب الغاية صار آية»..
ولعل أقوى ما قال الميدانى فى أمثاله كان بخصوص صاحب الوجهين: «يقول للحرامى اسرق ولصاحب البيت خذ بالك» و«الذى يلطم وجهى ويقول لى لم تبكى».. «الذى أكل تمرى وعصى أمرى».. «الذى يدهن لك من قاروة فارغة».. «الذى غربل الناس فنخلوه».. «الذى يحج والناس راجعين».. «الذى يبنى قصرا ويهدم مصرا»!!

يا نيل. أنا واللى أحبه نشكرك
مصر هبة النيل عاشقها وحاميها وجنتها ورضوانها وصاحبها وهاديها ومهديها وراويها وأبدًا لن يُعطِّش أراضيها، وعناية الله بها أبدًا تدركها فى أحلك أوقاتها فتحيل الظمأ ارتواء والجفاف ماء والخيفة أمنًا والظلمة إشراقاً ونورًا.. وبعدما سجل فيضان العام الماضى أقسى انخفاض منذ مائة عام حتى بلغ مخزون المياه فى بحيرة السد أقصى ارتفاعه بلغ 200 مليار مترمكعب فقط لا غير كمؤشر بالغ الخطورة.. ومكثنا نبتهل للغيث انهمارًا وللشمتانين خذلانا وللصلف نهاية ولأهل الشر اندحارا، فإذا ببشائر الخير قادمة، وإذا بآيات الله تترى لأهل المحروسة، فمن بعد 30 يونيو، واكتشافات حقول الغاز فى المتوسط، ها هو فيضان الخير آتٍ يفتح له مفيض توشكى أبواب الترحاب بمنخفضاته الأربعة وكان قد أنشىء فى عام 182 بتكلفة 48 مليون جنيه ليستوعب 100 مليار مترمكعب من المياه فى حالة الاستثناء، ومنذ إنشائه وباب رزقه موصدًا اللهم إلا فى مرة واحدة يتيمة عام 1956 عندما بلغ النيل مداه..
ولتشدو أم كلثوم وتعلو بالغناء فى مهرجان هزّت الدنيا به أعطافها واختال فيه المشرق تيمنا بموكب جاء من عُليا الجنان يتدفق.. و«قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» صدق الله العظيم..
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.