جالسات على بسط رقيقة ما زلن هناك يغنين في «قرية الحميدات»، شرق إسنا، جنوبالأقصر ، على إيقاع الدفوف والكفوف يغنين عن قصص الحب التي لا تخلو من العزول، ومن حديث يتناجى فيه المحبوبان فتقول المغنية وتردد وراءها النساء الجالسات حولها في دوائر وابتسامة الفرح مرسومة في أصواتهن قبل ملامح وجوههن. زام الحمام من على البُنِي وقال يا ليل وكنت خاطرك يا خوي جوز بيدل لاتنين* واحدة لنوم العشا واحدة لنوم الليل واحدة تلاغي القمر يا خُوي جيت منين واعي تروح في قصر أبوي وتندهلي يسمعوك العوازل يشتموك يا زين *(كنت خاطرك: إن كنت تريد، خوي تخفيفا من كلمة أخي وتبدل هذه الكلمة باسم العريس ). وترسم هذه المقطوعة التي تتسم بشعريتها المفرطة جوا يليق بلقاء محبوبين وليس في الوجود تشبيه أجمل من الحمام ووليفته ليعبر عن حال حبيبين من البشر في حال تناغمها، فالحمام من فرط حبه يزوم صارخا يا ليل وليس الحمام هنا سوى معادل موضوعي لحال الحبيبة التي أضناها الحب وهي تتحدث مع حبيها هنا فتفكر معه وتتحدث عن كل كبيرة وصغيرة في حياتهما المستقبلية معا حتى الملابس التي سينام بها والبدلة تعني هنا «البيجاما» فهو سيحتاج إلى بدلة لينام بها في العشاء، واحدة لنوم الليل، وتحمل هذه الجملة الكثير من الكنايات وتعبر عن الذكاء الشعبي لدي هؤلاء النسوة وهذه المحبوبة بالتحديد في الحديث عما يخجل التصريح عنه بلغة تمر دون أن تخدش حياء أحد، كما تدل على مدى الاهتمام الذي سيجده المحبوب من زوجته، من العناية بنظافة ملابسه التي سيغيرها مرتين في الليل. وتبلغ المحبوبة حبيبها أيضا أنه بحاجة إلى بدلة ثالثة (واحدة تلاغي القمر يا خُوي جيت منين) والمقصود بالقمر هنا هو حبيها والبدلة تحدثه من أين أتيت أيها القمر؟ وفي نقلة مفاجئة تعبر عن أهمية ما تذكرته المحبوبة وتوقعت أن حبيها سيفعله من أجل أن يراها وذلك بعد حديثها الناعم معه كان عليها أن تحذره من أن يأتي إلى قصر أبيها و«ينده» عليها وما كان هذا التحذير خوفا على نفسها ولكن خوفا عليه هو من العوازل والمقصود بهم حراس القصر هنا لتمنع الأذية حتى لو كانت كلاما على زينها. زام الحمام من على البني وهيمني وكنت خاطرك يا خوي في جوز بيدل هندي واحدة ولنوم العشا واحدة لنوم فجري واحدة تلاغي القمر يا خوي جيت بدري واعى تروح في قصر أبوي وتندهلي يسمعوك العوازل يشتيموك يعني لا يرغب الحمام في برجه الكف عن زومه ولا يرضى إلا أن يزيد هيام هذه الحبيبة بمحبوبها فتفكر فيما يسعد حبيبها الذي ستحسد الملابس نفسها عليه ولا تنسى أن تحذر حبيبها من مغبة المجيء إلى قصر أبيها فالعوازل له هناك بالمرصاد بعد أن فضلته هي عليهم جميعا فأقل ما سيفعلونه هو سبه وهذا هو ما لا ترضاه لحبيها أبدا. - الهوى فضاح وذائع سره لا يفرق بين غني وفقير يجعلهم يودون أن يتلاشوا في محبوبهم هذا هو ما تقوله هذه المقطوعة. تريك يا عاشق الهوى والرقبة (الرقبة كناية عن بنت الأصول العالية) ياما فضاحي ولاد طيبن وعجبه (فضح) 30 صباح واتغلق يا باب واتعترسي يا ضبَّة* وإن جه هنا أبوي وأمي يسألوا قولولهم طبوا طريق العقبة تريك يا عاشق الهوى والرقبة الضبة: مزلاج، (مغلاق من الخشب ذو مفتاح يُغلق به البابُ) هذا هو الحب ينسيك العالم وأباك وأمك إن كنت مع المحبوب، هذا هو الحب الذي فضح أولاد الطيبين الذين كان يعجب بهم كل من يراهم وتبدلت أحوالهم حين هاموا بحب بنات الأصول عاليات المقام. ونجد في هذه المقطوعة الخفيفة التي تحمل في طياتها بعض الطرافة والظرف، العريس يطلب من الباب أن ينغلق وأن تتعترس ضبته فلا يستطيع فتحها الأقوياء مدة 30 صباح وهي مدة شهر العسل وإن جاء أبوه وأمه يسألان عن ابنهما عليهم أن يخبروهما أن ابنهما وعروسته طبوا أي وصلوا طريق العقبة، والعقبة مدينة أردنية على شواطئ البحر الأحمر تشتهر بطرقها الوعرة كان يستخدمها الحجاج قديما للوصول إلى مكة والمقصود من هذه الجملة أنهم وصلوا إلى مكان بعيد ولن تستطيعوا اللحاق بهم وأن الحبيبين استغنيا ببعضهما عن الدنيا كلها. تريك يا عاشق الهوى فضاحي يا ما فضاحي ولاد طيبن وملاحي 30 صباح واتغلق يا باب واضيع يا مفتاحي وإن جه هنا أبوي وأمي يسألوا قولوهم طلعوا الجبل سواحي يعاتب هذا العاشق هنا الهوى الذي لم يكن يعلم أنه فضاح لا يؤتمن على سر فضح أولاد الأصول الملاح وطالما أنه كذلك ولم يعد هناك شيء يخفى بعد أن فضحه فيطلب من الباب يغلق 30 صباح وأن يضيع مفتاحه طالما هو مع محبوبته وإن جاء أبوه وأمه يسألون عليه فليخبروهما أنه خرج هو محبوبته سائحين في الجبال كأهل التصوف.