لقيت قوات سوريا الجديدة هزيمة قاسية رغم مؤازرة قوات برية أمريكية وأردنية وغطاء جوي ودعم لوجستي أمريكي أمام تنظيم داعش في معركة مدينة «البو كمال» السورية المتاخمة للحدود العراقية. الهجوم البري الذي انطلق من الحدود الأردنية كان مباغتا، وقطع أكثر من 300 كيلو متر، حتي وصل إلي المطار القريب من مدينة البوكمال، ليشن تنظيم داعش هجوما مضادا، اعترفت المعارضة بأنه أودي بحياة 40 مقاتلا وأسر 15 آخرين، وانسحبت قوات سوريا الجديدة حاملة عشرات الجرحي، تحت غطاء جوي أمريكي كثيف، لتسجل هزيمة قاسية لتلك القوات التي دربتها أمريكا في الأردن، وزودتها بأحدث الأسلحة، بل وشارك فيها الكوماندوز الأمريكي وقوات أردنية. لماذا غامرت أمريكا بهذا الهجوم الفاشل؟ وكيف وضع مستشاروها العسكريون خطة بهذا المستوي السيئ؟ قوات سوريا الجديدة لا يكفي عددها أو مستوي تدريبها لتكسب معركة تقطع فيها مئات الكيلو مترات، وتقاتل الدواعش القساة المتمرسين في الحروب، والمستعدين دوما للموت، والهجوم علي خصومهم بالعربات المفخخة والأحزمة الناسفة وسط الألغام المزروعة في كل مكان. لا يمكن تفسير هذه المغامرة إلا برغبة أمريكا في وضع يدها علي أهم المعابر علي الحدود السورية العراقية بأقصي سرعة، وهي في سباق مع الزمن لتحقق هذا الهدف المهم، وكانت قد حاولت استدراج الجيش السوري ليدخل معها في سباق بعيد عن الحدود العراقية، وأعلنت أنها ستدعم قوات سوريا الديمقراطية «ذات الأغلبية الكردية» لدخول مدينة الرقة «عاصمة داعش» لكن قوات سوريا الديمقراطية غيرت من وجهتها إلي الرقة، وتوجهت إلي مدينة مينيج الحدودية مع تركيا، ليغير الجيش السوري وجهته هو الآخر، ويتوجه إلي دير الزور قرب الحدود العراقية، التي مازال يسيطر علي مطارها، لينطلق منها بعد ذلك إلي البوكمال، المواجهة لمدينة القائم العراقية، ويكون التقاء جيشي العراقوسوريا علي الحدود نقطة تحول جوهرية، وإعلانا واضحا عن فشل مخطط التقسيم أو قطع الاتصال بين العراقوسوريا، وبالتالي بين إيرانوسوريا ولبنان. أرادت الولاياتالمتحدة منع تحقيق كابوس اتصال أراضي إيرانوالعراق مع سوريا ولبنان، ولهذا كانت تضغط علي العراق لتأجيل معركة الفلوجة، التي كانت أهم العقبات التي تمنع الجيش العراقي من الوصول إلي الحدود السورية، وتطويق داعش، ومنع وتقطيع خطوط إمداده. كانت أمريكا واثقة من عدم اعتراض الطيران الروسي أو السوري لها، خاصة أنها تجنبت مواقع الجيش السوري في بادية حمص، وأنها تستهدف مواقع داعش المتفق علي أنها هدف لكلا التحالفين، لكن التسرع الأمريكي، وعدم الجاهزية القتالية والمعنوية للعناصر السورية، التي تم استقدامها من مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن. لم يكن فشل أمريكا في بناء قوة مسلحة «معتدلة» هو الأول من نوعه، فقد سبق أن شكلت وحدات من االجيش الحر«، واعدته لاجتياح منطقة درعا قرب الحدود الأردنية، في هجمات سمتها «عاصفة الجنوب» لكنها لم تنجح في تحقيق أي مكسب ميداني، وتكسرت هجماتها مرارا، رغم وجود غرفة عمليات تخطط وتتابع وتؤازر هذه القوات من خبراء أمريكيين وبريطانيين وأردنيين. أما تجربة تدريب شباب من مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا فقد منيت بالفشل منذ البداية، بعد أن أنفقت علي تدريبهم نحو 600 مليون دولار، ولم تتمكن من تخريج سوي 6 عناصر فقط، قالت إنها مؤهلة للقتال،وزودتهم ببعض العتاد ليدخلوا شمال حلب، لكنهم استسلموا لأقرب حاجز قابلوه، وكان لجماعة النصرة، وسلموه كل ما لديهم من سلاح. مازالت قوات سوريا الديمقراطية الكردية عاجزة عن دخول مدينة مينيج بعد نحو شهر من المعارك علي حدودها، رغم كل ما تلقاه من الدعم الأمريكي، لكن الأهم ليس توسيع رقعة السيطرة الكردية علي الحدود السورية التركية، وإنما هو قطع الطريق أمام التقاء جيشي سورياوالعراق، والذي لم يعد أمامه سوي القليل من الوقت، ويمتد التواصل الايراني الروسي عبر بحر قزوين إلي شاطئ البحر المتوسط في طرطوس واللاذقية.تؤكد معركة البوكمال أن التحالف الأمريكي ضعيف علي الأرض، ولا يمكنه منافسة التحالف الروسي الإيراني السوري العراقي، ومعهم حزب الله اللبناني، فقد فشلت أمريكا في إنشاء جيش للسنة العراقيين، باسم قوات الحرس الوطني، ولا استطاعت منع قوات الحشد الشعبي العراقية ذات الأغلبية الشيعية من المشاركة في المعارك، والبديل الوحيد الذي كان متاحا هو تشكيل قوات برية من دول التحالف تجتاح الأراضي السورية، لكنها رأت أن هذا الخيار قد يؤدي إلي صدام بكل من روسياوإيران، لتتحول الحرب بالوكالة إلي حرب عالمية لا يمكن التكهن بحدودها، وكان الخيار الأخير لأمريكا هواللجوء إلي أكراد سوريا ودعمهم ببعض العناصر القبلية، لكن أكراد سوريا ليس لديهم العدد ولا الدافع للإقدام علي مغامرة قد تأتي بالوبال عليهم. وجاء اعتذار أردوغان عن إسقاط السوخوي الروسية، وما سيتبعه من تعديل في الموقف التركي من الأزمة السورية ليقرب من نهاية الجماعات المسلحة في سورياوالعراق، التي أصبحت عبئا علي داعميها، وتطايرت شرر تفجيرات داعش لتصيب تركياوالأردن ومعظم دول أوروبا، بينما يواصل جيشا العراقوسوريا وحلفاؤهما التقدم، لطي أكثر الصفحات دموية في تاريخ المنطقة، وإن كانت المنطقة مازالت مليئة بالكثير من الألغام. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد