رغم المشكلات الاقتصادية والأمنية التى تعانيها مصر اليوم (2016)، ورغم أن التوقعات والآمال عشية ثورة 30 يونيو 2013 كانت أكبر مما تحقق، إلا أن مصر (الدولة) فى وضع أفضل عما كانت الأمور ذاهبة إليه لو لم تحدث هذه الثورة، ولنفصل قليلاً؛ خاصة ونحن نقترب من الذكرى الثالثة للثلاثين من يونيو : أولاً : كانت البلاد تحت حكم الإخوان ومشروعهم الشرق أوسطى ذو القشرة الإسلامية والقلب (أو المضمون) الأمريكى، متجهة ناحية أحد سيناريوهين لا ثالث لهما، الأول السيناريو السورى بحربه الأهلية والطائفية والتآمر الغربى - الإقليمى (83 دولة تآمرت ولاتزال على سوريا الدولة وهدفت إلى تفكيكها عبر هذه المؤامرة والحرب الأهلية التى أسماها الإعلام الساذج بالثورة) أو الثانى وهو السيناريو الليبى، والهادف إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات تتنازعها جميعاً روح الانتقام وتهيمن عليهم عقلية داعش وأخواتها من التنظيمات الإرهابية الملتحفة زيفاً بالإسلام. إن المتأمل لحال مصر قبل 30 يونيو 2013، كان يلاحظ وبوضوح الحال الذى تتجه إليه البلاد، فى فوضى هذين المسارين : السورى، والليبى . ثانياً : إن المشهد الجماهيرى الأخير لمن كان فى موقع رئيس الدولة (د. محمد مرسى) وهو فى مؤتمر استاد القاهرة يوم 15/6/2013 وإلى جواره أركان حرب الدعوة والجبهة السلفية، وقيادات الإخوان والتيارات المتشددة، هذا المشهد بقراراته المتطرفة ضد جميع القوى الوطنية المصرية، وإعلانه (الجهاد فى سوريا) ومحاولة توريط جيش مصر فى المؤامرة الإخوانية – الأمريكية المدعومة بالمال والمليشيات من كل من قطروتركيا فى سوريا ، كان هذا المشهد هو بمثابة إعلان حرب على (الدولة المصرية التاريخية) ولو قدر له النجاح لتحولت البلاد إلى مستنقع من الصراع الدموى فى الداخل ومع الخارج، لقد كان مشهد مؤتمر استاد القاهرة فى 15/6/2013، شديد الإيحاء والدلالة عما ينتظر البلاد على أيدى هؤلاء المتطرفين، الذين كانوا ينظرون للوطن (مصر) بإزدراء تام، وأنه مجرد (حلقة) فى إطار مشروعهم وتنظيمهم الدولى وليس دولة مستقلة ذات سيادة وكرامة !! . ثالثاً : لو قدر لمخطط الإخوان ومن آزرهم فى قطروتركيا وواشنطن أن يتحقق، وأن ينتصر على إرادة الشعب فى 30 يونيو، لتحولت مصر إلى دولة مخترقة يسهل فيه البيع للأمن القومى والتجسس عليه (انظر الحكم الأخير فى قضية التخابر مع قطر وتفاصيله المذهلة) ولتحولت البلاد إلى سلسلة من المليونيات الأفغانية (الجلباب القصير واللحى الطويلة والوجوه الكئيبة، والفهم المغلوط للقيم وللإسلام وللأوطان) ولتعطلت المصالح العليا للبلاد، وازدادت المعاناة فى الأمن والاقتصاد وانهارت القوة العسكرية والشرطية للبلاد وفق المخطط التفكيكى الذى وضعه التنظيم الدولى للإخوان والتيار السلفى وقتها . لقد كان الهدف هو تحويل مصر إلى دولة ملحقة بأشباه دول فى المنطقة، فيتشكل منهم جميعاً، كيان إقليمى يحكمه الإخوان والتيارات السلفية يمتد من (سوريا إلى تونس مروراً بمصر وليبيا). إلا أن ثورة الشعب والجيش فى مصر فى (30/6) أسقطت عمود الخيمة فى هذا المشروع وأربكت حسابات مخططيه ورعاته (وما أكثرهم من تركيا إلى قطر فواشنطن وتل أبيب) ولذلك كانت – ولاتزال – الهجمة على هذه الثورة والنظام الذى أنتجته شديدة القسوة، وفى هذا الصدد كان الدفع بداعش وأخواتها وعملياتهم الإرهابية فى سيناء والدلتا والمنطقة الغربية، بالغة الدلالة والوضوح. رابعاً : بالتأكيد أن مصر ليست اليوم، فى أفضل حالاتها، وصحيح أن العديد من المشكلات الاقتصادية والسياسية لاتزال بلا حل جذرى، وصحيح أن الطبقات الشعبية الأوسع تعانى من ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات وسوء الإدارة، كل هذا صحيح ويحتاج إلى مصارحة وعلاج، ولكن هل كان حكم الجماعات المتطرفة الذى كان يهيمن على القرار والسياسات فى البلاد قبل 30/6، سيأخذ البلاد إلى (الجنة) الاقتصادية والأمنية ؟! وهل أصحاب هذا الفهم الغليظ للدين، من التكفيريين والإرهابيين كانوا سيبقون على أى قوة سياسية أو أية قيمة إنسانية تعيش فى هذه البلاد، إن هم استمروا يحكمون وفق الطريقة الكارثية الفاشلة التى حكموا بها فى العامين التاليين لثورة يناير 2011 ؟! . * إن مصر تحت حكمهم شهدت سحلاً وقتلاً للمختلفين سياسياً ومذهبياً مع بعض الجماعات المتطرفة المتحالفة وقتها مع الإخوان (لنتذكر حادثة أبوالنمرس فى الجيزة 23/6/2013 وقتل وسحل الشيخ حسن شحاتة لمجرد أنه يعتنق مذهباً إسلامياً مغايراً لهؤلاء القتلة، تم قتله و3 من أصحابه حرقاً وسحلاً باسم الحكم الإسلامى آنذاك فى مشهد يرفضه حتى كفار قريش !!) تم كذلك ضرب ومحاصرة العديد من القوى السياسية الليبرالية واليسارية باسم (الحكم الإسلامى).. لقد كانت مصر على موعد مع حكم سيستمر 500 عام كما أشاع الإخوان وقتها، يكون التكفير والإرهاب والقتل والسحل عنواناً ثابتاً له فى إدارة البلاد والعتاد !! . خامساً : لا مبالغة فى القول أن مصر قد تم إنقاذها من مصير سياسى واجتماعى مظلم كان ينتظرها، لقد تمت استعادة الهوية المصرية الحقيقية، بعبارة أخرى تمت استعادة مصر التى كانت مختطفة باسم (الحكم الإسلامى) وهو برئ مما فعلته جماعة الإخوان والمتحالفين معها من التيارات الداعشية، إن الحفاظ على (الدولة)، والوحدة الوطنية، وكرامة الإنسان وحرمة دمه، عند الله، وفى حكم التاريخ، أهم كثيراً من ادعاءات البعض بأنهم كانوا يحكمون باسم الله، والإسلام، والواقع أكد العكس تماماً حيث إن ما جرى فى 30 يونيو، حفظ فى تقديرنا الإسلام، حين حفظ مصر وأعادها من منفاها الذى كانت قد أجبرت على الذهاب إليه، ربما لم تتحقق كثيراً من أحلام وأهداف تلك الثورة، ولاتزال العديد من ملفاتها قيد التنفيذ، ولكن يكفى أن الوطن لايزال بخير وموحد وهو بهذه (الوحدة) قادر على تجاوز صعاب اللحظة، وقسوتها، ولن تذهب دماء شهداء الوطن فى سيناء، هباء، لأنها ستنير لنا طريق الحق، والثورة، ضد الإرهاب الذى هزم من قبل فى الثلاثين من يونيو عام 2013 . سادساً وأخيراً : أنهى مقالى بالدعوة العاجلة لمصالحة وطنية واسعة بين اطياف ثورة 30/6 الذين تفرقت بهم-لاسباب متعددة - السبل بعد ثلاث سنوات ، فالوطن فى خطر والتآمر عليه شديد، مصالحة تتضمن دعوة كل القوى الوطنية إلى لقاء وطنى واسع يوضع فيه برنامج للإنقاذ الوطنى، ضد الإرهاب والفساد ومن أجل التنمية والدور الإقليمى القائد لمصر والذى لا يريده الحلف المعادى ،بل ويعمل جاهدا بالاعلام والاموال على ضربه واسقاطه. إن مصر على أبواب مرحلة جديدة، والثلاثين من يونيو اليوم وبعد ثلاث سنوات من الإنقاذ تعنى مزيداً من الحريات، ومزيداً من الاصطفاف الوطنى الواسع حول دولة مدنية حديثة تحترم الإسلام والمسيحية، وتؤمن بالدور الاقليمى الرائد ،فمصر دونا عمن سواها من دول الاقليم ووفقا لعبقرية الموقع والموضع ، هى بمثابة (الجهاز العصبى للامة العربية) –كما قال من قبل وعن حق جمال حمدان _عافيتها ..قوة لامتها وضعفها وحصارها اضعافا لهذه الامة . حفظ الله مصر ! لمزيد من مقالات د. رفعت سيد أحمد