تربية البنات تحتاج إلى معاملة من نوع خاص.. هذه حقيقة يقررها الخبراء والمتخصصون فى التربية وعلم النفس، فالشدة والقسوة تخرجان للمجتمع فتيات مترددات نافرات من المسئولية، واللين والإفراط فى التدليل يخرجان للمجتمع فتيات مستهترات لا يعرفن المسئولية.. أما التمييز لمصلحة الأولاد فربما يدفع البنات لرفيقات السوء. دللى ابنتك.. لكن بالعقل، وتشددى معها عند الضرورة فقط. يؤكد د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية النوعية بجامعة عين شمس ماسبق ويقول: إن التدليل المفرط للبنت يساعد على خلق شخصية انسحابية غير قادرة على مواجهة المواقف الصعبة، فحينما تتعرض إلى موقف معقد وصعب فإنها تعمل على إحالته للآخرين لحله لجهلها بكيفية حل هذه المشكلة. كذلك يظهر نتاج التدليل المفرط فى إيجاد شخصية سطحية متطفلة لاتقدر على معالجة الأمور واتخاذ القرار, فهذا أسلوب يمثل أكبر عائق فى إعداد شخصية سوية وزوجة قادرة على التكيف مع معضلات الحياة ومشاقها ومواجهتها. ويشير أستاذ التربية إلى أن التسلط والشدة الخانقة عملا بمقولة «اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24» أو الشدة عليها من باب حمايتها وبناء شخصية قوية قادرة على تحمل أعباء ومشاق الحياة.. فهذا أمر أيضاً مرفوض وليس من شأن هذه التربية المتسلطة أن تنشئ ابنة أو زوجة سوية، بل تؤدى إلى إيجاد شخصية مترددة ومهتزة ليست لديها القدرة على اتخاذ قرار مصيرى فى أى أمر. وهذا النمط فى تربية البنات يساعد على تكوين شخصية مشتتة تابعة مقودة وليست قائدة تعوزها القدرة على اتخاذ قرار ولو كان هذا القرار متعلقاً بشراء بعض الاحتياجات المنزلية البسيطة, وتبدو ليس لها أى صوت أو عبارات تنطق بها غير أنها تابعة للأوامر خائفة من أن تنطق أو تعترض فتعاقب.. ومن ثم لا يمكن لهذه الشخصية إذا أصبحت زوجة وأماً أن تكون قادرة على بناء شخصيات سوية تستطيع أن تواجه الحياة وغير قادرة على التأقلم معها، فمشكلة هذه الشخصية تظل قائمة حتى فى علاقتها الزوجية مع زوجها، لأن هذه الشخصية تتسم بالتبعية والتردد، تلك المفاهيم التى غالباً ما يكرهها الرجل، وقد يؤدى تعزيز مثل هذه المفاهيم لدى بعض السيدات إلى انفصام العلاقة الزوجية، خاصة أن مسئوليات الحياة أصبحت متراكمة ومعقدة وتتطلب وجود زوجة قادرة على تحملها ومواجهة الصعاب بشتى ألوانها. وللطب النفسى رأى فى هذا الموضوع يوضحه د. محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة الأزهر يقول فيه: إن التدليل والشدة فى التعامل مع الأبناء سواء البنت أو الولد أمران مطلوبان.. ولكن بقدر وبحدود (فإن زاد الشىء على حده ينقلب إلى ضده) فالتدليل مطلوب وشىء جميل أن يظهر الآباء لأبنائهم وبناتهم حبهم لهم ومشاعرهم تجاههم فهذا مهم جداً فى بناء شخصياتهم وتدعيمهم، فهذه المظاهر ليست مؤثرة فقط على النمو النفسى، فقد أثبتت الدراسات أن إظهار الحب والمشاعر من الآباء تجاه الأبناء من شأنه بناء ونمو جسدى أفضل لهم من أقرانهم الذين يخفى آباؤهم عنهم مشاعرهم، فعلى العكس فإن إخفاء المشاعر سرعان مايؤثر على بناء شخصية الأبناء، فيصبح شاباً أو فتاة ناضجين ولكن يفتقد كل منهما مشاعر الحب ويتعلمان كيف يخفيان هذه المشاعر فيما بعد على أبنائهما وزوجيهما، ومع تكرار النمط نفسه يصبح هناك مجتمع يفتقر إلى مشاعر الحب والاهتمام. وبناء على ذلك يرى أستاذ الطب النفسى أن مفهوم الدلع الزائد للبنت يتمثل فى إظهار المشاعر بشكل مفرط ومبالغ فيه، وهو سبب لظهور الأمراض النفسية والقصور فى تكوين شخصيتها.. وهناك وجه آخر للتدليل المفرط المتمثل فى «التساهل» عند التعامل مع البنت فعندما تخطئ لا تجد رد فعل مناسباً لذلك.. وهذا يجعلها عرضة للاضطرابات الشخصية أو الانحرافات السلوكية وقد يفسد عليها زيجتها بعد ذلك. وعلى العكس من ذلك التدليل، هناك القسوة الزائدة وهى نوع من الإفراط فى المشاعر السلبية.. ومنها التفرقة فى المعاملة بين الولد والبنت.. من حيث إعطاء الولد حقوقاً ليست مسموحة للبنت خصوصا فى فترة المراهقة، فهذا النوع من التربية من شأنه بناء أنثى قليلة الثقة بالذات مع شعورها الدائم بالدونية ويجعلها عرضة للاكتئاب، كما أن القسوة الزائدة تؤدى إلى الإصابة بالكبت الشديد للأنثى فتكون شخصيتها مضطربة ويمكن أن ينعكس هذا الأسلوب فى التربية على أبنائها فيما بعد، حيث تكون شخصية عنيفة متسلطة مع أبنائها وزوجها. وخلاصة الأمر.. التدليل يجب أن يكون وسطاً بين الدلع الزائد والقسوة الشديدة.