أخيرا وبعد إصرار على النفى.. أعلنت الحكومة أن هناك مباحثات تجرى منذ شهور مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض 12 مليار دولار على ثلاث سنوات. إعلان الحكومة أعقبه بيان من جانب صندوق النقد الدولى يقول فيه إن السلطات المصرية طلبت منه أن يقدم لها دعما ماليا لبرنامجها الاقتصادى، وأنه يرحب بهذا الطلب. مبدئيا لا بد من التأكيد على أن عضو مؤسس فى الصندوق وتسهم بحصة فى رأسماله، ولها الحق كسائر الأعضاء فى أن تحصل على تمويل ميسر، تتحدد قيمته وفقا لحصتها فى رأسمال الصندوق، لمواجهة أى ظروف طارئة تؤدى إلى عجز موارد الدولة سواء فيما يتعلق بموازنتها العامة، أو بميزان مدفوعاتها مع العالم الخارجى. ويرى البعض أنه بما أن مصر تعانى حاليا بالفعل من أزمة فى موارد النقد الأجنبى، فعليها أن تلجأ إلى استخدام حقها فى الحصول على هذا التمويل الميسر. كما تؤكد الحكومة أن الحصول على قرض من الصندوق يعد فى حد ذاته شهادة ثقة فى قدرة الاقتصاد المصرى على سداد التزاماته الخارجية، وهو ما يؤدى إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية صندوق النقد الدولى يحرص دائما على وصف برنامج القرض الذى يقدمه لدولة ما بأنه برنامج إصلاح اقتصادى، وبأنه لا يفرض أى شروط، فالحكومات المعنية هى التى تقرر الإجراءات التى ستتبعها لتخفيض عجز الموازنة العامة وتوفير موارد النقد الأجنبى اللازمة لسداد القرض. ومع ذلك فإن تقارير الصندوق تؤكد دائما على الأولوية الكبيرة لخفض الإنفاق العام كسبيل لتخفيض عجز الموازنة، والتحذير من محاولة زيادة الموارد العامة عن طريق رفع معدلات الضرائب على الدخول المرتفعة، على أساس أن ذلك يضر بمعدلات الاستثمار. السبيل المفضل لزيادة إيرادات الحكومة من وجهة نظر الصندوق يتمثل فى خصخصة المشروعات والمرافق العامة، كما أن النوع المفضل من الضرائب الذى يمكن زيادته هو الضرائب غير المباشرة ،مثل ضريبة القيمة المضافة ورسوم الخدمات الحكومية، التى تؤدى إلى زيادة الأسعار ورفع تكاليف المعيشة. اتفاقية قرض الصندوق لليونان، على سبيل المثال، ركزت على رفع ضريبة القيمة المضافة على المطاعم والفنادق والوقود والمواد الغذائية والأدوية والكتب، ورفع الضريبة على أرباح الشركات الصغيرة وعلى المزارعين، وتخفيض الإنفاق على المعاشات، ومراجعة نظم التفاوض الجماعى بين العمال وأصحاب العمل، فضلا عن تعهد اليونان ببيع أصول مملوكة للدولة بما يعادل 50 مليار يورو يستخدم معظمها فى سداد الديون الخارجية. أما الاتفاق المبدئى الذى سبق التوصل إليه خلال سعى مصر للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى فى نهاية عام 2012 فقد تضمن تعهد مصر بتطبيق مجموعة من الإجراءات على رأسها تخفيض الدعم، ولا سيما دعم الطاقة، وزيادة أسعار الخدمات الحكومية، وتوسيع قاعدة الضريبة على المبيعات بالتحول إلى الضريبة على القيمة المضافة، وتطبيق ضرائب تصاعدية على الدخل وضريبة على الأرباح الرأسمالية للمتعاملين فى البورصة، وتوفير مزيد من المرونة لسعر الصرف وهو الاسم الحركى لتخفيض قيمة الجنيه المصرى، ورفع سعر الفائدة، والتوسع فى الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى مجالات مياه الشرب والطرق والصحة وإعادة تدوير المخلفات الصلبة. ونلاحظ أنه باستثاء مسألة الضرائب التصاعدية على الأغنياء والضرائب على الأرباح الرأسمالية، فإن الحكومة مستمرة بالفعل فى تطبيق هذه الإجراءات بحذافيرها، ونشعر جميعا بأثرها المباشر على ارتفاع الأسعار وفواتير الكهرباء والمياه والغاز والنقل. وعلينا بالطبع توقع المزيد. ولكن إذا كانت هذه الإجراءات لم تفلح حتى الآن فى إصلاح حال الموازنة العامة ولا سعر الصرف ولم تسفر عن تدفق الاستثمارات ورءوس الأموال الأجنبية على البلاد، فما هى التعهدات الجديدة التى تزمع الحكومة تقديمها للصندوق لتؤكد قدرتها على سداد التمويل الضخم المستهدف؟ الإجابة فيما يبدو هى بيع الأصول العامة! الشهور السابقة شهدت بالفعل تصريحات لعدد من المسئولين بطرح حصص فى رءوس أموال بنوك وشركات تأمين، وطرح حصص فى الشركات العامة بنحو 90 مليار جنيه. الشعب لم ينس أن برنامج القرض المبرم مع الصندوق فى بداية التسعينات قد انتهى بخصخصة وتفكيك الصناعة المصرية وهيمنة الاحتكارات الأجنبية والمحلية على قطاعات الأسمنت وحديد التسليح والأسمدة والغذاء، فهل حل الدور الآن على قطاعات المال والبترول ومرافق الخدمات العامة؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى