فى إطار سعى الدولة المصرية لإقامة العديد من المشروعات القومية الواعدة على كافة الأصعدة والتى تسهم بشكل مباشر فى دفع عجلة الاقتصاد الوطنى، لاسيما أن لمصر رصيدا ضخما تعتز به من العلماء والخبراء القادرين على تطويع الانجازات العلمية لخدمة المجتمع وتنمية موارده وقدراته من خلال مراكز البحث العلمى. لذلك كان توجه الدولة لإنشاء المدن التكنولوجية فى مختلف أنحاء الجمهورية باعتبارها نقاط إشعاع لبناء كيان علمى متين، له إتصال بالعالم الخارجى ومطلع على التطورات والنهضة العالمية أولاً بأول وتنمو بداخله حضانات تكنولوجية متطورة على مستوى حقيقى، يسمح بأن تنفصل عنه شركات ومؤسسات تجذب رأس المال الخارجى، وتكفل نشر التبادل العالمى فى شتى مجالات التكنولوجيا الحديثة. يرى الدكتورعمرو فاروق عبد الخالق المشرف على مراكز التنمية الإقليمية والحملات والمبادرات والبرامج القومية بأكاديمية البحث العلمى أن إنشاء المدن التكنولوجية يمثل نهاية الطريق نحو تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، والتى تبدأ بإدخال التحديث والتطوير التكنولوجى على الصناعات التقليدية القائمة بالفعل، والبحث عما تعانيه من مشكلات أو معوقات ومن ثم وضع حلول لها وتطويرها والنهوض بها، بيد أن جميع مقومات المدن التكنولوجية موجودة فى مصر، ومن الأهمية بمكان استخدام البنية التحتية القائمة والتنسيق بين الشركات المنتجة لنفس الصناعة فى مدينة تكنولوجية واحدة تكون بمثابة قلعة من قلاع الإنتاج لها، ومن أبرز أمثلة الصناعات التى تعد نموذجا يحتذى به للمدن التكنولوجية مصانع النسيج والتى تقوم بعمل حاضنات تكنولوجية لكافة أنواع المنسوجات، وكذلك مجال الاتصالات والذى أحدث طفرة تكنولوجية وتقدما هائلاً فى المجتمع من خلال تطويرالبنية الأساسية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وامتداد خدماته لكافة أنحاء البلاد وخاصة فى محافظات صعيد مصر، واستطاع خلق تنمية مجتمعية مستدامة وإيجاد فرص عمل جديدة وجذب مزيد من الاستثمارات العالمية، بالإضافة إلى تشجيع وتعزيز الابتكار والاستفادة من قدرات الشباب فى هذا المجال، والحرص على تدريب الشباب وتأهيلهم لاستخدام أفضل وسائل التكنولوجيا الحديثة وتقديم مختلف الخدمات إلكترونياً حتى يمكنهم الحصول على فرص العمل، وبما يتناسب مع متطلبات سوق العمل فى هذا الشأن . ويقول الدكتور عبدالقادر سيد الأستاذ بكلية الصيدلة - جامعة القاهرة، أن إنشاء مجمع علمى تكنولوجى يمثل بيئة خصبة لتوليد الأفكار الخلاقة، كما يدعم المشروعات الابتكارية وذلك من خلال عمل مسح دورى للأسواق والمداومة على استنباط تحليلات لنسب المخاطرة بها، حيث يؤدى ذلك إلى تكوين مشروعات مبتكرة وتحقيق وفرة فى الإنتاج، بيد أن من مقومات المصنع الناجح هو البقاء والاستمرارية فى السوق والمنافسة بقوة، وذلك يتحقق من خلال المتابعة والتطوير المستمرين، ويرى الدكتور عبدالقادر أن الهدف من إنشاء المدن التكنولوجية بوجه عام هو محاولة لجذب واستقطاب الموهوبين فى البحث العلمى والتقنيات الحديثة، وكذلك العلماء المتحمسون للأفكار الخلاقة والمبدعين، إضافة إلى دعم الأعمال الناشئة وحث الشباب على خلق وظائف جديدة، وكذلك تحفيز الحكومة لدعم الأعمال الناشئة وزرع روح البحث والتطوير. وينوه إلى إمكانية استفادة المصانع من مراكز البحث والتطوير المعدة سلفاً، من خلال التعاون بين تلك المراكز والجامعات والحكومة فى إطار تعاونى مثمر يقدم الدعم التقنى اللازم للمصانع لضمان حل كافة المشكلات الفنية التى قد تقابلها وهو ما يسمى بنظام Cluster system، ويضيف أن عمليات البحث والتطوير بصفة مستمرة لأى مؤسسة أو مشروع يمثلان مصدر ربح وفير وذاتى التمويل بعد فترة زمنية معينة، وذلك من أجل مسايرة العالم الخارجى المتصل بتكنولوجيات البيوتكنولوجى والنانو تكنولوجى، ويؤكد على حتمية دراسة التجارب الدولية الرائدة فى هذا المجال والأخذ بخبراتها كالتجربة الفنلندية والهندية والصينية والماليزية غيرهم. وهناك العديد من النماذج التى أثبتت نجاحها على أرض الواقع ومنها مشروعا المدينة التكنولوجية ببرج العرب، ومشروع مجمع العلوم والتكنولوجيا بمدينة السادس من اكتوبر. يوضح الأستاذ محمود لطفى المشرف العام على قطاع المناطق الاستثمارية بالهيئة العامة للاستثمار أن مشروع المدينة التكنولوجية بمنطقة برج العرب – غرب الأسكندرية، يُعد من النماذج الرائدة فى المجال التكنولوجى لنحو 60مشروعا مختلفا، والذى أقيم على مساحة 567 ألف متر مربع ( 135فدانا )، وتقوم الهيئة العامة للأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية بدور المطور له، حيث يقوم المشروع بالعمل على العديد من الأنشطة كالحاضنات التكنولوجية لتنمية صناعات تكنولوجيا النانو والمواد الجديدة والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى العمل داخل المدينة فى الصناعات الصغيرة والمتوسطة وصناعات الطاقة المتجددة، علاوة على أنشطة مراكز الخدمات التكنولوجية المتقدمة مثل المركز الإقليمى لمرحلة ما قبل العلاج ومركز استشارات لزراعات الأراضى القاحلة ونظم الرى الحديث وشركات إستشارية . وتقول الدكتورة تيسير أبوالنصر بجامعة النيل، لابد من الإيمان بقدرة المصريين على بناء الدولة العصرية الحديثة، وذلك عن طريق بناء القوة الناعمة المتمثلة فى ترسيخ مفاهيم وطرق البحث العلمى، وهو ما يتطلب التوسع فى إطلاق مشروعات النهضة العلمية ومنها بناء المدن التكنولوجية المتطورة، والتى تعتمد على تبنى الإختراعات والأبحاث العلمية وتحويلها إلى واقع ملموس، بالإضافة إلى تأسيس قواعد مجتمعية واسعة النطاق، ولذلك يعد البحث العلمى هو السبيل للقضاء على المرض والجوع والفقر فى أى مجتمع . وترى ضرورة تغيير القوانين الخاصة بالاستثمار والاستيراد والتصدير لمساعدة الصناعة المصرية وكذلك قوانين تخفيض الضرائب على الشركات التى تستثمر فى الابتكار، بالإضافة إلى ربط تمويل الدولة للبحث العلمى والابتكار بأهداف التنمية الإقتصادية. وحول الهدف من بناء المدن الذكية فى مصر تضيف أنها فكرة أثبتت نجاحها فى مختلف أنحاء العالم لكن يتطلب تنفيذها فى مصر دراسة التجارب الموجودة بالفعل كتجربة القرية الذكية فى الجيزة وغيرها.