على طريقة مسك العصا من المنتصف جاء تقرير الرباعية الدولية ليوجه اللوم للجلاد وضحيته فى آن واحد، فيوجه اللوم فى تعثر المسار التفاوضى لسلطة الشعب الخاضع للاحتلال وللقائم بالإحتلال على حد سواء، يتهم السلطة بالعجز عن إعمار غزة ويتجاهل الحصار الإسرائيلى للقطاع. كما اتهم التقرير السلطة الفلسطينية بالتحريض على العنف، متجاهلا جرائم المستوطنين ضد الشعب الأعزل ومقدساته، وفى الوقت الذى استبق فيه نيتانياهو التقرير بممارسة الضغوط على أطراف الرباعية خرج التقرير الأممى يتهم إسرائيل بتقويض حل الدولتين من خلال التوسع فى الاستيطان غير القانونى، فكان رد إسرائيل إنه الخرافة، فيما شنت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هجوما قاسيا على تقرير الرباعية ووصفته بالتحدى الصارخ للقانون الدولى، لأن المشكلة تتمثل فى الاحتلال الإسرائيلى وجرائمه وعدوانه المتواصل، وأن أى محاولة للمساواة بين المحتل والقائم بالاحتلال هى إفلاس أخلاقى، وقد ترافق إقرار أعضاء الرباعية الدولية لصياغة هذا التقرير فى فبراير الماضى مع الإعلان عن مبادرة السلام الفرنسية، وحينها بدا وكأن أعضاء الرباعية لا يريدون لفرنسا أن تظهر وكأنها قائدة المسيرة السلمية فى المنطقة. الاستيطان والعنف ينسفان السلام بعد طول تأجيل ومماطلة نشرت الرباعية الدولية بشأن الشرق الأوسط تقريرها، والذى انعقدت لإعداده وتسليمه لمجلس الأمن منذ شهر فبراير الماضى، واشار التقرير إلى أن المسار الراهن الذى يتواجد فيه الفلسطينيون والإسرائيليون يبعد احتمال تحقيق حل الدولتين، ويوجد وضعاً يزيد فيه من تجذر واقع دولة واحدة لشعبين، وخلا التقرير من أى دعوة جدية للطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكنه تضمن دعوة صريحة لإسرائيل بوقف الاستيطان وإنهاء السيطرة الزاحفة على المنطقة "ج"، فضلاً عن دعوة السلطة إلى وقف التحريض. وقد صاغ التقرير المبعوث الأمريكى لشئون السلام فرانك ليفنشتاين والمبعوث الروسى سيرجى فرشينين والمبعوث الأوروبى فرناندو جنتلينى والمبعوث الدولى نيكولاى مالدنوف، وبحسب ما نشر سابقاً فقد تم تداول عشرات المسودات التى كانت تتبدل وتتغير وفقاً لمواقف الأعضاء، ومدى تأثرهم بالتغييرات الدولية والضغوط من الطرفين، ومعروف أن الحكومة الإسرائيلية شنت فى الأسابيع الأخيرة حملة اتصالات شخصية وهاتفية مكثفة مع أعضاء الرباعية بقصد تلطيف انتقاداتها لإسرائيل، ويشير الفصل الأول من التقرير إلى العنف والتحريض، ويوجه انتقادات شديدة للسلطة الفلسطينية ولرئيسها، ويتهمهما بأنهما لا يفعلان ما يكفى لمحاربة الإرهاب ووقف التحريض ومنع العمليات، وقال التقرير إن استمرار العنف والعمليات الإرهابية الأخيرة ضد الإسرائيليين والتحريض على العنف لا يستويان مع تحقيق حل الدولتين ويفاقمان انعدام الثقة بين المجتمعين، وأوصى فى هذا الفصل باتخاذ جملة تدابير من الجانبين لتقليص التوتر، وطالب الجانبين بالعمل لمنع العنف وحماية أرواح وأملاك المواطنين، عبر استمرار التنسيق الأمنى وتعزيز قدرات أجهزة الأمن الفلسطينية، وركز الفصل الثانى على الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية، مشيراً إلى استمرار البناء الاستيطانى فى الضفة والقدسالشرقية وتزايد هدم بيوت الفلسطينيين ومنع تطوير حياة الفلسطينيين فى المنطقة "ج" يقضى بشكل مستمر على إمكانية حل الدولتين، وانتقد التقرير استمرار سيطرة إسرائيل التامة على المنطقة "ج" التى تشكل 60 % من أراضى الضفة الغربية، والمفترض أن تشكل احتياطاً استراتيجياً للدولة الفلسطينية، ويشدد على أن إسرائيل سيطرت من طرف واحد على 70 فى المائة من المنطقة "ج"، أما ال 30% الباقية ومعظمها أراض خاصة، فإن إسرائيل تصادر تطورها عن طريق حظر البناء فيها. وأشار التقرير إلى أن عدد المستوطنين فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية تضاعف منذ إبرام اتفاقيات أوسلو إلى 370 ألف مستوطن فى الضفة الغربية، بينهم 85 ألفا فى مستوطنات منعزلة، إضافة إلى 200 ألف آخرين فى مستوطنات القدسالشرقية، وأشار فصل آخر إلى الوضع فى قطاع غزة، حيث حذر من أن الوضع الإنسانى فى القطاع، والتأجيل فى إعادة إعماره، واستمرار تعاظم القوة العسكرية ل "حماس"، وباقى المنظمات، وغياب كل وجود للسلطة الفلسطينية يعرض استمرار وقف النار للخطر، وقد يدفع نحو حرب جديدة. خروج فاضح عن القانون الدولي وفى لهجة حادة تكشف عن غضب وإحباط شديدين من التقرير الأممى اعتبرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن التقرير الأخير للرباعية، يشكل خروجا فاضحا عن القانون الدولى والشرعية، وخريطة الطريق، ومبادرة السلام العربية، والاتفاقات الموقعة، ويخفض سقف الموقف الدولى من قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، مؤكدة رفضها الحازم للمقاربات التى تضمنتها توصيات التقرير، لأن جوهر المشكلة يتمثل فى الاحتلال الإسرائيلى وجرائمه وعدوانه المتواصل، وأن أى محاولة للمساواة بين القائم بالاحتلال بالقوة المسلحة والخاضع للاحتلال الأعزل يعتبر إفلاسا أخلاقيا. ووصفت اللجنة التنفيذية الاحتلال الإسرائيلى بأعلى درجات الإرهاب والتحريض والعنصرية والأبرتهايد، وخلافاً للطلب الوارد فى تقرير الرباعية بأن على الشعب الفلسطينى أن يوقف العنف والإرهاب والتحريض والكراهية، فإن جريمة حرق الطفل محمد أبو خضير، وقتل الطفل محمد الدرة، وحرق الرضيع على دوابشة ابن (ال8 أشهر) وأمه وأبيه وأخيه، وإعدام عبد الرحيم الشريف، ومحمود بدارنة، وإحراق المساجد والكنائس والمدارس والإعدامات الميدانية والعقوبات الجماعية وهدم البيوت والتطهير العرقى والاغتيالات والاعتقالات، وفرض الحقائق من خلال جدران الفصل العنصرى والاستيطان والحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ سنوات طويلة، والتصريحات البذيئة والعنصرية والفاشية التى تصدر يومياً من أكثر من وزير ومسئول إسرائيلي، تشكل جميعها علامات واضحة على عمق الإرهاب والتحريض والعنصرية الممارس من قبل سلطة الاحتلال، الأمر الذى قرر من قام بصياغة التقرير تجاهله تماماً، وأن الانتصار على الإرهاب يبدأ بالكف عن التعامل مع إسرائيل كدولة فوق القانون، لا تسرى عليها المواثيق والمعاهدات والقرارات التى توافقت عليها الإنسانية. أكاذيب إسرائيلية وقد رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو دعوة اللجنة الرباعية إلى وقف الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وقال فى بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء الإسرائيلى إن تقرير الرباعية يبقى على الخرافة بان الأبنية الإسرائيلية فى الضفة الغربية هى عقبة أمام السلام، ولكن عندما جمدت إسرائيل الاستيطان لم تحصل على السلام، وتطابق موقف نيتانياهو مع عنصرية وفاشية سفير إسرائيل الدائم لدى الأممالمتحدة دانى دانون، عندما عقب فى بيان وزعه على الصحفيين فى نيويورك، إنه يتعين على الفلسطينيين أن يدركوا أن المبادرات الدولية لن تجلب السلام فى الشرق الأوسط، واعتبر أن التقرير سلط الضوء على الأكاذيب التى تروج لها السلطة الفلسطينية، مشيرا أن بلاده لن تعتذر عن البناء فى القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل. وفى كلمات تحافظ على بعض الحق ولا تغضب إسرائيل دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى إلى ضرورة العمل من أجل تنفيذ التوصيات الواردة فى تقرير الرباعية وقال إن هناك حاجة ملحة لاتخاذ خطوات إيجابية على أرض الواقع، وبنفس الطريقة الفضفاضة حذر مبعوث الأممالمتحدة للسلام فى الشرق الأوسط نيكولاى ملادينوف من أن حل الدولتين يتلاشى بعد أن رفض الطرفان انتقادات الوسطاء الدوليين، وقال ان التقرير يدق جرس انذار بأننا ننزلق نحو حقيقة الدولة الواحدة التى لا تتوافق مع آمال الشعبين.