لا أعرف عددها علي وجه التحديد.... ولكنني أعتقد أنها كانت واحة من أهم وأطول الحملات الصحفية علي صفحات «الأهرام» والتي تناولت قضية القمح والاكتفاء الذاتي من محاصيلنا الإستراتيجية، وما يمثله للأمن الغذائي والحيوي والقومي المصري، ومخططات التطبيع والتدمير التي أدارها مسئول التطبيع الزراعي الكبير والتي وضعت بدايات القضاء علي المحاصيل الاستراتيجية وعلي رأسها ذهب مصر الأبيض القطن طويل التيلة ذلك المخطط الذي انحدر بمساحة زراعية القطن من مليوني فدان إلي ما لا يتجاوز مائة ألف فدان من نوعيات متواضعة ومريضة!! وكان التخطيط الشيطاني أن يلحق القمح بالقطن وسائر المحاصيل التي تمثل قوت وغذاء الشعب، وطوال الحملة عرضت وكتبت ووثقت كيف أدير مخطط تدمير الأرض والفلاح والمياه والحيوان والثروة الداجنة والأسماك، وكان المستهدف الأساسي تدمير صحة الإنسان وإنهاء حلم استقلال القرار السياسي اعتمد مخطط التدمير في جانب كبير منه علي من أطلق عليهم خبراء العدو الصهيوني في الزراعة .وبعضهم حاول أن يدخل مصر علي ظهور الدبابات في 1973 وجاء بهم مقاتلونا الأبطال أسري عساف ياجورى تساءلت أيامها كيف إن فلاحينا الذين علموا الدنيا الزراعة يأتي من ينتمون لكيان غاصب ومحتل لا يتجاوز عمره في الأرض العربية بضع سنوات ليعلموهم الزراعة؟! ووثقت في الحملة الصحفية كيف تم تدمر مشروعات بحثية وتطبيقية أنجزت نتائج باهرة عندما طبقت علي الأرض وقام بها مجموعة من علماء وخبراء مركز البحوث الزراعية - وكيف دمرت مشروعات قري الخريجين.. وكلها كانت جرائم مكتملة الاركان لإبادة الجماعة المصرية كما أطلق عليها ا.د فؤاد. رياض أستاذ القانون الدولي وعضو محكمة لاهاي الدولية، من خلال تخريب وتدمير الامن القومي والحيوي والصحي لشعب وتقويض أهم ركائز قوته الاقتصادية والصحية واستقراره واستقلال قراره السياسي وسيادته وسلامته وعافيته الصحية وسائر عناصر الحصاد المر الخبيث الذي نحصده الآن في انهيار صحي، وانتشار مروع لأخطر الأمراض أظن أننا للأسف نحصد المراكز الأولي فيها عالميا - وتجسد حجم المأساة فيما شاهدناه في رمضان عن السباق المحموم للتبرع لمراكز ومؤسسات الأورام وإنشاء العديد والجديد منها في جميع أنحاء الجمهورية وعجز الموازنة العامة عن توفير النسب المقررة للصحة في الدستور. في تلك الأيام التعسة من تاريخ مصر ، كان الكيان الصهيوني وكانت أذرعه الطويلة التي زرعت في بلادنا، وفي وزارة الزراعة بالتحديد لأهداف غير خافية - هم اللاعبين الأساسيين في المخطط الشيطاني، وفي إجهاض حلم الاكتفاء الذاتي أو الاقتراب منه، وفي إجهاض وتبديد ثروة مصر من الفلاحين والشباب الدارس للزراعة ودفعهم الي هجر الأرض والكفر بالزراعة وتوحش مافيا الاستيراد والخضوع الاذعان لاستيراد الملوث والمريض والفاسد والمسرطن من الأقماح!! اذا كان ما حدث من جرائم إبادة وتدمير وتخريب وتعجيز يأتي من عداوة وكراهية يكنها كيان عدو وأعوانه وحلفاؤه، فهل يصح الآن أن يتواصل التدمير والتخريب ومهما اختلفت التفاصيل ؟! لقد قام المصريون بثورتهم ليستردوا ما ضيع منهم وعليهم عشرات السنين، وفي مقدمتها مصادر القوة والاستقرار والاستقلال - العيش - والحرية والعدالة الاجتماعية - والكرامة الإنسانية - ولا أن يكون شفاء الزراعة وإصلاح أوضاع وخلل المحاصيل الإستراتيجية وإنقاذ الأرض والفلاح ورغيف العيش أو رغيف الحياة أو «النعمة» التي يقسم عليها وبها المصريون، ولا أظن أن شعبا آخر للعيش عنده نفسه المكانة المقدسة، فماذا نقول عندما يعود التدمير والتخريب ليظهر بوجوه أخري؟! وماذا نقول في منظومة فساد القمح التي تتكشف الآن ولا أريد إصدار أحكام، فالنتائج النهائية متروكة للجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس النواب، والتي تمثل أهم إجراء واقعي وعملي للتصدي لمشكلات الجماهير، ولكن ما ينشر من وقائع وأرقام مرعب ومؤسف، ويدل علي الإصرار علي مواصلة مأساة التطبيع وحرمان المصريين من أمنهم الغذائي والصحي والحيوي، وبما يوجب توقيع أقصي وأقسي العقوبات، وتنهي المشهد المؤسف للاتهامات المتبادلة بين جميع الأجهزة والشريكة، ابتداء بالوزارات المسئولة وشركة الصوامع وشركات الاستيراد!! بالطبع لا أحد يملك شجاعة الاعتراف بأخطائه، فالكل يتنصل من مسئولية التقصير، والخطايا التي واصل الفلاحون تحمل نتائجها في مزيد من تدهور أحوالهم والدخل القومي والأمن الصحي والحيوي والغذائي للمصريين، من يصدق ما تم رصده من خسائر في أيام معدودة، فوفق بعض المنشور اختلاس 56 مليون جنيه في منكر واحد لتسلم المحصول بالصحراوي، وضبط 4 شون تلاعبت في أرصدة القمح وتسببت في عجز ب 25 مليون جنيه أخري، وحصر أكثر من ألف طن عجزا بثلاث شون، وأن الفيوم وكفر الشيخ الأكثر فسادا في تخزين القمح، والروائح تزكم الأنوف في الغربية، و100 مليون خسائر توريد وهمي!! ونواب يصرحون بأن تكلفة الفساد في منظومة القمح وصلت الي 5 مليارات جنيه!! وأن اللجنة كشفت التوقيع علي شيك لموظف ب450 مليون جنيه لتوريد القمح!! في نجاح مهم للجنة تقصي الحقائق اختبار حقيقي لدور النواب في مواجهات جادة وعاجلة وناجحة لقضايا أمن واطمئنان واستقرار واستقلال بلدهم. خاصة أنهم أمام واحدة ربما الأهم والاخطر وإعلان نتائج التحقيقات بصراحة وشفافية، وإدانة كل مسئول ضالع فيها وزير أو موظف صغير، ناهيك عن الطبقة التي تحيا وتتنفس الفساد والتي صنعتها عشرات السنين من شرعنة واستقواء الفاسدين ابتداء بسارقي القمح والأمن الغذائي والحيوي، وربما يجعل السؤال الأهم الذي أريد أن أصل إليه. والدولة تسعي جادة لمحاربة الفساد والدعم الذي يقوم به الرئيس لأجهزة الرقابة وإطلاق يدها ورقابتها في جميع مؤسسات الدولة. ما الذي يجعل الفاسدين يتوحشون أكثر ولا يبالون بل، يستقوون وبما يجعل كثيرين يحسون بأن الفساد يتضخم ولا ينكمش ونموذج قضية القمح أفدح وأسوأ نموذج للامبالاة والتحدي.. وفي رأيي أنه في جميع حالات توحش وتعاظم واستقواء الفساد تتضح ميوعة ورخاوة الإجراءات والقوانين ومواجهة هذه المشكلة مهمة أخري لا تقل أهمية لنواب الشعب لاستعادة قوة وقدرة القانون وجديته وقدرته علي توقيع أقصي العقوبات وغربلة القوانين والتخلص من كثير منها مما يشرعن ويقنن ويحمي الفساد والفاسدين، وسد الثغرات التي سمحت للكثير منهم بالتحايل والتهرب والخروج سالمين من جرائم كبري!! إذا أدرك المتلاعبون بالأقماح بالأوزان بكميات التسلم والتسليم والمتهاونون في سلامة الصوامع.. ومن احترفوا خلط المستورد بالمحلي أو بيع المستورد علي انه محلي أو أباطرة استيراد المريض والملوث رغم محاولات إثبات براءة وسلامة هذه الأقماح، ورعاة عدم ذهاب الدعم لمستحقيه من الفلاحين الحقيقيين!! أن عقوبات رادعة وقاسية تنتظرهم، عقوبات تأتي وتتساوي مع نتائج وتوابع تدمير الأمن القومي والحيوي والصحي وارتكاب جرائم إبادة شعب وحرمانه من حدود الاكتفاء والاعتماد علي الذات هل كانوا يتجاسرون وسط الحرب التي تشنها الدولة علي الفساد والظروف والاختناق الاقتصادي الذي نفعل المستحيل لتغييره أن يواصلوا جرائمهم وخطاياهم في النهب والسرقة والغش وسائر أشكال الإهمال والتقصير في أداء مسئولياتهم، وفي مقدمتها صوامع صالحة للتخزين وسلامة ما يتم استيراده، أعلن رئيس شعبة المخابز بالغرفة التجارية في القاهرة ان المخابز تتسلم دقيقا غير مطابق للمواصفات، وأن الدقيق الذي يتم تسلمه غامق اللون، وبه نسب رطوبة عالية، بالإضافة إلي نسبة زيادة خلط المستورد بالمحلي خلافا للنسب المقررة!! وربما يضيف ضرورة وجود أنظمة دقيقة للمتابعة والرقابة والمحاسبة وأنظمة جديدة تماما لإدارة منظومة القمح ابتداء بوجود مؤسسة آمنة موحدة مستأمنة لاستيراد القمح، وإلي ان نستطيع ان نحقق الحلم القديم والذي كان هدفا أساسيا لكل ما كتبت حول الزراعة والقمح وسائر المحاصيل الأساسية أن تقترب من حدود الاكتفاء الذاتي من خلال علماء وخبراء الزراعة الذين تمتلئ بهم مصر ومركز البحوث الزراعية بإثبات توافر إمكانات تحققه. ولعل أولي بشائر التصحيح تتبدي فيما نشر عن قرار النائب العام بحبس المتهمين في توريد القمح ومنعهم من السفر، ووقف صرف أي مستحقات لأصحاب الصوامع المتهمين في فساد توريد القمح وضبط الهاربين المتورطين. ما أكثر ما ناديت في عديد من المقالات علي أكثر من نائب عام سابق، وقدمت فوق السطور بلاغات مفتوحة بوقائع إبادة شعب.. ولا حياة لمن تنادي!! لعل ما فعله المصريون في ثورتهم يرد الاعتبار والتصحيح لكثير مما عانوه وكابدوه وحرموا منه وحلموا به. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد