تمثل ايران فى الوقت الحالى خطرا حقيقيا على دول الخليج العربي، تسعى الى فرض نفوذها بقوة، مستغلة الوضع الذى تمر به منطقة الشرق الاوسط من صراعات و حروب اهلية ومذهبية، لتفرض نفوذها وتكون لها الغلبة، من خلال إثارة الفتنن والقلاقل فى بعض الدول، أو مد المعارضة بالسلاح وتدعيمهم من اجل القفز على السلطة لتصبح دول منطقة الخليج العربى تحت النفوذ الايراني. تتحدد أهداف الدول الساعية لحماية مصالحها القومية، من خلال سياستها الخارجية، وتتأثر بالبيئة العالمية التى تتعامل معها وتتحرك فيها، وبالقوة أو القوى التى تتحكم وتوجه هذه البيئة، فالسياسة الخارجية الإيرانية تُصاغ بالضرورة فى إطار الوحدة الدولية، وترمى إلى تحقيق أهدافها إزاء وحدات خارجية؛ ففى عصرالتقدم التكنولوجى فى وسائل الاتصال لم تعد النظم والجماعات قادرة على الانحسار داخل بوتقة خاصة أو الانغلاق على الذات. فالنظام السياسى المتشكل فى إثر الثورة الإيرانية 1979م، كثورة أيديولوجية دينية إسلامية ، أحدث تغييرات سياسية كبرى فى النظام الإيراني، أما اليوم فقد حدثت تغييرات هيكلية فى الظروف التاريخية والبنية الجيوستراتيجية التى كانت تعمل من خلالها إيران سابقا، ووجدت نفسها فى بيئة مغايرة تماماً ، فقد اختلفت البيئة العالمية فى سبعينيات القرن الماضى عنها فى القرن الحادى والعشرين، بما تتيحه من فرص وخيارات أمام إيران، بدأت تتضح معالمها منذ تسعينيات القرن الماضي. ساهمت الحرب الأمريكية على الإرهاب فى تعزيز مكانة إيران كدولة إقليمية ذات نفوذ قوي، ووفّرت واشنطنلإيران فرصة مناسبة للحصول على مكانة إقلمية ودولية؛ فبعد الإطاحة بنظامى (العراقوأفغانستان) اللذين كانا يشكلان تهديداً مباشراً لطهران، تمت مكافأة إيران بإطلاق يدها فى العراقولبنان، وأصبح لها نفوذ فى مناطق أخرى مهمة، مثل: غزة، وآسيا الوسطي، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، فقد استغلت إيران انهيار النظام العراقى وانشغال أمريكا فى حربها فى العراق، للتحول إلى القوة الإقليمية الأبرز، وإلى فاعل سياسى فى المنطقة لا يمكن تجاوزه، وهكذا، تصبح إيران فى هذه الحالة طرفاً مهماً فى تشكيل النظام العراقى الجديد، وتسعى إلى أن يكون النظام العراقى الجديد غير معادٍ لها، أو أن يكون مؤيداً أو متعاطفاً معها، فبعد أن كان النظام العراقى القديم يشكّل تحدياً أمام حرية الفعل الإيرانى لتحقيق دور إقليمي، باتت الفرص اليوم أمام إيران متاحةً بشكل كبير. ثم جاءت بعد ذلك ثورات الربيع العربى الذى شغل العديد من الدول العربية فى امورها الداخلية ، فى ذلك الوقت حاولت ايران ان تفرض نفوذها وسيطرتها على المنطقة ككل وحاولت ان يكون لها الدور الاكبر وان تصبح القوة الفاعلة الوحيدة فى المنطقة ، تسعى الى اعادة تشكيل الدول العربية الاخرى من اجل مصلحتها العليا واهدافها الخاصة والأهم هو: أن هذه البيئة الدولية والإقليمية فتحت فرصاً كبرى أمام إيران للتحرك باتجاه تطوير برنامجها النووي، وهو البرنامج الذى أكسب الطبقة الدينية القابضة على الحكم شرعية ساعدتها على الاستمرار وبسط سيطرتها على الداخل بالطريقة التى تنسجم وتتماشى مع تصوراتها، وتثبيت نظام الحكم ومبادئ الثورة، كما أن هذا التعنت الإيرانى أمام الأمريكان أكسبها شرعية إقليمية عند البعض، مما أكسبها سيطرة على بعض الدول وقوى الممانعة، لتتماشى مع تصورات الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمنطقة، وتدور فى فلكها. أضف إلى ذلك، أن حرب واشنطن على الإرهاب، وتحطيم النظامين العراقى والأفغانى جعل إيران طرفاً فى أى حوار أمريكى يخص العراقوأفغانستان، من ذلك يتضح أن إيران استطاعت توسيع نفوذها الإقليمي، وأمست طرفاً فى تشكيل مستقبل العراقوأفغانستان، وأصبح لها تأثير علِى الوضع السياسى فى لبنان وفلسطين، وهو ما ينبئ أن إيران قد تكون لاعباً أساسياً فى تشكيل الشرق الأوسط الكبير. وعموماً، فإن الحرب الأمريكية على الإرهاب، والحرب الأمريكية فى العراقوأفغانستان، واستنزاف القدرات الأمريكية، وعدم قدرتها على ضرب أى بلد آخر، ناهيك عن مناطق التوتر الأخري، والأزمة المالية العالمية، كل ذلك ترك فراغاً، وفتح فرصاً كبرى أمام حرية الحركة والفعل الإيرانيين، مما يجعلها طرفاً فى تشكيل سياسة المنطقة، وقوة رئيسة على المستوى الإقليمى ترمى إلى إحداث تغيرات جذرية تؤدى إلى إضعاف الدور الخليجى والعربي. المعوقات الجيوسياسية إن الواقع السياسى والجيوستراتيجى لا يتكونان فقط من معانى الفاعلين السياسيين، أو من خلال الإرادة الذاتية للفاعل، وإنما هناك عوامل بنائية (أو موضوعية) تمارس تأثيراً طاغياً على الفاعل وتصوراته، وتمارس قهراً على دوره، فالفعل السياسى والجيوستراتيجى يتأثران إلى حدٍ كبير، بل ويتشكلان ويصاغان بواسطة العوامل البنائية (السياسية والجيوستراتيجية). ليست العلاقة أحادية ولا يمكن التعبير عنها فى ضوء تعميمات لها سمة القانون وعموميته، ودون الخوض فى النقاش العويص حول العلاقة بين الفعل والبناء، أو بين الذات والموضوع، نقول فيما يخص موضوعنا: إن الفعل السياسى الإيراني، والإرادة الذاتية لإيران، لا يمكنهما أن يتحررا تماماً من تأثير ظروف البناء السياسية والجيوستراتيجية والعوامل البينية، سواء أكانت المحلية أو العالمية، فأشكال السيطرة، والقوة والأيديولوجيا، والهيمنة الأحادية الأمريكية على العالم، ناهيك عن علاقة إيران بدول الجوار، والصين، وروسيا. وغيرهما من دول العالم، كل هذه العوامل تحد من حرية الحركة، وتفرض على إيران السير وفق هذه العوامل البنائية، وأن تعمل وفق ما هو مناسب ومتاح، آخذة باعتبارها كل هذه العوامل وفق حسابات دقيقة. نعم إن سقوط النظامين العراقى والأفغاني، جعل إيران أمام فرص متعددة، ولكنه فى الوقت نفسه فرض عليها تحديات، فقد أصبحت إيران أكثر من أى وقت مضى عرضة للضغوط الأمريكية، وبمختلف الوسائل لمنعها من البروز كقوة إقليمية، لأن واشنطن لن تسمح ببساطة ببروز قوة إقليمية معادية لها. كما جعلها فى موضع الخطر المباشر، وبخاصة أن واشنطن أصبحت على حدود إيرانالشرقية فى أفغانستان، وشمالاً فى جوار بحر قزوين فى أكثر من دولة من دول الاتحاد السوفيتى السابق، كما أن جارتها باكستان دولة نووية ولها علاقة جيدة مع واشنطن، كذلك الأمر مع تركيا. أما فى جنوبها، وبفعل مصالح واشنطن الاستراتيجية فى الشرق الأوسط، وحماية إسرائيل، وتدفق النفط، كل ذلك جعل وجود واشنطن العسكرى أكبر وأضخم من أى منطقة أخري، ناهيك عن العلاقات العربية الإيرانية المتوترة أصلاً، ولعل أبرز ما يوضح القلق الإيرانى من الوجود العسكرى الأمريكى فى جوارها كل هذه العوامل تشكل معوقات أمام إيران، يجعلها أكثر عرضة للمخاطر، وهذه المعيقات البنائية تدفع طهران قسراً، باتجاه إقامة علاقات مع واشنطن أوترجع أهمية المشاورات إلى تخفيف حدة التوتر بينها وبين واشنطن، بالإضافة إلى أن هذه المشاورات المباشرة تسمح لواشنطن الاطلاع مباشرة على وجهة النظر الإيرانية، وبخاصة عندما تتوتر العلاقة بينهما، أضف إلى ذلك أن هذه المشاورات واللقاءات السرية التى تجرى من (الأبواب الخلفية)، تساعد إيران فى إيصال رأيها إلى إسرائيل، ففى هذه الحالة تلعب واشنطن دور الوسيط بين إيران وإسرائيل، كما أن هذه اللقاءات تقوى الأمل فى تحسين العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية، وهى بالفعل لعبت دوراً فى استمرارية النظام الإيرانى المتشكل . لم تشكّل إيران الثورة 1979م أى خطر أيديولوجى على النظام الدولى آنذاك وتصوراته الفلسفية، ولم تكن بديلاً أيديولوجياً أمام الصراع الأيديولوجى بين الرأسمالية والاشتراكية، فقد رأت واشنطن أنه ربما تشكل الأيديولوجية الإسلامية الإيرانية، التى تتعارض مع الماركسية أو الاشتراكية، فرصة لتحسين العلاقات مع أمريكا، أو قد تندفع إيران إلى التحالف الغربى بسبب الخطر الشيوعى المتربص على حدودها الشمالية، وحتى عندما تأكدت واشنطن من خطأ هذه التصورات، لم تستطع فعل أى شيء ضد إيران لإعادتها إلى التحالف الغربي، والسبب فى ذلك أن النظام الدولى آنذاك جعل الخيارات أمام واشنطن محدودة أو معدومة، وبخاصة أن إيران تقبع جنوب الاتحاد السوفيتي. كما أن أى إجراء أمريكى ضدها قد يدفعها إلى التحالف مع الاتحاد السوفيتي. أما الآن بعد ان أصبحت الولاياتالمتحدة القوة العظمى الوحيدة فى العالم ،وصفت السياسة الأمريكيةإيران بالدولة التى تساند الإرهاب وتضعها ضمن دول محور الشر، فالأيديولوجية الإسلامية التى لعبت دوراً فى الحفاظ على إيران الثورة، أصبحت الآن تشكّل أحد المخاطر على إيران فى ظل الحرب على الإسلام والمسلمين، وأصبحت أية دولة ترفع شعارات إسلامية توصم بالإرهاب. كما أن هذا البعد الأيديولوجى حاضر فى المسألة النووية الإيرانية. فالولاياتالمتحدةالأمريكية تتصور أن امتلاك إيران للرادع النووى سوف يجعلها تشعر بأنها لم تعد معرّضة للخطر المباشر من أى انتقام عسكرى تقليدي، فهى تستطيع أن تعود إلى السياسات العدوانية والسياسة الخارجية المقاومة للوضع الراهن التى اتبعتها إبان الثورة الإيرانية. وإذا كانت الأوضاع فى المنطقة لعبت دوراً فى صعود إيران كقوة إقليمية، فقد لعبت دوراً أيضاً فى صعود قوى إقليمية أخرى كتركيا، التى لها مصالح لا تقل أهمية عن مصالح إيران، وقد تتعارض مصالحهما مستقبلاً، وهو ما يشكّل معوقاً أمام تمدد النفوذ الإيراني. بعد أن استطاعت القيادة الإيرانية أن تفرض سوراً واقياً أمام الخارج للعبور إلى الفرد والمجتمع الإيراني، بات الخارج اليوم - فى اختزال للزمن والمكان حاضراً فى حياة الإيرانيين، فقد باتت البلاد هى الطرف المتلقى أو المستقبل لكل منتجات الحضارة الغربية، وبالتالى فقد فرض الآخر المختلف ثقافته وحضارته على الفرد والمجتمع الإيراني، فالعولمة الثقافية باتت تشكل هاجساً يؤرق النظام الأيديولوجي، فثمة حراك اجتماعى دائب تشهده إيران فى هذه الغضون يضغط من أجل التغيير الثقافى والسياسى بفعل الثورة الاتصالية والعولمة الثقافية والسياسية التى تقلل من قدرة النظام على الضبط والتحكم. ان ما سبق هو توضيح للوضع الايرانى فى النظام الاقليمى ومحاولاتها المستميتة للسيطرة على منطقة الخليج العربى وفرض نفوذها، كما كانت تسعى من قبل فى اثارة الفتن والبلبلة فى بعض دول الخليج مثل البحرين والمملكة العربية السعودية، ومحاولات فرض النفوذ فى لبنان من خلال حزب الله،دعمها للحوثيين فى اليمن بمدهم بالسلاح والعتاد، كل ذلك فى الوقت الذى سمحت الولاياتالمتحدةالامريكيةلايران بفرض نفوذ قوى فى العراق بعد عملية الاحتلال، واخيرا بعد التسويات فى الملف النووي. [email protected]