وسط زحام الأحداث العالمية المتلاحقة ،ربما يمر تقرير أوكسفام الأخير مرور الكرام دون أن يلتفت الكثيرون إلى الأرقام التى تكشف عن وجه آخر للفجوة الكبيرة بين الفقر والغنى فى عالمنا حيث ذكر أن أغنى ست دول فى العالم تستضيف تسعة فى المائة فقط من اجمالى عدد اللاجئين . الولاياتالمتحدة والصين واليابان والمانيا وفرنسا وبريطانيا التى تتحكم فى 60 فى المائة من اقتصاد العالم وتمثل معا نحو 57 فى المائة من الدخل العالمى لاتؤدى سوى مليونى ومائة الف لاجئ ،ثلثهم أى حوالى سبعمائة وستة وثلاثين ألفا فى المانيا وحدها.وقد وصف مارك جولدرينج، رئيس مجلس ادارة منظمة أوكسفام الخيرية، استضافة المملكة المتحدة ل 186 الفا و937 لاجئا فقط ،أى أقل من 1% من اجمالى عدد اللاجئين، بأنه «أمر مخجل». وفى المقابل تجد أن دولا أفقر مثل تركيا والاردن ولبنان وباكستان والأراضى المحتلة وجنوب أفريقيا والتى تمثل أقل من 2 فى المائة من الاقتصاد العالمى تستضيف نحو 12 مليون لاجئ وطالب لجوء سياسى. فوفقا للتقرير تستضيف الأردن نحو مليونى و800 الف لاجئ بينما يوجد فى تركيا مليونان وخمسة وسبعين الف لاجئ. وأوضح تقرير اوكسفام أن عدد الأشخاص الذين أجبروا على ترك ديارهم نتيجة الحرب أو العنف أو الاضطهاد قد وصل لأعلى مستويات له منذ بدء تسجيل أعداد اللاجئين .والسبب الرئيسى وراء هذه الزيادة الكبيرة بالطبع الصراع فى سوريا يليه ثم الأوضاع المتدهورة فى العراق واليمن. ويشير التقرير إلى أكثر من 56 مليون شخص قد اضطروا إلى ترك منازلهم من بينهم 40 مليونا و800 الف مازالوا مشردين داخل أوطانهم و21 مليونا و300 الف لاجئ فروا إلى دول أخرى وثلاثة ملايين و200 الف ينتظرون الحصول على حق اللجوء السياسى إلى دول كبرى. ورغم ما قد يفرضه تدفق اللاجئين من ضغوط وأزمات داخل الدولة المضيفة والتى قد تواجه صعوبات بالغة فى توفير المسكن والمأكل والملبس والرعاية الصحية والتعليم والوظائف ،وعلى الرغم من الاعتراف بحق كل دولة فى رعاية مصالحها وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها أولا واتخاذ الاجراءات اللازمة للحفاظ على أمنها القومى إلا أن قرار كثير من الحكومات خاصة فى الدول الأغنى بالتخلى عن استضافة اللاجئين تحت دعوى أن أزمة اللاجئين هى «أم الشرور» يعرض العالم لمخاطر أكبر. وربما يكون هذا ما دفع اوكسفام للتحذير من أن أزمة اللاجئين هى من أخطر التحديات التى تواجه عالمنا المعاصر وهو ما يتطلب تكاتفا وتنسيقا دوليا أكبر لمواجهتها ،ويتحتم على الدول الأغنى أن تضطلع بنصيبها فى المسئولية وتستقبل عددا أكبر من اللاجئين وتبذل المزيد من الجهود لمساعدتهم وحمايتهم أينما كانوا. وفى صورة أخرى للفجوة الضخمة بين عالم الأغنياء وعالم الفقراء ،وهو واقع لا يتغير منذ فترة وان كانت تزداد فداحته سنويا، كان التقرير السنوى لمنظمة أوكسفام قد كشف قبل أشهرأن 62 ملياردير حول العالم أى ما يمثل 1% من اجمالى سكان العالم يملكون ثروات تفوق ما يملكه نصف سكان العالم مجتمعين. وأشار التقرير إلى أن ثروات ذلك النصف الفقير من العالم انخفضت 41 % فى الفترة ما بين عامى 2010-2015 فى حين ارتفعت ثروات المليارديرات الاثنين والستين بنحو 500 مليار دولار لتصل إالى تريليون وستة وسبعين مليار دولار.كما أن عدد المليارديرات من النساء تضاعف سبع مرات خلال العشرين عاما الماضية. وحتى لا تزداد هذه الفجوة بين الفقراء والأغنياء اتساعا ، وحتى لا يتفاقم الجوع حيث يأوى واحد من بين كل تسعة أشخاص إلى الفراش كل ليلة وهو جائع، دعت أوكسفام الحكومات حول العالم إلى تطبيق خطة من ثلاثة بنود: مكافحة التهرب الضريبى وزيادة الاستثمارات فى الخدمات العامة ورفع رواتب محدودى الدخل.وشدد الخبراء على أن الأولوية يجب أن تكون اغلاق ملاذات الضرائب الآمنة والتى يلجأ الأغنياء إلى استخدامها للتهرب من دفع الضرائب مما يحرم الحكومات من الموارد اللازمة للقضاء على الفقر وعدم المساواة. وتشير التقديرات إلى أن اجمالى ما وضعه الاغنياء فى حسابات خارجية من أجل التهرب الضريبى وصل إلى سبعة تريليونات وستة ملايين دولار وأنه لو كان قد تم دفع ضرائب على هذه الثروات لاستطاعت الحكومات حول العالم الحصول على 190 مليار دولار سنويا لتستخدمها فى تحسين الظروف المعيشية لمواطنيها. يذكر أن أوكسفام هى منظمة خيرية بدأت نشاطها فى عام 1942 تحت أسم لجنة أوكسفورد للإغاثة من الجوع لتتحول بمرور السنوات ومع اتساع نطاق نشاطاتها إلى أحد أكبر المنظمات الخيرية الدولية المستقلة فى مجالات الإغاثة والتنمية ومكافحة الفقر.وتعتبر اتحادا كونفيدراليا يضم 18 منظمة دولية تعمل مع شركاء وجمعيات محلية فى 94 دولة.