ثلاث سنوات عشتها ملحقاً عسكرياً لمصر فى تركيا وكانت هذه الفترة، من أهم السنوات التى شهدت تغيراً كبيراً فى نمط الحياة السياسية فى تركيا. كان ذلك فى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأ تحول تركيا من الدولة العلمانية، التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، والتى كانت ترفض أن يكون للتيار الدينى أى وجود فى الحكم، فى هذا التوقيت ظهر نجم الدين أربكان، مؤسساً لأول حزب ديني، هو حزب الرفاه الذى تحول فيما بعد إلى حزب العدالة والتنمية. يومها كان رجب طيب أردوغان رئيساً لبلدية إسطنبول (عمدة المدينة)، وصاحب هذا، أيضاً، بداية لظهور التيار الإسلامى فى الحكم المحلى فى تركيا. الواقع أن الدستور التركي، الذى وضعه أتاتورك، كان يعطى للجيش الحق فى التدخل، إذا شعر بأن الدولة بدأت تحيد عن طريق العلمانية، وهو البند الذى تم تغييره بعد ذلك فى الدستور. فضلاً عن أن الانقلابات العسكرية العديدة التى شهدتها تركيا خلال الفترات السابقة، قد صنعت حاجزاً من الخوف لدى الأحزاب التركية، خاصة المعارضة، فقد جرت العادة فى تركيا على أن يكون تجميد الأحزاب، وإيقاف نشاطها هو أول القرارات، بعد كل انقلاب. وهو ما كان واحدا من عدة أسباب، أدت إلى فشل الانقلاب العسكرى الأخير على أردوغان، والذى لم يستمر أكثر من 11 ساعة. من ناحية فنية، أُرجع أسباب فشل الانقلاب، إلى عدة أسباب أخرى، منها أولاً اختيار التوقيت، فقد جاءت المحاولة للانقلاب على أردوغان، بعدما أوشك على الانتهاء من حل مشاكله مع روسيا، وما تلاها من عودة السياحة الروسية إلى تركيا. وهو نفس التوقيت الذى أعاد فيه العلاقات التركية- الإسرائيلية إلى وضعها الرئيسي، ما يعنى عودة التجارة البينية بين الدولتين. فلو كانت محاولة الانقلاب تمت منذ عدة أشهر، عندما كانت المظاهرات تملأ شوارع إسطنبول منددة بسياسة اردوغان، وكان يتم تفريقها بمنتهى القوة والوحشية، ربما تقبل الشعب التركى حينئذ المشاركة فى هذا الانقلاب. أما ثانى الأسباب لفشل الانقلاب، فتكمن فى سوء التخطيط لهذا العمل، وبالشكل الذى يتناسب مع حجم وقوة الجيش التركي، الذى يعتبر ثانى قوة عسكرية فى حلف الناتو بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد اعتمد قادة الانقلاب على قوات محدودة، منهم على سبيل المثال، لواء مشاة ميكانيكى فى إقليم حتايا على الحدود مع سوريا، كما لم يتم إبلاغ باقى قادة تشكيلات الجيش التركي، الذين فوجئوا بمحاولة الانقلاب، ولم يكن أمامهم الوقت لاتخاذ القرار بتأييد قوته. وقد يكون لقادة الانقلاب العذر، فى ذلك، لأن إدخال قوات كثيرة فى عملية بتلك الطبيعة، من شأنه التأثير على سريتها. كما كان التخطيط ضعيفاً، فإن التنسيق كان أضعف، فخرجت قوات الجيش، المشاركة فى المحاولة، إلى الشوارع والميادين، دون تعليمات أو أهداف واضحة. أما أهم أسباب فشل هذا الانقلاب، فكان افتقاده تأييد الظهير الشعبى فى تركيا، فلم تتعاطف الجماهير وقوى الشعب مع قوة الانقلاب بسبب التجارب القاسية التى عاشها الشعب التركى من تاريخه فى الانقلابات العسكرية. وكان أكبر دليل، والذى يعد مفاجأة للبعض أن أحزاب المعارضة اتفقت، بإجماعها، على الوقوف ضد محاولة الانقلاب، وهو ما أعزوه، إلى سابق خبرتهم من إيقافهم، وتجميد عملهم عقب كل محاولة للانقلاب على الحكم القائم، فخرجت العملية خالية من أى أعمال تنسيق أو تأييد من هذه القوى الحزبية الممثلة لعموم الشعب. لقد تساءل البعض عن كيفية تمكن الشرطة المدنية التركية من اعتقال عناصر من الجيش التركي، وهو عكس حسابات موازين القوى المتعارف عليها دولياً، وهو ما لم يكن مفاجأة بالنسبة لى فى الحالة التركية، فنتيجة للمظاهرات التى جرت فى تركيا فى الفترة السابقة، نجح أردوغان فى تقوية جهاز الشرطة، وتم تغيير كوادره بالكامل، لضمان ولائها لشخصه، فكان أول اختبار لها فى التدخل ضد قوات الجيش التركي، بمساندة الميليشيات المسلحة التابعة لحزب التنمية والعدالة، والتى شهد العالم صوراً لها، غاية فى البشاعة واللإنسانية. بصرف النظر عن نجاح المحاولة الانقلابية من فشلها، إلا أنها بالتأكيد، سوف تضعف من وضع أردوغان كحاكم، وسوف تقضى على آمال تركيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى الذى كان حلماً لتركيا، تعمل على تحقيقه، منذ ثلاثين عاماً. كما سيسطر التاريخ، هذه المحاولة، كنقطة سوداء فى تاريخ أردوغان وتاريخ تركيا الحديث. أرى أنه من الإجحاف تشبيه ما حدث فى تركيا بما حدث فى مصر، عندما تخلصت من حكم الإخوان المسلمين، فجيش مصر على مر تاريخه، يتحرك استجابة للإرادة الشعبية، وتلبية لمطالب الشعب. وهنا استرجع كلمات وشهادة السيدة مادلين أولبريت، وزيرة الخارجية الأمريكية سابقا، عندما قالت لى فى واشنطن، أنها تأثرت من دعم الشعب المصرى لقواته المسلحة، وثقتهم فيها، وهو ما دفعهم لمطالبتها بالتخلص من حكم الإخوان المسلمين . وتأكد لها ذلك بعد تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم، ورفعه لأسعار الوقود، وهو ما لم يقدم عليه أى رئيس مصرى خلال الأربعين عاماً السابقة، فما كان من الشعب المصرى إلا أن أيد هذا القرار. وهو ما يدلل بالفعل على عظمة هذا الشعب المصرى وتاريخه العظيم. فلولا التأييد والثقة المتبادلة بين الشعب المصرى وقواته المسلحة، لما نجحت مصر فى التخلص من حكم الإخوان المسلمين. لذلك، وبعد ما حدث فى تركيا، نقول عظيم يا شعب مصر. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج