عيد الفطر من مواسم الخير والبركة الذى تزف فيه الملائكة البشرى إلى المؤمنين، وسمي بيوم الجائزة الكبرى، والعيد له روائح معطرة ذكية يستشعرها المؤمنون، فرمضان كان سوقا كبيرا ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، وجاء العيد ليتلقى الرابح جائزته، وأكد العلماء أن هذه الجائزة نوعان منها عاجلة أي يحصل عليها الصائمون في الدنيا وهي الفرحة في هذا اليوم، أما الجائزة الأخرى فهي آجلة، يحصل عليها الصائمون عند لقاء ربهم يوم القيامة، فمنهم من يدخل من باب الريان أي باب الصائمين، وتكون فرحتهم كبيرة عند لقاء ربهم، وأضاف العلماء أن يوم العيد يوم توسعة على الأهل والولد، وصلة الأرحام واجبة في هذا اليوم، وعيادة المرضى، أما زيارة المقابر فمنهي عنها لأنه يوم عيد ويوم سرور وليس لزيارة المقابر. يوم مكافأة وأوصى الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، بألا ننسى في العيد اتباع سُنن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأن هذا العيد يأتي مرة واحدة كل عام، ومن علامات الفوز بالجنة في السير خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع نهجه، فقال الله تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)، فهذا العيد جاء بعد معاناة شديدة من صيام وجوع وعطش خاصة في فصل الصيف، وصلاة التراويح والقيام ليل رمضان، وحفظ للجوارح في نهاره، والتزام مع الله في الحفاظ على سائر العبادات، وسهر في تلاوة القرآن، فالثواب يكون أعظم، وسعد من أدى رمضان في طاعة وبمناسبة هذه الطاعة يكون يوم فرحة وسعادة وسرور وهناء، فالعيد ليس لمن لبس الجديد ولكن العيد لمن تذكر يوم الوعيد، وخاصة أننا أدينا الفرض كما أمرنا الله عز وجل . أجلوا زيارة القبور وحذر جميع المسلمين من زيارة القبور في هذا اليوم لأنها ظاهرة وعادة سيئة نشاهدها في المدن والقرى، ولذا وجب تأجيلها في هذا اليوم، لأن بعض المسلمين يعتبرونها شيئا معتاداً بعد الصلاة، وأضاف، أن زيارة القبور أي وقت طوال العام ماعدا يوم العيد لأنه يوم فرحة، (فإذا ضاقت بكم الصدور فعليكم بزيارة القبور)، ولكن ليس هذا مستحبا في العيد، لأنها عادة ذميمة ولا ينبغي في يوم الفرح ويوم الجائزة أن نقلب هذا اليوم إلى يوم حزن، وخاصة أن هذا الأمر لم يوص به النبي ولم ينزل الله به من سلطان، ولكن وجب علينا في أول أيام العيد التزاور فيما بيننا وزيارة المرضى والمحتاجين وإدخال السرور على الأطفال، وعلينا أن نشعر كل الفئات الضعيفة في المجتمع بأنهم أعضاء فاعلون في هذا المجتمع وليسوا منفصلين عن هذا المجتمع . جائزة عاجلة ويشير الدكتور بهاء حسب الله، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة حلوان، إلى أن يوم العيد هو أحب أيام العبد الصائم والطائع وذلك لأنه يرى فيه أثر طاعته وعبادته وصبره على متطلبات إيمانه، وطول صيامه على مدى شهر كامل، وقد يستشعر بقبولها من الله عز وجل، وضاعف له فيها الأجر للاعتبار الإلهي، بأن الحسنة بعشر أمثالها وأن الله يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف، وقد تضاعفت فيه الحسنات، وعلامات القبول، وترفع الأعمال، فيفرح الصائم حينما يرى عظيم ما قدم، كما قال صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ويدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، ومن هذا الحديث نلمس أن الجائزة الربانية لها وجهان، وجه في الدنيا فيفرح الصائم، ويسعد بعد رحلة إيمانية روحانية، عاش فيها شهرًا كاملا، وافق فيها طاعة ربه بنفْس سخيَّة زكية راضية، مطمئنة آمنة، ومكمن فرحه وسعادته أنه أتمَّ طاعةً مفروضةً، منصوصة بنص سماوي، (وهنا تسمى جائزة عاجلة)، ويَفرح بها الصائم لأن الله رفع عنه مشقَّة التكليف بالصيام يوم العيد، يوم البهجة ويوم السعادة، ويَفرح لأن الله أباح له ما كان قد حرَّمه عليه في شهر الصيام، ويفرح لأنه أدخل السرور على مسلم محتاج صبيحة يوم الفطر، كلها أفراح وجوائز في الدنيا يَستشعِرها كل مسلم طائع يوم الفطر، لذلك نرى أن سلف هذه الأمة، وعلى حد قول الإمام السامرائي، سمَّوا يوم الفطر بيوم الجائزة . جائزة مؤجلة ويضيف، فهذه هي فرحة الصائم الأولى: (فرحة عند فطره)، لكنَّ الأهم هو الفرح في الموقف الطويل واليوم العظيم، (يوم القيامة)، وهي الفرحة المؤجلة أي الفرحة الثانية المقصودة: (وفرحة عند لقاء ربه)، وتأمل معي وجه الفرح وحقيقته لتعيش تلك الحقيقة العجيبة في أهمية الصيام، فحين يقف الناس بين يدَي ربِّ العزة - جل وعلا - في يوم الدِّين ويوم القصاص، (يقتصُّ الخلق بعضهم من بعض حتى الجمَّاء مِن القَرْناء، وحتى الذرَّة من الذرَّة)، كما صح عنه - عليه الصلاة والسلام - وعند البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصُّون مظالم كانت بينهم فى الدنيا)، فتحصل المقاصَّة في الحسنات، في يوم لا درهم فيه ولا دينار، والحساب في الاقتصاص بالحسنات، وهنا سنرى جميعًا «المفلس» الذي تحدَّث عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي يأتي بحسنات كثيرة مثل الجبال فتذهب هنا وهناك من أجل القصاص؛ كونه سبَّ فلانًا أو آذى فلانًا، أو ظلم فلانًا، فتتناثر الحسنات يَمنةً ويَسرةً، وهذا مشهد يصوِّره لنا النبي - صلى الله عليه وسلم، وهنا تأتي فرحة الصائم، ويُعطى جائزته في الموقف يوم أن يرى تلك الحسنة التي لا تتعرَّض لنظام المقاصَّة، إنها حسنة «الصوم» التي لا تخضع مطلقًا للقصاص، ولا يستطيع أحد المساس بها، ولن تذهب في ميزان الآخَرين فهي خالصة لصاحبها مدَّخرةٌ له، وهذا مفهوم قول المولى - عز وجل - في الحديث القدسي السابق: (قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به). محزنون لفراق رمضان ويقول الدكتور محمد عبدالرحمن الريحاني، عميد كلية دار العلوم بجامعة المنيا، إن عيد الفطر من مواسم الخير الذى تزف فيه الملائكة البشرى إلى المؤمنين، فنحن لفراقه لمحزونون، وكانت أيامه عامرة بالطاعة والعبادة، أما يوم الجائزة فهو للمقبولين الفائزين فقط، الذين اجتهدوا خلال شهر رمضان وتابوا توبة نصوحاً إلى الله، وقال تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) فعلينا أن نكثر من الدعاء في يوم العيد بأن يتقبل الله منا الصيام والقيام وأن يتجاوز عن تقصيرنا، ويبدأ التكبير من بعد غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وتملأ التكبيرات الشوارع والأسواق والبيوت إعلانا بتعظيم الله وإظهارا لعبادته وشكره، ومن سُنن النبى صلى الله عليه وسلم، أن تذهب من مكان وبعد انقضاء صلاة العيد تعود من مكان آخر، وأن تغتسل قبل الذهاب إلى الصلاة، وأن تتعطر وأن تلبس أفضل ملابسك، وليس شرطا أن يكون جديدا، ولا بأس أن نأخذ النساء معنا ليشاهدن صلاة العيد، فإن كانت المرأة حائضا، فتذهب لمشاهدة صلاة العيد وتقف بعيدا عن الصلاة.