انتخابات النواب 2025.. الحصر العددي للأصوات بدائرة قليوب والقناطر في جولة الإعادة    حمدى رزق يكتب:«زغرودة» فى كنيسة ميلاد المسيح    البلطى بكام النهاردة؟.. أسعار وأنواع الأسماك فى أسواق الإسكندرية    وزيرتا التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزيرة التنمية المحلية تفتتحان حديقة مدينة ناصر العامة    صبرى غنيم يكتب:النبت الأخضر فى مصر للطيران    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة إلى 16% لهذا السبب    لافروف يبحث تعميق التعاون مع إيكواس في منتدى الشراكة الروسية الإفريقية بالقاهرة    سلام يعلن إنجاز مشروع قانون استرداد الودائع من البنوك في لبنان    بوتين: لا نية لدى كييف للحل السلمي والمبادرة الاستراتيجية في يد روسيا    كأس أمم أفريقيا.. منتخب الجزائر يستبعد حسام عوار ويستدعى حيماد عبدلى    علي ناصر محمد يروي تفاصيل الترتيبات المتعلقة بالوحدة اليمنية: خروجي من صنعاء كان شرطا    الجبلاية تنفي التعاقد مع مدير فني اجنبي لاتحاد الكرة    إبراهيم زاهر رئيسا لنادي الجزيرة حتى 2029    حبس 3 متهمات بممارسة الأعمال المنافية للآداب في الإسكندرية    الوطنية للإعلام توضح موقف خروج مصر من اتحاد إذاعات الدول العربية: عضويتنا كاملة وفاعلة ولم تتأثر    ياسر عبد الله يستعيد أرشيف السينما المنسية بمهرجان القاهرة للفيلم القصير    على ناصر محمد يكشف تفاصيل الوحدة اليمنية: خروجى من صنعاء كان شرطًا    مستشار رئيس الجمهورية يؤدى واجب العزاء فى وزير الثقافة الأسبق محمد صابر عرب    هشام عطية يكتب: دولة الإنشاد    كيفية التخلص من الوزن الزائد بشكل صحيح وآمن    ياسمين عز تهاجم محمد صبحي: لما تتكلم عن السعودية الزم حدودك.. المملكة أطهر بقاع الأرض    أول "نعش مستور" في الإسلام.. كريمة يكشف عن وصية السيدة فاطمة الزهراء قبل موتها    روبيو يكشف ملامح السياسة الخارجية المقبلة لواشنطن: ما وقع في غزة كان من أكبر التحديات .. لا يمكن لحماس أن تبقى في موقع يهدد إسرائيل..الحرب الروسية الأوكرانية ليست حربنا    استمرار عطل شبكة Cloudflare عالميًا يؤثر على خدمات الإنترنت    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية تتفقدان قرية النساجين بحي الكوثر والمنطقة الآثرية ميريت آمون    القبض على التيك توكر نورهان حفظي لتنفيذ عقوبة حبس بقضية مخدرات    انخفاض درجات الحرارة وشبورة كثيفة على الطرق.. "الأرصاد" تُحذر من طقس الساعات المقبلة    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 4 ملايين جنيه    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية لتعزيز منظومة التأمين الصحي الشامل    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    اليوم.. ريم بسيوني تكشف أسرار تحويل التاريخ إلى أدب في جيزويت الإسكندرية    شراكة استراتيجية بين طلعت مصطفى وماجد الفطيم لافتتاح أحدث فروع كارفور في سيليا    الداخلية تضبط 3 سيدات بالإسكندرية للإعلان عن أعمال منافية للآداب    جوارديولا يحسم الجدل حول مستقبله مع مانشستر سيتي    حقيقة انتشار الأوبئة في المدارس؟.. مستشار الرئيس يُجيب    الصحة: إرسال قافلة طبية في التخصصات النادرة وكميات من الأدوية والمستلزمات للأشقاء بالسودان    محافظ المنيا يعلن افتتاح 4 مساجد في 4 مراكز ضمن خطة وزارة الأوقاف لتطوير بيوت الله    حارس جنوب أفريقيا: دعم الجماهير سلاحنا لحصد "كان 2025"    تحرش لفظي بإعلامية يتسبب في وقوع حادث تصادم بالطريق الصحراوي في الجيزة    عبدالعاطي: نسعى مع شركاء اتفاق السلام في غزة إلى الانتقال للمرحلة الثانية بأقرب وقت    لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب فى الأوبرا    كشف ملابسات وجود هبوط أرضى بطبقة الأسفلت الملاصق لسور أحد الكبارى بطريق السويس بالقاهرة    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    وائل كفوري يمر بلحظات رعب بعد عطل مفاجى في طائرته    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    الصحة: تنفيذ برنامج تدريبي لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    بث مباشر| مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء ونظيره اللبناني في بيروت    للقبض على 20 شخصًا عقب مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب بالإسماعيلية بعد إعلان نتائج الفرز    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    اليوم.. الأهلي يواجه الجزيرة في دوري سيدات اليد    داليا عثمان تكتب: كيف تتفوق المرأة في «المال والاعمال» ؟    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    فضل الخروج المبكر للمسجد يوم الجمعة – أجر وبركة وفضل عظيم    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقاشٌ على الشاطئ اللازوردى فى مطروح

وجدتنى فجأة وسط أعباء كثيرة فى مدينة مطروح ببساطتها ووداعتها وبحرها اللازوردى الأزرق البديع أتحدث فى ندوة جادة عن قضية الهجرة غير الشرعية. حين وجّه لى السيد محافظ مطروح اللواء علاء أبو زيد الدعوة للحديث فى الموضوع لم أكن أتوقع أن اجد قاعة فسيحة فى مركز ثقافة مطروح تغص بمئات من الحضور لا يكاد يوجد فيها مقعد واحد خال. استقبلنى السيد المحافظ فى مكتبه لساعة من الزمن قبل التوجه إلى الندوة ، فكانت فرصةً لأن أستمع وأتحاور مع محافظ لا تخطئ العين حيويته وحماسته وتفكيره المنظم وهو يستعرض المشاكل والقضايا التى تفرضها البيئة الجغرافية والاجتماعية والأمنية لمحافظة مثل مطروح تمثل الحصن الغربى للوطن.
والواقع أن قضية الهجرة غير الشرعية تستحق اهتماماً أكبر. لكن إحدى سمات تفكيرنا فى مصر أننا “ موسميون “ فى الاهتمام بقضايانا ، فلا نهتم ولا نبحث عن حلول إلا حينما تقع مصيبة أو كارثة تذكرنا بالقضية التى توارى اهتمامنا بها وسط انشغالات أخرى. حدث هذا ويحدث مثلاً فى كل مرة تسقط فيها بناية على رءوس ساكنيها لتجاوز عدد الطوابق المرخص بها أو لمخالفة فى مواصفات البناء.. هكذا يبدو الأمر لى فى قضية الهجرة غير الشرعية . نلوك الحديث عنها ثم يطويها النسيان لنصحو فجأة على حادثة جديدة لموت شبابنا غرقاً وهم يحاولون التسلل بحراً بقوارب متهالكة قديمة الى دول جنوب أوروبا فيندلع النقاش فى الفضائيات والصحف ثم يخفت ويتوارى كل ذلك حتى تهزنا فاجعة جديدة فى عرض البحر فيبدأ موسم النقاش من جديد.. وهكذا. لهذا يجب ألا تكون ندواتنا ومؤتمراتنا نهايةً لبحث قضية ما بل بدايةً لعمل دءوب يعالج ويقدم الحلول. وقد أثار اهتمامى وإعجابى ما أعلنه السيد محافظ مطروح فى الندوة عن إطلاق مجموعة ورش عمل لمواصلة بحث قضية التهريب والهجرة غير الشرعية من مختلف جوانبها.
وإذا كان لكل ظاهرةٍ أرقامها الدالّة الجديرة بالتأمل والتحليل فإن الهجرة غير الشرعية تبدو ظاهرة صادمة حين نعلم مثلاً أن عدد المهاجرين غير الشرعيين من المصريين قد بلغ نحو 460 ألف شاب خلال العشر سنوات الأخيرة ، وأنه وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية فإن حجم الهجرة غير القانونية فى دول الاتحاد الأوروبى وصل إلى نحو مليون ونصف المليون فرد. والواقع أنه لا أحد بوسعه إيقاف حركة الهجرة القانونية والتواصل بين الشعوب لأسباب اقتصادية ولسهولة التنقل وتطور وسائل المواصلات والاتصال والفوائد المتبادلة بين دول النزوح ودول الاستقبال. لكن الهجرة غير الشرعية تنطوى على مخاطر ومشاكل وكوارث جمّة لبلدى النزوح والاستقبال معاً. تحوّل حلم الهجرة الوردى فى خيال شبابنا إلى كابوس حقيقى فى معظم الحالات. واشتدت مخاوف دول جنوب أوروبا من الهجرة غير الشرعية خشية انخراط المهاجرين فى أنشطة إرهابية وإجرامية سواء تحت وطأة الحاجة الملحّة إلى المال أو من خلال اندساسهم وتوظيفهم ضمن شبكات إرهابية . والأسوأ من هذا كله أن الشباب الذى يقبل على الهجرة لا يقامر بمستقبله فقط ، بل يدفع حياته غالباً ثمناً لهذا الحلم المستحيل الذى تجاوزه الزمن والظروف والمتغيرات فى الدول الأوروبية نفسها. فقد تجاوز عدد من ماتوا غرقاً أو وعطشاً فى دروب الصحراء وفقاً لما ذكره السيد محافظ مطروح سبعة عشر ألف شاب خلال عام ونصف العام فقط.
لماذا يقامر شبابنا بالهجرة غير الشرعية وهو يعلم سلفاً أن مصيره يتراوح بين الموت غرقاً أو القبض عليه فى حالة وصوله أو فى أحسن الأحوال العيش فى ظروف حياتية ومهنية قاسية تبدو أقرب إلى عبودية جديدة ؟ هنا تتعدد الإجابات وتبدو كلها مؤلمة. تأتى البطالة والمعاناة المعيشية فى مقدمة أسباب الهجرة غير الشرعية. وبرغم أن معظم الباحثين ينطلقون دائماً من هذا التفسير إلا أنه بحاجة إلى مراجعة. فقد كشف السيد محافظ مطروح مثلاً أن المحافظة قد أعلنت عن 2500 فرصة عمل للشباب بمرتب أساسى يبدأ من 1500 حتى 2500 جنيه لكن المفاجاة أنه لم يتقدم إلى هذه الوظائف سوى 85 شاباً فقط ! الطريف أيضاً فى السياق ذاته ما قاله لى اللواء علاء أبو زيد أن أجرة راعى الغنم فى منطقة مطروح تصل فى اليوم الواحد إلى مائة جنيه ! وبخلاف هذين المثالين فالواقع أننا جميعاً نشكو من صعوبة العثور على عامل مهنى متاح لإصلاح عطل أو أمر ما فى منازلنا. وكثيرون من أصحاب الأعمال يشكون من نقص العمالة المتاحة فى مجالات عديدة. وبرغم ذلك يقبل شبابنا على الهجرة غير المشروعة بكل مخاطرها ومآسيها.
الحقيقة أن شبابنا يحتاج أولاً إلى توعية بالمتغيرات التى تجتاح دول أوروبا اقتصادياً وأمنياً وأن يدرك أن العالم البرّاق الذى عبر عنه الفنان هانى رمزى فى فيلم “ أبو العربي” لا وجود له إلا فى الخيال. يحتاج شبابنا ثانياً إلى تغيير ثقافته وطريقة تفكيره من قضية العمل وأنه يستطيع أن يبدأ فى بلده من الصفر ومن تحت الصفر لو آمن بقيم العصامية والاجتهاد والمعاناة والثقة بالذات بعيداً عن أنماط تفكير وسلوك تتسم بالمظهرية والشكلية. وهل هناك مجتمع فى العالم غير مصر يبدأ فيه زوجان شابان بسيطان وربما فقيران حياتهما الزوجية بهذا الإرهاق المادى والمظهرى فى تأثيث بيت الزوجية وما يقترن به من مظاهر ؟
لماذا لا يفكر شبابنا بهذه الطريقة ؟ هذه مسألة ثقافة تحتاج إلى تغيير. وهذه أيضاً مسألة سياسة لأن الشباب متذمر محبط حين يسمع ويتابع قصص الفساد وأحاديث المليارات المنهوبة ويرى بعينيه التفاوت الاجتماعى المقلق الآخذ فى الاتساع . لهذا فإن كل خطوة على طريق مكافحة الفساد وترسيخ العدالة الاجتماعية تعنى مائة خطوة على طريق استعادة ثقة وانتماء الشباب. كيف نكافح ظاهرة الهجرة غير المشروعة ؟ لدينا تشريعات تجرّم وتعاقب سماسرة ومنظمى هذه التجارة التى تدفع شاباً فقيراً لأن يستدين عشرات الآلاف من الجنيهات لكى يحصل على موضع قدم فى قارب قديم متهالك. بوسعنا أن نعاقب تجّار الموت كمحتالين بائعين للأوهام أو كمرتكبين لجريمة الاتجار فى البشر بوسيلة النقل. لكن القانون وحده لا يكفي.
ثمة عملٌ هائل ينبغى علينا القيام به حتى لا تتحول «بوصلة» الإحباط لدى الشباب من الهجرة إلى المجهول بكل مخاطرها إلى طاقة غضب تتوجه إلى الداخل. صحيحٌ أن الشباب يحتاج إلى تغيير ثقافته وإدراك المتغيرات التى حدثت فى أوروبا ، لكن الصحيح أيضاً أننا نحتاج وبسرعة إلى تغيير “بوصلة” التنمية ونظم التعليم فى بلادنا.
قالوا:
الفارق بين المغامرة والمقامرة حرفٌ فى اللغة وانحرافٌ فى التفكير
لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.