جاءت العمليات العسكرية التى قام بها الحوثيون فى اليمن لتؤكد ان ايران تسعى للسيطرة وبسط نفوذها على منطقة الخليج العربي، وايجاد دولة حليف لها تنفذ سياساتها، وذلك بعد ان فشلت فى تنفيذ ذلك المخطط فى مملكة البحرين حيث سعت الى دعم بعض العناصر الشيعية فى البحرين من اجل احداث ثورة تطيح بالنظام الحالى ويتمكن الشيعة من حكم البحرين، ذلك فى الوقت التى قامت ببسط نفوذها على العراق بعد احتلاله من قبل القوات الامريكية والبريطانية، وترك الساحة السياسية شاغرة امام الدور الايرانى الذى استغل هذا الفراغ، وتمكنت الاستخبارات الايرانية من التغلغل فى الجنوب العراقى ودعمت عناصر مسلحة، واستطاعت ان تبسط نفوذها على اغلب المناطق التى تعتنق المذهب الشيعي. ايران تسعى ان يكون لها نصيب كبير فى وضع الشرق الاوسط الجديد وان تغير الخريطة الأيديولوجية لمنطقة الخليج العربى ليكون لها اكثر من حليف تستطيع من خلالهم تنفيذ مخططاتها واهدافها. واذا نظرنا الى الدول الساعية لحماية مصالحها القومية،نجد انها تحدد اهدافها من خلال سياستها الخارجية، وتتأثر بالبيئة العالمية التى تتعامل معها وتتحرك فيها، وبالقوة أو القوى التى تتحكم وتوجه هذه البيئة، فالسياسة الخارجية الإيرانية تُصاغ بالضرورة فى إطار الوحدة الدولية، وترمى إلى تحقيق أهدافها إزاء وحدات خارجية؛ ففى عصرالتقدم التكنولوجى فى وسائل الاتصال لم تعد النظم والجماعات قادرة على الانحسار داخل بوتقة خاصة أو الانغلاق على الذات. وقد ساهمت الحرب الأمريكية على الإرهاب فى تعزيز مكانة إيران كدولة إقليمية ذات نفوذ قوي، ووفّرت واشنطنلإيران فرصة مناسبة للحصول على مكانة إقلمية ودولية؛ فبعد الإطاحة بنظامى (العراقوأفغانستان) اللذين كانا يشكلان تهديداً مباشراً لطهران، تمت مكافأة إيران بإطلاق يدها فى العراق ولبنان، وأصبح لها نفوذ فى مناطق أخرى مهمة، مثل: غزة، وآسيا الوسطى، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، فقد استغلت إيران انهيار النظام العراقى وانشغال أمريكا فى حربها فى العراق، للتحول إلى القوة الإقليمية الأبرز، وإلى فاعل سياسى فى المنطقة لا يمكن تجاوزه، وهكذا، تصبح إيران فى هذه الحالة طرفاً مهماً فى تشكيل النظام العراقى الجديد، وتسعى إلى أن يكون النظام العراقى الجديد غير معادٍ لها، أو أن يكون مؤيداً أو متعاطفاً معها؛ فبعد أن كان النظام العراقى القديم يشكّل تحدياً أمام حرية الفعل الإيرانى لتحقيق دور إقليمي، باتت الفرص اليوم أمام إيران متاحةً بشكل كبير. والأهم هو: أن هذه البيئة الدولية والإقليمية فتحت فرصاً كبرى أمام إيران للتحرك باتجاه تطوير برنامجها النووي، وهو البرنامج الذى أكسب الطبقة الدينية القابضة على الحكم شرعية ساعدتها على الاستمرار وبسط سيطرتها على الداخل بالطريقة التى تنسجم وتتماشى مع تصوراتها، وتثبيت نظام الحكم ومبادئ الثورة، كما أن هذا التعنت الإيرانى أمام الأمريكان أكسبها شرعية إقليمية عند البعض، مما أكسبها سيطرة على بعض الدول وقوى الممانعة، لتتماشى مع تصورات الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمنطقة، وتدور فى فلكها. وعموماً، فإن الحرب الأمريكية على الإرهاب، والحرب الأمريكية فى العراقوأفغانستان، واستنزاف القدرات الأمريكية، وعدم قدرتها على ضرب أى بلد آخر، ناهيك عن مناطق التوتر الأخرى، والأزمة المالية العالمية، كل ذلك ترك فراغاً، وفتح فرصاً كبرى أمام حرية الحركة والفعل الإيرانيين، مما يجعلها طرفاً فى تشكيل سياسة المنطقة، وقوة رئيسة على المستوى الإقليمى ترمى إلى إحداث تغيرات جذرية تؤدى إلى إضعاف الدور الخليجى والعربي. إن الواقع السياسى والجيوستراتيجى لا يتكونان فقط من معانى الفاعلين السياسيين، أو من خلال الإرادة الذاتية للفاعل، وإنما هناك عوامل بنائية (أو موضوعية) تمارس تأثيراً طاغياً على الفاعل وتصوراته، وتمارس قهراً على دوره؛ فالفعل السياسى والجيوستراتيجى يتأثران إلى حدٍ كبير، بل ويتشكلان ويصاغان بواسطة العوامل البنائية (السياسية والجيوستراتيجية). ليست العلاقة أحادية ولا يمكن التعبير عنها فى ضوء تعميمات لها سمة القانون وعموميته، ودون الخوض فى النقاش العويص حول العلاقة بين الفعل والبناء، أو بين الذات والموضوع، نقول فيما يخص موضوعنا: إن الفعل السياسى الإيراني، والإرادة الذاتية لإيران، لا يمكنهما أن يتحررا تماماً من تأثير ظروف البناء السياسية والجيوستراتيجية والعوامل البينية، سواء أكانت المحلية أو العالمية، فأشكال السيطرة، والقوة والأيديولوجيا، والهيمنة الأحادية الأمريكية على العالم، ناهيك عن علاقة إيران بدول الجوار، والصين، وروسيا ... وغيرهما من دول العالم، كل هذه العوامل تحد من حرية الحركة، وتفرض على إيران السير وفق هذه العوامل البنائية، وأن تعمل وفق ما هو مناسب ومتاح، آخذة باعتبارها كل هذه العوامل وفق حسابات دقيقة. نعم إن سقوط النظامين العراقى والأفغاني، جعل إيران أمام فرص متعددة، ولكنه فى الوقت نفسه فرض عليها تحديات، فقد أصبحت إيران أكثر من أى وقت مضى عرضة للضغوط الأمريكية، وبمختلف الوسائل لمنعها من البروز كقوة إقليمية، لأن واشنطن لن تسمح ببساطة ببروز قوة إقليمية معادية لها. كما جعلها فى موضع الخطر المباشر، وبخاصة أن واشنطن أصبحت على حدود إيرانالشرقية فى أفغانستان، وشمالاً فى جوار بحر قزوين فى أكثر من دولة من دول الاتحاد السوفيتى السابق، كما أن جارتها باكستان دولة نووية ولها علاقة جيدة مع واشنطن، كذلك الأمر مع تركيا. أما فى جنوبها، وبفعل مصالح واشنطن الاستراتيجية فى الشرق الأوسط، وحماية إسرائيل، وتدفق النفط، كل ذلك جعل وجود واشنطن العسكرى أكبر وأضخم من أى منطقة أخرى، ناهيك عن العلاقات العربية الإيرانية المتوترة أصلاً.. كل هذه العوامل تشكل معوقات أمام إيران، يجعلها أكثر عرضة للمخاطر، وهذه المعيقات البنائية تدفع طهران قسراً، باتجاه إقامة علاقات مع واشنطن كما أشرنا سابقاً، أوترجع أهمية المشاورات إلى تخفيف حدة التوتر بينها وبين واشنطن، بالإضافة إلى أن هذه المشاورات المباشرة تسمح لواشنطن بالاطلاع مباشرة على وجهة النظر الإيرانية، وبخاصة عندما تتوتر العلاقة فالولايات المتحدةالأمريكية تتصور أن امتلاك إيران للرادع النووى سوف يجعلها تشعر بأنها لم تعد معرّضة للخطر المباشر من أى انتقام عسكرى تقليدي، فهى تستطيع أن تعود إلى السياسات العدوانية والسياسة الخارجية المقاومة للوضع الراهن التى اتبعتها إبان الثورة الإيرانية. وعلى هذا النحو، قد تتصرف إيران على ضوء تحقيق تصوراتها الأيديولوجية للشرق الأوسط الإسلامي، وفى دعمها للجماعات الأصولية، إضافة إلى أنها قد تعطى هذه الأسلحة للإرهابيين، وكما يقول (هنرى كسينجر) فى إحدى كتاباته: «إن الدول ذات الدوافع الأيديولوجية تميل إلى تطبيق سياسة خارجية نشطة ذات مخططات كبري، من العسير تحقيقها، كما تؤدى إلى زعزعة استقرار النظام العالمى القائم». وإذا كانت الأوضاع فى المنطقة لعبت دوراً فى صعود إيران كقوة إقليمية، فقد لعبت دوراً أيضاً فى صعود قوى إقليمية أخرى كتركيا، التى لها مصالح لا تقل أهمية عن مصالح إيران، وقد تتعارض مصالحهما مستقبلاً، وهو ما يشكّل معوقاً أمام تمدد النفوذ الإيراني. إن السلوك الأمريكى تجاه إيران يجعل الأخيرة تبحث عن علاقات خارجية موسعة بغية الموازنة، حفاظاً على مصالحها القومية، مما يدفع نحو الانخراط التام فى السياسات الدولية والإقليمية، هذا الانخراط الإيرانى التام فى السياسة الإقليمية والدولية له تكاليفه الباهظة . وعليه، فقد أصبحت إيران أكثر تأثُّراً بالبيئة الدولية، وهوالطابع الذى سيظل يلازمها بعد التغيير الجذرى الذى حدث فى النظام الدولي، وبروز عالم القطب الواحد، وتبلور ظاهرة العولمة، وهذا كله يشكل معوقات أمام السياسة الخارجية الإيرانية.