ألغت ثورة يوليو الألقاب، وبعد ستين عاما أعدناها ليصبح كل من هب ودب «بك» و«باشا» ولا مكان للأفندية، قضت ثورة يوليو على الإقطاع وبعد ستين عاما ازدادت الهوة بين طبقات المصريين، استهدفت إقامة عدالة اجتماعية، فما كان بعد نصف قرن إلا أن ازداد الأغنياء ثراء، وازداد الفقراء بؤسا، أطلقت ثورة يوليو قانونا للإصلاح الزراعي فما كان منا إلا أن وأدنا الفلاحين في أراضيهم. ........................................................................ما سبق وغيره من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة، دفعت المصريين إلى كسر «تابوه»، وطرح تساؤل كان التفكير فيه من قبل وحتى وقت ليس ببعيد بمثابة «خيانة عظمى»، ألا وهو هل كانت حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952 ثورة أم انقلابا؟. الشباب الغاضب الذي لم يعاصر ثورة يوليو حمل على صفحاته بالفيس بوك، ثورة يوليو نتائج ما يعيشه اليوم وانطلق يقارن بينها وبين حال مصر في العهد الملكي قبل ثورة يوليو 1952، معبرا عن ذلك ببوستات غاضبة من أبناء «الريس عبدالواحد» جنايني الباشا في فيلم «رد قلبي»، متعاطفين مع علاء ابن البرنس وشقيق إنجي الذي حاول قتل علي ابن الجنايني عندما طلب الزواج من أخته. وكان من أبزر «البوستات» الساخرة على الفيس بوك تعبيرا عن هذا السخط الشبابي، بوست لأحد الشباب يقول (الفرق الأساسي في مصر قبل ثورة يوليو والآن، أن فاروق مشي ومعاه ألف باشا وساب ملايين الفقراء، والثورة جاءت ومعها مليون باشا وبرضو ملايين الفقراء.. الاختلاف فقط في عدد الباشوات). ويستمر الشباب في المقارنة الساخرة في بوستاته بين طبقية العهد الملكي وطبقية المجتمع المصري الآن قائلا: (واحنا في ابتدائي علمونا في التاريخ أن الملك فاروق كان فاسدا وكان طاغية وباع البلد للباشوات والإقطاعيين، رغم أنه في عهده تمكن أبناء الريس عبدالواحد «الجنايني» من دخول الكلية الحربية وكلية الشرطة، والآن بعد 64 سنة مرت على ثورة يوليو، أصبح التحاق ابن البوسطجي أو ابن الجنايني بتلك الكليات أو الالتحاق بسلك القضاء محل شك. وبجانب المقارنة الساخرة بين الوساطة والمحسوبية والطبقية في العهد الملكي وثورة يوليو والتي انعكست في كثير من البوستات، فإن مقارنة أخرى ساخرة عكستها بوستات الشباب تمحورت حول أحد أهم أهداف ثورة يوليو المتمثلة في القضاء على الفساد والقضاء على الإقطاع. وآخر وصل به الغضب إلى الشطط بالقول (بمناسبة ذكرى يوليو 1952 وانتقال لقب الباشا من الإقطاعيين إلى أمناء الشرطة ورجال الأعمال أحب أقول للملك فاروق .. إحنا آسفين جلالتك). وفي مواجهة هؤلاء يحاول جيل الستينيات ممن عاصر ثورة يوليو أو من الشباب المؤمنين بمبادئ ثورة يوليو الدفاع عنها وإبراز قيمتها التاريخية في مصر والمنطقة، ويروون في بوستاتهم على الفيسبوك ذكرياتهم مع ثورة يوليو وعصر «ناصر» مؤكدين أن ثورة 52 انحازت للفقراء وساوت ابن الباشا بابن البواب، ومصر لم تكن جنة قبلها فرغم ما يبث من صور عن رقي ونظافة مدن وشوارع مصر في العهد الملكي إلا أن الغالبية العظمى من الشعب كانت فقيرة لدرجة أن المشروع القومي وقتها تمثل في «مكافحة الحفاء». ويقول الأديب أحمد خالد توفيق في بوست ضمن هاشتاج «وما أدراك ما الستينيات» : «ثورة يوليو هي التي أتت بنا من خلف الجاموسة لكي تجعلنا أطباء وضباط ومحامين). كما يؤكد الدكتور محمد بسيوني أستاذ الصحافة في بوست له «أن الذين عاشوا ثورة يوليو طوال ال 18 عاما من حكم الزعيم جمال عبد الناصر يعرفون معنى العزة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والكفاح ضد المستعمر والإنجازات الكبرى للثورة الناصرية في مصر والوطن العربي وإفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية والعالم.. والذين صنعوا انتصاراتها من أبطال مصر رجالا ونساء يعرفون معنى العبور من الهزيمة إلى النصر بإرادة شعب لايقهر عام 1973 .. والذين قبضوا على جمر المبادئ والقيم ولم يخونوا أبدا مصلحة الشعب يدركون مرارة المقاومة الطويلة لسياسات الانفتاح ورأس المال حتى أراد لهم المولى سبحانه أن يروا ثورة أبنائهم وأحفادهم في 25 يناير 2011». ويحلل البعض الوضع بعقلانية فيدحض الاتهامات التي يوجهها الشباب الغاضب لثورة يوليو باعتبارها بداية المسار الذي أوصلنا إلى ما عانيناه اليوم من أوضاع معيشية واقتصادية ومجتمعية وسياسية صعبة، بتأكيدهم على أن ثورة يوليو انتهت بموت جمال عبدالناصر وحدث بعد موته انقلاب على مبادئها بإطلاق سياسة الانفتاح التي فتحت الباب لعودة سيطرة رأس المال وتفشي الفساد، وانتشار الطبقية الجديدة. ويدعم هذا السياق الأديب والفنان التشكيلي عبدالعزيز السماحي بقوله في بوست على صفحته الشخصية بالفيسبوك قائلا: (معظم أهداف ثورة 1952 لم تتحقق حتى اليوم .. مرت سنوات طويلة فلا عدالة اجتماعية تحققت بشكل كامل لكل المصريين . وفي ظل هذا الاشتباك والصراع الدائر بين الفريقين يمكن تلخيص حالة يوليو 1952 بعيدا عن جدلية الثورة والانقلاب في ذلك البوست على الفيس بوك الذي يحمل صورة الوفد الإثيوبي مجهشا بالبكاء في عزاء جمال عبدالناصر وقد تذيلت بتعليق يقول (اشتم ثورة يوليو واللي عملوها واختلف أو اتفق مع ناصر زي ما تحب، بس قوللي رأيك في صورة الوفد الإثيوبي وهو يجهش بالبكاء خلال العزاء في وفاة جمال عبد الناصر).