ليس مطلوبا من مسلم القرن الحادي والعشرين كثيرُ صلاة وصوم، وعبادة واجتهاد، وإنما مطلوب منه، أن يعيش حياة متوازنة معتدلة، يعطي فيها لكل أحد حقه: ربه.. نفسه.. عمله.. والديه وذويه، والناس أجمعين؛ في معادلة يتحقق فيها قيام المرء بحقوق الله تعالى وعبادته، وحقوق الخلق، والإحسان إليهم. أي اجتهاد بعد ذلك من المسلم هو اجتهاد مشكور، وعمل مقبول.. قال تعالى: "وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".(المطففين: 26)، وقال تعالى: "وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" (الأنعام:132). فمن أتى بالسنن، وأكثر من النوافل، كان أعلى منزلة في الجنة، لأنه في رتبة "السابق بالخيرات".. قال تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ".(فاطر:32). قال ابن عباس: "السابق بالخيرات" يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد، صلى الله عليه وسلم". إن الإسلام دين واقعي، تكاليفه سهلة، وأموره ميسرة، وهو لا يطلب من المسلم سوى عبادات، هي عنوان ولائه لله، وخضوعه لأمره، عائشا بكنف الحلال، مجتنبا الحرام. وإن اكتفى بذلك؛ على بساطته، ولم يزد عليه شيئا، كانت الجنةُ جزاءه؛ ومصداق ذلك الحديث.. "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَرَأَيْت إذَا صَلَّيْت الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْت رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْت الْحَلَالَ، وَحَرَّمْت الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا؛ أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ". (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). واستخرج العلماء من هذا الحديث نقاطا تساعد المسلم على فهم الإسلام، والالتزام بتعاليمه، دون عَنَت، أو مشقة، مؤكدين أن عليه مدار الإسلام، "لأن الأفعال إما قلبية أو بدنية، وكل منها إما مأذون فيه، وهو الحلال، أو ممنوع منه، وهو الحرام، فإذا أحل الحلال، وحرم الحرام، فقد أتى بجميع وظائف الدين، ودخل الجنة آمنا". (الجواهر اللؤلؤية شرح "الأربعين النووية"). قال ابن حجر الهيتمي: "هذا الحديث جامع للإسلام؛ أصولا وفروعا". وقال القاضي عياض: هذا الحديث شمل جميع وظائف الإيمان، والسنن".(شرح صحيح مسلم". وفي سؤال الصحابي: "أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟"، ما يدل على أن الجنة كانت ملء شغاف قلوب الصحابة، ومدار سؤالهم، وفرط تعلقهم، فدخولها أشرف مقصد بالنسبة إليهم. في الحديث أيضا أن مَنْ التزم بأداء الفرائض، وترك المحرمات؛ دخل الجنة، وأن الاقتصار على ذلك، يكفي في دخولها، طالما أنه التزم بشرائع الإسلام، وصدق في الإيمان، ولم يتعلق بالأماني الكاذبة، كحال متأخري أهل الكتاب. قال تعالى: "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا".(النساء: 123، 124). وقال الصحابي: "وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا".. علق القرطبي في "المفهم" بقوله: "لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم للسائل شيئًا من التطوعات، وهذا يدل على جواز تركها على الجملة، ولكن من تركها، فقد فوَّت على نفسه ربحًا عظيمًا، وثوابًا جسيمًا". والأمر هكذا، شدد العلماء على أنه: "من حافظ على الصلوات الخمس، والزكاة، ورمضان، والحج، وبر الوالدين، وعدم الشرك بالله، واقتصر على ذلك، ولم يتطوع بالنوافل؛ دخل الجنة، وكان في رتبة "المقتصد" من أهل الإيمان، ومنزلة "أهل اليمين" في الجنة. وبكل حال، قال ابن رجب الحنبلي، في "جامع العلوم والحكم: "الحديث يدل على أن من قام بالواجبات، وانتهى عن المحرمات؛ دخل الجنة، وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، أو ما هو قريب منه". ففي "الصحيحين" عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ أَعْرابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "دُلَّني عَلى عَمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجنة، قَالَ: تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمفْروضَة، وَتَصُومُ رَمَضانَ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ أَزِيدُ عَلى هذا.. فَلَمّا وَلّى، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلى هَذا".(متفق عليه). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد