كل مايجري علي الأراضي السورية يكشف بوضوح أننا قد نكون أمام صراع دموي سيستمر لفترة طويلة مقبلة بما يعنيه ذلك من تداعيات إقليمية خاصة تأثيراته علي الأوضاع في لبنان. فالسلطات السورية غير قادرة علي سحق المعارضة والقضاء تماما علي جميع أنشطتها, والمعارضة رغم تسلح بعض مجموعاتها لا تستطيع السيطرة سوي علي بعض مناطق الأطراف ولفترات متغيرة في سياق عمليات الكر والفر مع قوات الجيش, وتعقيدات الوضع السوري تمنع أي محاولة لتدخل عسكري دولي خاصة مع استمرار الدعم الروسي والصيني للنظام, ووقوع التفجيرات الانتحارية التي تحمل بصمات القاعدة تزيد الوضع تعقيدا, والجميع يري في خطة المبعوث الدولي كوفي آنان الفرصة الأخيرة قبل أن يتطور الأمر إلي حرب أهلية في سوريا ولبنان. وهذا ما أكدته المعارضة الوطنية في الداخل التي التقي بها آنان في دمشق الثلاثاء الماضي, وأوضح منسقها العام حسن عبد العظيم أنهم طلبوا من أنان الإصرار علي المبادرة لأنها الفرصة الأخيرة لحل الأزمة السورية المعقدة والمركبة وتحمي سورية من الفوضي والعنف والخطورة والتفجر بل وتحمي المنطقة كله. وأهم نقطتين في خطة آنان يسعي إلي تنفيذهما الآن, الأولي: وقف جميع أشكال العنف المسلح من كل الأطراف تحت إشراف الأممالمتحدة لحماية المدنيين, وهو موضوع يمثل مشكلة كبيرة في ظل استمرار أعمال العنف في بعض المناطق, وتبادل الاتهامات بين السلطة والمعارضة مثلما حدث في مجزرة' الحولة' في ريف حمص, التي تبادل الطرفان الاتهام بالمسئولية عنها, مما دعا وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلي مطالبة آنان في اتصال هاتفي بينهما إلي اجراء تحقيق موضوعي وعادل وغير منحاز في المجزرة, مشددا علي ضرورة تخلي جميع الأطراف السورية عن العنف. ولذلك يسعي أنان لسرعة زيادة عدد المراقبين الدوليين وانتشارهم في المناطق السورية المختلفة لكشف حقيقة مايحدث وثوثيق أي أعمال عنف ضد المدنيين يقوم بها الجيش السوري, ولكنه يعاني في الوقت نفسه من عدم وجود قيادة موحدة للمعارضة المسلحة يستطيع إلزامها بوقف أعمال العنف من جانبها, خاصة بعد أن طالبه شيوخ عشائر سوريا خلال اجتماعه معهم بضرورة إلزام مجموعات المعارضة المسلحة بوقف العنف, وتهديدهم بأنهم سيقومون بقتال هذه المجموعات إذا استمرت في عملياتها التي أدت لمصرع مدنيين. والخطوة الثانية في خطة آنان هي إجراء حوار بين الحكومة والمعارضة للوصول إلي حل سياسي يكفل استقرار الأوضاع في سوريا, وهي خطوة مازالت متعثرة, فالنظام من جهته يري أنه قام بعدة إجراءات إصلاحية مهمة منها إصدار دستور جديد يقوم علي أساس التعددية السياسية ولا يتضمن احتكار حزب البعث لقيادة الحياة السياسية في البلاد, وإجراء انتخابات نيابية مفتوحة شاركت فيها الأحزاب الجديدة, وتنوي القيام بخطوات أخري مع التغييرات المتوقعة في حزب البعث خلال مؤتمره العام المقبل, مع استعدادها للمشاركة في أي حوار سياسي مع المعارضة. لكن أنان يدرك أن الوقت لبدء هذا الحوار لم يحن نتيجة عجز المعارضة عن توحيد صفوفها, غير أن واشنطن تري أن توحيد المعارضة لا يعني انضمامها في تنظيم واحد, بل المهم- كما يقول روبرت فورد السفير الأمريكي في دمشق- إيجاد برنامج عمل مشترك بين كل أطياف المعارضة, وهو الأمر الذي كان يفترض أن يحدث في الإجتماع الذي دعت إليه الجامعة العربية بالقاهرة في السادس عشر من مايو الماضي, لكن تم تأجيله لتغيب قوي من المعارضة عنه, وكشف فورد عن أن الخارجية الامريكية تعمل لمعاودة عقد هذا الاجتماع خلال الشهر الحالي. والمشكلة الأهم الآن أن عدم الاستقرار في سوريا يلقي بظلاله علي الوضع الأمني والسياسي الهش في لبنان, بعد أن تطور الأمر من تصاعد للخلافات السياسية بين مناصري ومعارضي سوريا إلي نزاعات أمنية بينهما خاصة في مناطق التماس الطائفية, وإلي تورط بعض الأطراف من الجانبين في تهريب السلاح إلي داخل الأراضي السورية, علي نحو ينذر بتداعيات أمنية خطيرة في لبنان إذا تدهورت الأوضاع في سوريا, والأمل الوحيد ينحصر بنجاح آنا ن في تنفيذ خطته لأن البديل هو حرب أهلية في البلدين قد تتحول إلي نزاع إقليمي مسلح يفجر المنطقة.