استطاع أن يضع اسمه فى مكان مرموق، وسطر لنفسه تاريخا بأحرف من نور فى سماء عالم الابتهالات والإنشاد الديني، مما جعل له قاعدة عريضة من جمهور المستمعين فى جميع أنحاء العالم الإسلامي، إنه المبتهل الشيخ عبد التواب البساتينى أحد أشهر المبتهلين في الوقت الحالى، الذى أكد فى حواره مع "الأهرام"، أن الابتهال مناجاة ودعاء إلى الله تعالى له ضوابط، كما أنه يعد قوة ناعمة لمواجهة الفكر المتطرف ونشر سماحة ووسطية الإسلام. وقال إن المبتهل الجيد هو من يبتكر لنفسه أسلوبا جديدا ينفرد به، وأننا نحتاج الى جهود كبيرة لاستعادة فن الابتهال مجده، ... والى نص الحوار: كيف كانت البداية؟ كانت البداية مع القرآن الكريم منذ الصغر، ففي كتاب المنطقة التي أقطنها في محافظة بنى سويف حفظت القرآن وعمري 13 سنة، وذلك بعد أن وجد ناظر المدرسة لدى الموهبة فأوصى والدي بإلحاقي بمكتب تحفيظ القرآن، وبدأت القراءة والتلاوة وعمري 14 سنة في مناسبات المدرسة، واستفدت من الكُتَّاب استفادة رائعة؛ حيث تعلمت حفظ القرآن سليما خاليا من اللحن والأخطاء، وعلى يد شيخ يتقن القرآن، مما ثبته في ذهنى، ثم انتقلت إلى “سيِّدنا المعلم” وهو الشيخ أحمد رشوان الذي منحني إجازة في قراءتي حفص ونافع، وبعد ذلك التحقت بمعهد القراءات وحصلت على عالمية القراءات عام1979م، ثم بدأت القراءة في المناسبات، و كنت سعيدا لأني أقرأ القرآن أمام الناس وأجد تجاوبا كبيرا منهم. وماذا تعلمت من الكُتَّاب؟ الكُتَّاب ساعدني كثيرا في أن أجيد قراءة القرآن وحفظه، كما أن الحفظ على يد متخصص وبطريقة التلقين حافظت على اللغة العربية عندي وحسنتها مما أفادني كثيرا بعد ذلك، والمؤسف أن الناس لم تعد تهتم بالكُتَّاب كما ينبغي، وهو ما أدى إلى ضعف الارتباط بالقرآن وباللغة العربية معا، خلافا لما كان يحدث منذ فترة، حيث كان الاهتمام بالكُتَّاب يفوق الاهتمام بالمدرسة عند عدد كبير من الأسر، وكان الجميع بلا استثناء يحرص على تحفيظ أبنائه القرآن، مما رفع من تحصيلهم العلمي أيضا، بدليل أن من حصل على الابتدائية في تلك الفترة كان أفضل في القراءة والكتابة والنطق السليم من بعض الحاصلين على مؤهلات عليا حاليا. متى دخلت عالم الابتهال؟ بدأت اتجه نحو عالم الابتهال بعد أن قضيت فترة التجنيد الإجبارية من عام 1966 حتى 1974 م ، حيث كنت من عشاق كبار وأعلام المبتهلين، أمثال علي محمود وطه الفشني وسيد النقشبندي، وطلبت في إحدى الليالي من الله أن أصبح مبتهلا مثل هؤلاء العظام، فاستجاب الله تعالى لدعواتي، وأهم ما كان يلفت إعجابي في هؤلاء المبتهلين أن كل واحد منهم له مدرسة متميزة في الابتهال، حيث لا يقلد واحد منهم الآخر. ما رأيك فى مدرسة التقليد؟ أرفض مدرسة التقليد، وأرى أن المبتهل الجيد هو الذي يبتكر أسلوبا جديدا ينفرد به بين زملائه، لذا أحرص على أن يكون لي أسلوبي الخاص، حيث صقلت الموهبة لدى بالدراسة، وإعمال قواعد مدرسة المبتهلين الأوائل، لا لأقلدهم ولكن لأتعلم منهم. برأيك ما الهدف من الابتهال الدينى؟ الابتهال هو الدعاء ومناجاة الله تعالى، لذا لابد أن يكون بضوابط، منها الأدب والإخلاص، والهدف منه هو ترقيق القلب والارتقاء بالروح الي عالم السمو في الكون الفسيح الي ما لا نهاية، حتى تعرج الى درجات الصفاء الروحى، مما ينعكس أثره على تهذيب الأخلاق والسلوك، فما أحوجنا الى الاهتمام بهذا الفن الراقى خاصة فى العصر الحالى، الذى انتشر فيه الفكر المتطرف والشاذ، فالابتهال قوة ناعمة لمواجهة تلك الأفكار المنحرفة. كيف تختار الأبيات التي تنشدها؟ ومن الذي يلحن لك؟ أنتقى الأبيات من التراث والتى تتناسب مع الاحتفال والمناسبات الدينية المختلفة، وهناك بعض الشعراء يكتبون لي، حيث كنت أطلب منهم كلمات محددة في المناسبات مثل الهجرة والإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان والمولد النبوى الشريف، أما عن التلحين، فأنا الذي أقوم بتلحينها، حيث أحدد المقام الموسيقي الذي يصلح للكلمات، وأُجرى بعض التعديلات حتى يكون الابتهال جاهزا للأداء. هل هناك من أسرتك من اتبع طريقك فى فن الابتهالات؟ يوجد ابنى أحمد، وهو حاليا يخطو خطوات البداية نحو عالم الابتهال، وهو لا يقلدنى، وأتمنى أن يؤسس لنفسه مدرسة خاصة به. لماذا لم يعد لدينا نجوم في عالم الابتهال؟ لابد من الأخذ في الاعتبار التوقيت الذي ظهر فيه أعلام المبتهلين، حيث كان الناس لديهم وقت فراغ وأذهان متفتحة للاستماع للابتهالات والتأثر بها، بعكس الوقت الحالي الذى انشغل فيه الناس بأعمالهم ومطالب الحياة. وما رؤيتك لتطوير فن الابتهال؟ الابتهال فن رائع، أرجو أن يتم الاهتمام به خاصة من جانب وسائل الإعلام التي لا تعرضه إطلاقا سوى في إطار الحفلات الرسمية، ويستثنى بالطبع إذاعة القرآن الكريم، التي تمثل الراعي الأول للمبتهلين في مصر، ولها الفضل على المؤدين للابتهالات والجمهور في الوقت نفسه، وأطالب أيضا بالاهتمام بالتواشيح، وهي تختلف عن الابتهالات في أنها تؤدى بصورة جماعية، وهي فن راق للغاية تلاشى حاليا بسبب عدم الاهتمام، وأدعو إلى إحيائه مرة أخرى. برأيك ما هى شروط المبتهل الناجح؟ أن يكون من ذوي الأصوات الحسنة، حافظا للكثير من الشعر، فالشعر فن جميل فيه المناجاة والنصيحة والحكمة، مع ضرورة توافر الصوت القوى، ثم صقل تلك الموهبة بالدراسة، وإجادة اللغة العربية، والتنوع فى الاداء، مع التخلق بأخلاق الاسلام الحق، خاصة الإخلاص فى القول والعمل، لأن ما خرج من القلب وصل إلى القلب، فليس كل من يبتهل يؤثر في الناس ويصل إلى قلوبهم. كيف كمبتهل تسهم في توصيل رسالة الإسلام الصحيح خاصة فى الغرب؟ الابتهال والإنشاد فن تلقائي مرتجل والغرب يحبون الاستماع إلي مثل هذه التلقائيات، وهو فن لا شك أنه يعد قوة ناعمة، ومنبرا دعويا للإسلام الوسطى، خاصة فى هذه الأيام التى يوجد فيها تشويش على صورة الإسلام المعتدلة، ومن المعلوم أن لغة النغم يفهمها كل الخلق، والابتهال يصل الي القلوب سريعا وأخلاقنا عنواننا، وما صدر من القلب لابد أن يصل الي القلب. وكيف تنظر إلى مستقبل الإنشاد الديني في مصر؟ الابتهال رسالة يتوارثها الأجيال، ونحن نخدم هذا الفن، ولا نطلب الأجر إلا من الله تعالي، ولكن للأسف الشديد ليس عندنا مدرسة واحدة لتعليم الإنشاد مع شهرتنا الهائلة، أما عن مستقبل الابتهال، فماضيه يدل علي الأصالة، وأرجو من الله العلى القدير، أن يكون مستقبل هذا الفن باهرا، تحافظ عليه الأصوات الحسنة من الأجيال المقبلة. هل أنت مع من يقول إننا فقدنا الريادة في هذا الفن؟ لا، فالابتهالات فن مصري خالص، وبذلك يشهد العالم، ولكن كما يقولون لكل “جواد كبوة”، وإذا أردنا أن نعيد للابتهال مجده القديم، فلابد أن تتضافر الجهود المادية والمعنوية لتحقيق ذلك.