افتتاح معرض الإبداع الدائم لطالبات كلية التربية في جامعة العريش    البيت الأبيض: السعودية ستستثمر 600 مليار دولار في أمريكا    «كان يا ما كان في غزة» ينطلق في عرضه العالمي الأول من مهرجان كان السينمائي    100 ألف جنيه تراجعًا بأسعار كوبرا ليون الجديدة خلال مايو.. التفاصيل    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    لوف: أداء منتخب ألمانيا بدوري الأمم الأوروبية قد يعزز فرصها في كأس العالم    أهلي طرابلس الليبي يعلن استمرار حسام البدري مديرا فنيا للفريق    مصرع عامل و6 آخرين في إنهيار سقف مسجد تحت الانشاء ببني سويف    النقل: وسائل دفع متنوعة بالمترو والقطار الكهربائي للتيسير على الركاب    الصور الأولى من حفل مهرجان كان.. بحضور جولييت بينوش وروبرت دي نيرو    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    الصحة العالمية: اليمن يواجه واحدة من أكبر فاشيات الكوليرا في العالم    المتحف المصري الكبير يستضيف النسخة ال12 من فعالية «RiseUp 2025»    عدة عوامل تتحكم في الأسعار.. رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية: السوق يعاني حالة ركود تصل ل50%    تأجيل محاكمة متهمي اللجان النوعية بالتجمع    الداخلية تستقبل الشباب المشاركين فى برنامج القمة العالمية للقيادات الشبابية الإعلامية(فيديو)    جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم الملتقى الثاني لكليات العلوم الصحية التطبيقية    بملابس جريئة.. ميريام فارس تخطف الأنظار في أحدث ظهور وتغلق خاصية التعليقات    «الكرافتة والسجاد».. ما دلالة اللون البنفسجي في استقبال ترامب بالسعودية؟    رئيس الوزراء يتابع الإجراءات اللوجستية لاحتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    مجلس الشيوخ يفتح أبوابه لشباب العالم ويؤكد أن مصر قلب الجنوب النابض    13 ملعقة بماء الذهب.. مذيعة تتهم خادمتها بالسرقة والنيابة تحقق    "الحق فى الحياة وحرمة التعدى عليها" ندوة علمية لمسجد الغرباء بالفيوم    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    محافظ القاهرة: نسعى لتحسين جودة حياة المواطنين بالعاصمة والقضاء على المظاهر العشوائية    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    بين زيارتين.. ترامب يعود إلى السعودية دون عائلته لأول مرة منذ 2017 (تقرير)    التصريح بدفن جثة سائق توك توك لقى مصرعه على يد عاطل فى شبرا الخيمة    السجن المؤبد لشقيقين لاتهامهما بقتل شخص بمركز دار السلام فى سوهاج    "عبدالغفار" يترأس أول اجتماع للجنة العليا لوضع استراتيجية وطنية شاملة لسلامة المرضى    رئيس الوزراء يتابع إجراءات طرح إدارة وتشغيل مشروع "حدائق تلال الفسطاط"    الأعلى للآثار: عازمون على استعادة أى قطع خرجت بطريقة غير مشروعة    النائب مصطفى سالم ينتقد وزارة الشباب: ملاعب معطلة منذ 10 سنوات وعلى الوزارة تحسينها    جامعة قناة السويس تُعلن الفائزين بجائزة "أحمد عسكر" لأفضل بحث تطبيقي للدراسات العلمية    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    لصوص يسرقون مليون جنيه من شركة سجائر بأسوان والأهالي يعيدون المبلغ    غلق 138 محلًا لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    "الصحة": إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بتدخلات قلبية دقيقة في مستشفى العجوزة    وزير الصحة يؤكد على التنسيق الشامل لوضع ضوابط إعداد الكوادر الطبية    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة سوزوكى بالشرقية    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    الخارجية الإسرائيلية: لا نزال نعمل على الوصول لاتفاق آخر مع حماس    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    وزير الصحة يبحث مع وفد البنك الدولي تعزيز التعاون في ملف التنمية البشرية    الاتحاد الأوروبي: لن نستأنف واردات الطاقة من روسيا حتى لو تحقق السلام في أوكرانيا    هل يحق للزوجة طلب زوجها "الناشز" في بيت الطاعة؟.. محامية توضح الحالات والشروط    التاريخ يبشر الأهلي قبل مواجهة الزمالك وبيراميدز في الدوري    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي كأس السوبر الافريقي لكرة اليد    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    صحة غزة: شهيدان فلسطينيان إثر قصف إسرائيلي استهدف مجمع ناصر الطبي    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    الدوري السعودي يقترب.. موعد تتويج الاتحاد المحتمل وأمل الهلال الوحيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كى ‬تكون ‬آخر ‬الأحزان
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 06 - 2016

عندما ‬ارتكب ‬‮«‬الإخوان ‬الإرهابيون‮»‬ ‬واحدة ‬من ‬أسوأ ‬جرائمهم ‬بالإعتداء ‬على ‬حرمة ‬الكاتدرائية ‬ ‬مقر ‬الكنيسة ‬المصرية، ‬غضب ‬المصريون ‬جميعاً. ..‬سئل ‬البابا ‬فكان ‬تعليقه ‬‮«‬أتمنى ‬أن ‬تكون ‬آخر ‬الأحزان‮»‬. ‬
أعجبت ‬بدبلوماسيته ‬لم ‬أكن ‬مع ‬تفاؤله ‬فالمشاكل ‬بأنواعها ‬لا ‬تنتهى ‬إلا ‬بعلاج ‬أسبابها. ‬
نحن ‬اليوم ‬نعيش ‬مرحلة ‬جديدة ‬فى ‬وطن ‬يحتضن ‬الجميع، ‬فى ‬ظل ‬دستور ‬ينص ‬على ‬المواطنة ‬والمساواة، ‬وقيادة ‬قدوة ‬لا ‬تفرق ‬بين ‬المواطنين. ‬تراجعت ‬الفتنة ‬بدرجة ‬كبيرة ‬وظهرت ‬الجدية ‬فى ‬مواجهتها ‬وتحديد ‬أسبابها ‬التى ‬أبرزها ‬مسألة ‬بناء ‬الكنائس ‬وأخطرها ‬مناهج ‬التعليم ‬التى ‬تزرع ‬بذور ‬التفرقة ‬فى ‬سن ‬مبكرة ‬فلا ‬تجدى ‬بعد ‬ذلك ‬محاولات ‬نشر ‬ثقافة ‬الوحدة ‬والمحبة ‬قضية ‬تستحق ‬أن ‬يكون ‬لها ‬حديث ‬قادم.‬
صدر ‬دستور ‬يطالب ‬بمعالجة ‬مشكلة ‬بناء ‬الكنائس ‬فى ‬أول ‬انعقاد ‬له ‬وحرصاً ‬على ‬اتخاذ ‬القرار ‬الرشيد ‬نعود ‬لتوضيح ‬أبعاد ‬هذه ‬القضية ‬ابتداءً ‬بالوضع ‬القانونى ‬مروراً ‬بالاعتبارات ‬المحيطة ‬بها، ‬والتطورات ‬وصولاً ‬للوضع ‬الحالى.‬
الوضع ‬القانونى: ‬المشكلة ‬هنا ‬أنه ‬لا ‬يوجد ‬قانون ‬ينظم ‬بناء ‬الكنائس. ‬هناك ‬تصور ‬شائع ‬وخاطىء ‬أن ‬الخط ‬الهمايونى ‬هو ‬القانون ‬الذى ‬ينظمها ‬ويجعلها ‬مسئولية ‬رئيس ‬الدولة.‬
ونظراً ‬لكثرة ‬الحديث ‬واللغط ‬حول ‬هذا ‬‮«‬الخط‮»‬ ‬نتناوله ‬بشيء ‬من ‬الإسهاب ‬‮«‬الخط‮»‬ ‬يعنى ‬‮«‬خطاب ‬أو ‬رسالة ‬‮«‬والهمايوني‮»‬ ‬كلمة ‬مثل ‬الملكى ‬أو ‬السلطانى ‬تتضمن ‬معنى ‬الفخامة ‬وأنه ‬صادر ‬من ‬صاحب ‬الجلالة ‬أو ‬السلطنة ‬أو ‬الهمايون. ‬هو ‬رسالة ‬من ‬السلطان ‬عبد ‬الحميد ‬في ‬انتصاره ‬علي ‬روسيا ‬أراد ‬مكافأة ‬دول ‬الغرب ‬المسيحى ‬وأصدر ‬رسالة ‬تعترف ‬بحق ‬المسيحيين ‬فى ‬الصلاة ‬وتنظم ‬عملية ‬ترميم ‬وبناء ‬الكنائس ‬وأمور ‬أخرى ‬ذلك ‬هو ‬الخطاب ‬المعروف ‬بالخط ‬الهمايوني ‬وهو ‬صادر ‬من ‬‮ ‬الباب ‬العالي‮«‬ ‬إلي» ‬الصدر ‬الأعظم‮‬أي ‬رئيس ‬الوزراء، ‬لينفذ ‬في ‬جميع ‬الولايات ‬التابعة ‬للدولة ‬العثمانية. ‬أرسل ‬لجميع ‬أنحاء ‬الإمبراطورية ‬العثمانية ‬وليس ‬لمصر ‬فقط ‬،‬كما ‬أنه ‬لا ‬يقتصر ‬علي ‬الأقباط ‬الأرثوذكس ‬بل ‬جميع ‬الطوائف ‬المسيحية ‬وجميع ‬الطوائف ‬غير ‬الإسلامية. ‬حق ‬غير ‬المسلمين ‬في ‬إقامة ‬دور ‬العبادة ‬والمستشفيات ‬والمقابر... ‬الخ ‬وهو ‬ليس ‬قانونا ‬أو ‬تشريعاً ‬إنما ‬مجرد ‬خطاب ‬لم ‬تعد ‬تطبقه ‬المحاكم ‬أو ‬الأجهزة ‬فى ‬أى ‬أمر ‬يتعلق ‬بهذه ‬الأمور.‬
يرتبط ‬ذلك ‬الخط ‬بالظروف ‬التى ‬كتب ‬فيها ‬فى ‬عام ‬1856م ‬عقد ‬مؤتمر ‬باريس ‬لإنهاء ‬الحرب ‬بين ‬الدولة ‬العثمانية ‬وروسيا. ‬
وتبين ‬دراسته ‬أن ‬به ‬إيجابيات ‬منها ‬أنه:‬
يحافظ ‬علي ‬حق ‬غير ‬المسيحيين ‬في ‬بناء ‬دور ‬العبادة ‬الخاصة ‬بهم ‬ويحفظ ‬لهم ‬حقوقهم
يسمح ‬بإقامة ‬وترميم ‬الكنائس ‬والأبنية ‬والمحلات ‬والمكاتب ‬والمستشفيات ‬والمقابر ‬لجميع ‬الطوائف ‬المسيحية.‬
أعطي ‬المحليات ‬سلطة ‬اتخاذ ‬القرارات ‬المتعلقة ‬بالترميم ‬وللباب ‬العالي ‬الموافقة ‬علي ‬الدور ‬الجديدة.‬
يصرح ‬ببناء ‬الكنائس ‬بغض ‬النظر ‬عن ‬عدد ‬أفراد ‬الملة ‬التي ‬تريد ‬إقامتها
ينهي ‬عن ‬التعرض ‬لغير ‬المسلمين ‬أثناء ‬أداء ‬الصلاة
أمر ‬بأن ‬تزال ‬من ‬المحررات ‬الديوانية ‬جميع ‬التعبيرات ‬والألفاظ ‬والتلميحات ‬التي ‬تتضمن ‬الإساءة ‬إلي ‬فئة ‬من ‬الناس ‬بسبب ‬المذاهب ‬أو ‬الجنسية ‬ويمنع ‬توصيف ‬يهين ‬أو ‬يمس ‬العقائد ‬الدينية ‬للطوائف.‬
وهو ‬ينص ‬أيضا ‬علي ‬أن ‬جميع ‬المواطنين ‬من ‬أى ‬ملة ‬سوف ‬يقبلون ‬في ‬خدمة ‬الدولة ‬ومأمورياتها ‬عندما ‬تنطبق ‬عليهم ‬الشروط ‬بدون ‬فرق ‬أو ‬تمييز ‬فى ‬مكاتب ‬الدولة ‬العثمانية ‬العسكرية ‬والمدنية.‬
وبغض ‬النظر ‬عن ‬ماهيته ‬وما ‬به ‬من ‬مزايا ‬، ‬فإن ‬هذا ‬الخط ‬لم ‬يعد ‬له ‬اليوم ‬وجود.. ‬تفككت ‬الدولة ‬العثمانية. ‬قام ‬أتاتورك ‬بثورته ‬وأسقط ‬السلطان. ‬سقط ‬الباب ‬العالى ‬والصدر ‬الأعظم، ‬وانتهت ‬الخلافة ‬وأصبحت ‬تلك ‬الإمبراطورية ‬بكل ‬أوامرها ‬فى ‬ذمة ‬التاريخ.‬
خرجت ‬مصر ‬من ‬سيطرة ‬الدولة ‬العثمانية ‬سنة ‬1914 ‬عندما ‬أعلنت ‬الحماية ‬عليها، ‬وألغيت ‬الخلافة ‬نهائيا ‬سنة ‬1922. ‬أصبحت ‬مصر ‬دولة ‬مستقلة ‬تطبق ‬القوانين ‬المصرية ‬الصادرة ‬في ‬ظل ‬الدستور ‬المصرى ‬الصادر ‬سنة ‬1923 ‬وما ‬تلاه ‬من ‬دساتير. ‬ولا ‬يمكن ‬تجاهل ‬دساتير ‬مصرية ‬من ‬أجل ‬التمسك ‬بخط ‬عثماني ‬أرسل ‬سنة ‬1856.‬
ولنا ‬هنا ‬أربع ‬ملاحظات ‬مهمة:‬
هذا ‬الخطاب ‬لا ‬يؤخذ ‬به ‬بالنسبة ‬للمستشفيات ‬والمقابر ‬وخلافه ‬فلماذا ‬نأخذ ‬به ‬بالنسبة ‬للكنائس؟!‬
جريدة ‬الوقائع ‬المصرية، ‬وهي ‬المرجع ‬بما ‬ينشر ‬فيها ‬من ‬قوانين، ‬صدرت ‬عام ‬1830م ‬وهذا ‬الخط ‬صدر ‬عام ‬1856م ‬ولو ‬كان ‬ذلك ‬الهمايوني ‬قانونا ‬لكان ‬منشورا ‬بها.‬
إن ‬القرارات ‬المتعلقة ‬ببناء ‬الكنائس ‬تبدأ ‬بجملة ‬‮«‬بعد ‬الإطلاع ‬علي ‬الدستور ‬وما ‬عرضه ‬رئيس ‬الوزراء‮»‬. ‬وكلها ‬لا ‬إشارة ‬بها ‬إلي ‬ذلك ‬الهمايوني ‬الذي ‬انتهي ‬بانتهاء ‬الإمبراطورية ‬العثمانية ‬ولم ‬يعد ‬له ‬ذكر ‬إلا ‬بالنسبة ‬لبناء ‬الكنائس ‬في ‬مصر.‬
إذا ‬أخذنا ‬به ‬فهل ‬من ‬اللائق ‬تجاهل ‬مزاياه ‬والتمسك ‬بأن ‬يكون ‬الترخيص ‬صادراً ‬من ‬‮«‬الباب ‬العالى»؟
مسألة ‬بناء ‬الكنائس ‬لا ‬يوجد ‬قانون ‬ينظمها ‬وهنا ‬يثور ‬التساؤل: ‬ما ‬هو ‬الإطار ‬الذى ‬ينظم ‬هذه ‬المسألة؟ ‬ولماذا ‬هذا ‬الإصرار ‬على ‬التمسك ‬بأن ‬تكون ‬من ‬اختصاص ‬رئيس ‬الجمهورية؟ ‬
الشروط ‬العشرة:‬
صدر ‬الخط ‬الهمايوني ‬سنة ‬1856 ‬في ‬عهد ‬سعيد ‬باشا. ‬وفي ‬ديسمبر ‬سنة ‬1993 ‬شكل ‬عبد ‬الفتاح ‬يحيي ‬الوزارة ‬واحتفظ ‬لنفسه ‬بوزارة ‬الداخلية. ‬استمرت ‬هذه ‬الوزارة ‬14 ‬شهرا ‬فقط ‬وأصدرت ‬في ‬فبراير ‬سنة ‬1934 (‬أى ‬بعد ‬78 ‬سنة ‬من ‬صدور ‬الخط ‬الهمايوني) ‬قرارا ‬يحدد ‬شروطا ‬عشرة ‬لإصدار ‬الترخيص.‬
الشروط ‬الأول ‬والثامن ‬والتاسع ‬والعاشر ‬لا ‬داعى ‬لها ‬أو ‬غيرها ‬إذ ‬تحددها ‬القواعد ‬العامة ‬للبناء.‬
الشروط ‬الخامس ‬والسادس ‬والسابع ‬للتأكد ‬أن ‬المنطقة ‬بها ‬مسيحيون ‬وليس ‬فيها ‬أو ‬بجوارها ‬كنيسة.. ‬غير ‬عملية ‬فلا ‬يعقل ‬محاولة ‬بناء ‬كنيسة ‬فى ‬حى ‬ليس ‬به ‬مسيحيون ‬أو ‬به ‬كنائس ‬كافية ‬خاصة ‬وأن ‬ميزانية ‬بناء ‬الكنائس ‬محدودة.‬
الشرط ‬الرابع ‬الذى ‬يتعلق ‬بعدد ‬أفراد ‬الطائفة ‬غير ‬دستورى ‬والغريب ‬أن ‬الخط ‬الهمايونى ‬الذى ‬يتمسكون ‬به ‬لا ‬يشترط ‬عدداً.‬
الشرط ‬الثانى ‬ضرورة ‬بعد ‬الكنيسة ‬عن ‬الجامع ‬غير ‬منطقى ‬فإذا ‬كان ‬قرب ‬الكنيسة ‬والجامع ‬مصدرا ‬للشغب ‬فكيف ‬يمنع ‬بناء ‬كنيسة ‬بجوار ‬جامع ‬ثم ‬نسمح ‬ببناء ‬جامع ‬بجوار ‬كنيسة ‬قائمة ‬والنتيجة ‬واحدة ‬فى ‬الحالتين. ‬هذا ‬الشرط ‬يستغله ‬البعض. ‬وأذكر ‬أني ‬تقدمت ‬في ‬مجلس ‬الشعب ‬باقتراح ‬يضع ‬حدا ‬لهذا ‬التلاعب ‬باشتراط ‬أن ‬يكون ‬الجامع ‬أو ‬الزاوية ‬موجودة ‬على ‬الأقل ‬لمدة ‬سنة ‬قبل ‬طلب ‬ترخيص ‬بناء ‬كنيسة ‬لكن ‬اقتراحي ‬لم ‬ير ‬النور!‬
استمر ‬هذا ‬الوضع ‬عقوداً ‬طويلة ‬ويقوم ‬على ‬الآتى:‬
ليس ‬هناك ‬قانون ‬ينظم ‬مسألة ‬بناء ‬دور ‬العبادة ‬وليس ‬فى ‬القوانين ‬الوضعية ‬ما ‬يمنعها
إن ‬اشتراط ‬موافقة ‬رئيس ‬الدولة ‬لترميم ‬الكنائس ‬له ‬مفارقات ‬تمس ‬هيبة ‬الدولة. ‬نجد ‬مثلا ‬في ‬الجريدة ‬الرسمية ‬قرار ‬جمهوري ‬خطير ‬صادر ‬من ‬الرئيس ‬عبد ‬الناصر ‬بتأميم ‬قناة ‬السويس، ‬وبعده ‬مباشرة ‬قرار ‬جمهوري ‬بإصلاح ‬دورة ‬مياه ‬كنيسة ‬شبرا!!‬
كان ‬هناك ‬محاولات ‬لمعالجة ‬مسألة ‬الترميم ‬منها ‬قرار ‬رئيس ‬الجمهورية ‬رقم ‬13 ‬لسنة ‬1998 ‬بأن ‬يكون ‬ترميم ‬الكنائس ‬من ‬اختصاص ‬المحافظين ‬وفى ‬تطور ‬لاحق ‬صدر ‬قرار ‬رئيس ‬الجمهورية ‬رقم ‬453 ‬لسنة ‬1999 ‬المنشور ‬بالجريدة ‬الرسمية ‬عدد ‬52 ‬فى ‬ديسمبر ‬1999 ‬وذلك ‬بأن ‬يكون ‬الترميم ‬من ‬اختصاص ‬المحليات ‬وهى ‬منطقة ‬الإسكان ‬فى ‬المراكز ‬والأحياء ‬بالتساوى ‬فى ‬ترميم ‬كل ‬دور ‬العبادة ‬‮«‬الكنائس ‬والمساجد ‬والمعابد‮»‬.‬
لم ‬تقل ‬العراقيل ‬وظلت ‬الحاجة ‬ملحة ‬لإصدار ‬قانون ‬ينظم ‬إصدار ‬تراخيص ‬بناء ‬دور ‬العبادة.‬
من ‬غير ‬المعقول ‬رفض ‬إصدار ‬ترخيص ‬لبناء ‬دار ‬عبادة ‬يدعون ‬فيها ‬إلي ‬المحبة ‬والتسامح ‬والإخاء.. ‬ثم ‬تصدر ‬التراخيص ‬لملاه ‬قد ‬تدعو ‬للانحراف ‬أو ‬أماكن ‬يدخن ‬بها ‬الشباب ‬الشيشة ‬التي ‬تحرق ‬صدورهم ‬أو ‬حتى ‬بعض ‬الأماكن ‬التي ‬يقال ‬إنها ‬للصلاة ‬لكنها ‬تستخدم ‬لأغراض ‬سياسية ‬ليست ‬كلها ‬فوق ‬المساءلة ‬وتقوم ‬بالإثارة ‬والتحريض.‬
وثار ‬التساؤل: ‬هل ‬هناك ‬مانع ‬دينى ‬وهل ‬تعاليم ‬الإسلام ‬تعارض ‬حق ‬المسيحيين ‬فى ‬تأدية ‬شعائرهم ‬بدور ‬عبادة ‬أم ‬أنها ‬كما ‬قيل ‬اعتبارات ‬الأمن ‬وما ‬موقف ‬القضاء ‬تساؤلات ‬اقتضت ‬بحث ‬هذه ‬الأمور..‬
موقف ‬الإسلام ‬
أثبت ‬البحث ‬بصورة ‬قاطعة ‬أن ‬الآيات ‬الكريمة ‬في ‬القرآن، ‬والسنة، ‬والعرف ‬والممارسة ‬كلها ‬تبين ‬أن ‬الإسلام ‬ليس ‬بأي ‬حال ‬ضد ‬ممارسة ‬المسيحيين ‬لشعائرهم ‬الدينية.‬
سبق ‬أن ‬نشرنا ‬مقالا ‬بالأهرام ‬بتاريخ ‬14/‬3/‬2006 ‬حول ‬موقف ‬الإسلام ‬من ‬ممارسة ‬المسيحيين ‬شعائرهم ‬فى ‬دور ‬عبادة ‬أوردنا ‬به ‬عدد ‬كبير ‬من ‬الآيات ‬الكريمة ‬التى ‬تدعو ‬لمحبة ‬المسيحيين ‬واحترامهم ‬نشير ‬إلى ‬لمحات ‬مما ‬جاء ‬به ‬وندعو ‬من ‬يهمه ‬الأمر ‬للعودة ‬إليه ‬للإقتناع ‬وإقناع ‬الآخرين.‬
سورة ‬آل ‬عمران ‬تصف ‬أهل ‬الكتاب ‬بأنهم ‬امن ‬أهل ‬الكتاب ‬أمة ‬قائمة ‬يتلون ‬آيات ‬الله ‬آناء ‬الليل ‬وهم ‬يسجدون ‬يؤمنون ‬بالله ‬واليوم ‬الآخر ‬ويأمرون ‬بالمعروف ‬وينهون ‬عن ‬المنكر ‬ويسارعون ‬في ‬الخيرات ‬وأولئك ‬من ‬الصالحين.‬
وجاء ‬في ‬سورة ‬المائدة ‬47 ‬‮«‬وَلْيَحْكُمْ ‬أَهْلُ ‬الْإِنْجِيلِ ‬بِمَا ‬أَنْزَلَ ‬اللَّهُ ‬فِيهِ ‬وَمَنْ ‬لَمْ ‬يَحْكُمْ ‬بِمَا ‬أَنْزَلَ ‬اللَّهُ ‬فَأُولَئِكَ ‬هُمُ ‬الْفَاسِقُونَ‮«‬ ‬وهذا ‬النص ‬القرآنى ‬واضح ‬أنه ‬فى ‬مسألة ‬بناء ‬الكنائس ‬يتركون ‬لإنجيلهم.‬
أما ‬بالنسبة ‬للسنة ‬فهي ‬بدورها ‬لا ‬تمنع ‬المسيحيين ‬من ‬ممارسة ‬شعائرهم ‬الدينية.‬يذكر ‬الماوردي ‬مبدأ ‬‮«‬واتركهم ‬لما ‬يدينون‮»‬ ‬والرسول ‬أعطى ‬أهالي ‬أيلياء ‬وجرياء ‬وأذرح ‬العهد ‬والأمان ‬علي ‬مباشرة ‬عقائدهم ‬الدينية.‬
ويذكر ‬ابن ‬هشام ‬المقافري ‬أن ‬الرسول ‬سمح ‬ ‬عند ‬الضرورة ‬ ‬لوفد ‬نجران ‬من ‬النصارى ‬أن ‬يصلوا ‬في ‬المسجد ‬
عندما ‬أرسل ‬أبو ‬بكر ‬أسامة ‬بن ‬زيد ‬بعثته ‬للشام ‬قال ‬لهم ‬وسوف ‬تمرون ‬علي ‬أقوام ‬قد ‬فرغوا ‬أنفسهم ‬في ‬الصوامع » ‬يقصد ‬الرهبان» ‬فدعوهم ‬وما ‬فرغوا ‬أنفسهم ‬له ‬أي ‬التعبد ‬والصلاة.‬
وجدير ‬بالذكر ‬هنا ‬أن ‬عمرو ‬بن ‬العاص ‬الذي ‬فتح ‬مصر ‬وجاء ‬إليها ‬بالإسلام، ‬قام ‬ببناء ‬كنيسة ‬لتضم ‬رفات ‬القديس ‬مرقص. ‬واقعة ‬يرويها ‬البابا ‬شنودة ‬في ‬كتابه ‬‮«‬مار ‬مرقص ‬الرسول‮»‬. ‬ويقيني ‬أن ‬الذين ‬يعرقلون ‬بناء ‬الكنائس ‬أو ‬يعتدون ‬عليها ‬ويتصورون ‬أنهم ‬بذلك ‬يراعون ‬دينهم، ‬لا ‬يمكن ‬أن ‬يكونوا ‬أكثر ‬غيرة ‬علي ‬دينهم ‬أو ‬أكثر ‬إسلاما ‬وصوابا ‬ممن ‬تكبد ‬مشقة ‬الفتح ‬من ‬أجل ‬نشر ‬العقيدة ‬الإسلامية. ‬إن ‬مثل ‬هؤلاء ‬لا ‬يعرفون ‬صحيح ‬عقيدتهم ‬والإسلام ‬منهم ‬براء.‬
ذلك ‬المقال ‬الذى ‬اشرنا ‬إليه ‬أقترح ‬أحد ‬العلماء ‬المستنيرين ‬أن ‬يصبح ‬فحواه ‬ضمن ‬مناهج ‬التدريس ‬فى ‬حصص ‬مشتركة ‬بين ‬الطلبة ‬حتى ‬يعرف ‬الطلبة ‬المسلمون ‬أن ‬عقيدتهم ‬تحترم ‬المسيحية ‬والمسيحيين، ‬ويدرك ‬الطلبة ‬المسيحيون ‬أنه ‬غير ‬صحيح ‬أن ‬الإسلام ‬يرفضهم. ‬
موقف ‬الأمن ‬هناك ‬اتجاه ‬أن ‬يدّعى ‬كل ‬مسئول ‬ونصف ‬مسئول ‬أن ‬الرفض ‬سببه ‬الوحيد ‬أجهزة ‬الشرطة ‬لدواع ‬أمنية ‬وأن ‬وحدها ‬عليها ‬اللوم ‬وهذا ‬وارد ‬أحياناً ‬لكنه ‬غير ‬دقيق.‬
إن ‬ارتباط ‬المصريين ‬جميعا ‬بالتعاليم ‬الصحيحة ‬مصدرا ‬للأمن ‬والسلام. ‬وممارسة ‬الشعائر ‬الدينية ‬الصحيحة ‬أمر ‬في ‬صالح ‬الشرطة ‬والأمن،فهى ‬تدعو ‬إلي ‬المحبة ‬والتسامح ‬والإخاء
إن ‬الذي ‬يهدد ‬الأمن ‬هو ‬ليس ‬بناء ‬الكنائس ‬إنما ‬هو ‬رفض ‬إصدار ‬ترخيص. ‬فهذا ‬يدعو ‬المسيحيين ‬إلي ‬إقامة ‬الشعائر - ‬التي ‬هي ‬حق ‬لهم - ‬في ‬أماكن ‬غير ‬مخصصة ‬للصلاة ‬وهذا ‬يثير ‬المشاكل ‬ويخلق ‬المرارة ‬والشعور ‬بالظلم. ‬كما ‬أنه ‬يعطى ‬رخصة ‬لمثيرى ‬الشغب ‬بالهجوم ‬عليها ‬لأنها ‬‮«‬غير ‬قانونية‮»‬ ‬وكأن ‬هدفهم ‬احترام ‬القانون.‬
كانت ‬قيادات ‬الداخلية ‬تفهم ‬الموقف ‬وتريد ‬له ‬حلاً ‬ومع ‬ذلك ‬صرح ‬لى ‬أحد ‬قيادات ‬أمن ‬الدولة ‬بصراحة ‬أنه ‬أحياناً ‬عندما ‬يكون ‬هناك ‬أدنى ‬شك ‬لدينا ‬أن ‬الكنيسة ‬سوف ‬تؤدى ‬إلى ‬مشاكل ‬فإن ‬الضابط ‬المختص ‬وأمن ‬الدولة ‬يختارون ‬‮«‬الأخذ ‬بالأحوط‮»‬ ‬وعدم ‬الموافقة ‬على ‬بنائها.!! ‬خاصة ‬أن ‬القرار ‬يصدر ‬من ‬الرئيس.‬
ماذا ‬عن ‬موقف ‬القضاء؟ ‬القضاء ‬يطبق ‬القانون ‬وفى ‬غياب ‬القانون ‬تضيع ‬الحقوق ‬وتهتز ‬العدالة.‬
تبين ‬الوثائق ‬أن ‬ما ‬بين ‬1960 ‬إلى ‬2011 ‬ارتكب ‬250 ‬حادثا ‬طائفىا ‬بسبب ‬ترميم ‬وبناء ‬الكنائس ‬وما ‬بين ‬1952 ‬لوصول ‬الإخوان ‬للحكم ‬ارتكبت ‬أكثر ‬من ‬مائة ‬جريمة ‬جنائية ‬طائفية ‬ما ‬بين ‬قتل ‬وإغتيال ‬وذبح ‬وتدمير ‬وتهجير ‬قصرى ‬وسرقة ‬وحرق ‬منازل ‬وكنائس (‬وتزايدت ‬عندما ‬غضب ‬الإخوان ‬عندما ‬وضع ‬الشعب ‬نهاية ‬لحكمهم) ‬وكلها ‬جرائم ‬جنائية ‬تستحق ‬العقاب ‬تعطى ‬المجنى ‬عليهم ‬حق ‬رفع ‬الدعاوى، ‬وللكنيسة ‬حق ‬مقاضاة ‬المسئولين ‬عن ‬رفض ‬إصدار ‬التراخيص.‬
كانت ‬العدالة ‬بطيئة ‬والتنفيذ ‬متعثرا ‬بالنسبة ‬لعدم ‬إصدار ‬التراخيص ‬ومع ‬ذلك ‬فإن ‬سياسة ‬البابا ‬شنوده ‬والقيادات ‬المسيحية ‬كانت ‬ترفض ‬أن ‬ترفع ‬الكنيسة ‬قضايا ‬ضد ‬الدولة ‬حفاظاً ‬على ‬الوحدة ‬والعلاقات ‬الطيبة.. ‬موقف ‬وطنى ‬حكيم ‬لكنه ‬أثار ‬إعتراض ‬عدد ‬حتى ‬من ‬الأقباط ‬بإتخاذ ‬موقف ‬حازم. ‬الإكتفاء ‬بالمصالحة ‬وتبادل ‬الزيارات ‬والقبلات ‬لم ‬يكن ‬عادلاً ‬ولا ‬رادعاً ‬بل ‬صدرت ‬بعض ‬الأحكام ‬ضد ‬عدد ‬من ‬رجال ‬الدين ‬بسبب ‬‮«‬ارتكابهم‮»‬ ‬القيام ‬بترميم ‬بلا ‬ترخيص!!! ‬مع ‬ذلك ‬فإنه ‬لا ‬يمكن ‬تحميل ‬القضاء ‬المصرى ‬العريق ‬المسئولية. ‬المشكلة ‬تشريعية ‬قانونية ‬وليست ‬قضائية.‬
وهناك ‬ثلاث ‬علامات ‬مضيئة ‬فى ‬مجال ‬القضاء:‬
أولها ‬مبدأ ‬عام ‬وطنى ‬وضعه ‬عميد ‬الفقه ‬القانونى ‬الدكتور ‬السنهورى ‬الذى ‬أصدر ‬حكما ‬تاريخيا ‬فى ‬القضية ‬615 ‬لسنة ‬5 ‬قضائية ‬يقرر ‬‮«‬أن ‬اشتراط ‬ترخيص ‬في ‬إنشاء ‬دور ‬العبادة ‬علي ‬نحو ‬ما ‬جاء ‬في ‬الخط ‬الهمايوني ‬لا ‬يجوز ‬أن ‬يتخذ ‬ذريعة ‬لإقامة ‬العقبات ‬التي ‬لا ‬مبرر ‬لها ‬دون ‬إنشاء ‬هذه ‬الدور ‬مما ‬لا ‬يتفق ‬مع ‬حرية ‬إقامة ‬الشعائر ‬الدينية‮»‬.‬
ثم ‬هناك ‬حكم ‬المحكمة ‬الدستورية ‬العليا ‬فى ‬القضية ‬رقم ‬8 ‬لسنة ‬17 ‬قضائية ‬دستورية ‬جلسة ‬18/‬5/‬199 ‬ج ‬7 ‬دستورية ‬ص ‬656 ‬فى ‬هذا ‬الحكم ‬ربط ‬بين ‬حرية ‬العقيدة ‬وحرية ‬ممارسة ‬الشعائر ‬الدينية ‬هما ‬مكفولتان ‬بالدستور ‬وهو ‬ما ‬يعنى ‬تكاملهما ‬وأنهما ‬جزء ‬واحد ‬لا ‬ينفصلان ‬ولممارسة ‬حرية ‬الشعائر ‬الدينية ‬لابد ‬من ‬بناء ‬الكنائس ‬لممارسة ‬العقيدة ‬فيها.‬
صدر ‬حكم ‬حديث ‬فى ‬قضية ‬ترميم ‬الكنائس ‬فى ‬حكم ‬محكمة ‬جنح ‬مستأنف ‬شبرا ‬الخيمة ‬بتاريخ ‬25/‬3/‬2010 ‬فى ‬الدعوى ‬رقم ‬3714 ‬لسنة ‬2010 ‬بإلغاء ‬حكم ‬محكمة ‬أول ‬درجة ‬القاضى ‬بحبس ‬الكاهن ‬اندراوس ‬رشدى ‬إلياس ‬كاهن ‬كنيسة ‬العذراء ‬بشبرا ‬الخيمة ‬بحبسه ‬سنة ‬مع ‬الشغل ‬وغرامة ‬75 ‬ألف ‬جنيه ‬لاتهامه ‬من ‬قبل ‬حى ‬شبرا ‬الخيمة ‬بترميم ‬الكنيسة ‬بدون ‬ترخيص ‬جاء ‬فى ‬الحيثيات ‬‮«‬أن ‬الكنيسة ‬هى ‬إحدى ‬دور ‬العبادة ‬التى ‬لها ‬قدسية ‬وأن ‬ما ‬قام ‬به ‬القمص ‬ترميمات ‬ضرورية ‬وكان ‬أولى ‬بالحى ‬معاونته ‬وليس ‬مقاضاته‮»‬
رحلة ‬بناء ‬الكنائس
لى ‬مع ‬مسألة ‬بناء ‬الكنائس ‬رحلة ‬طويلة ‬كانت ‬أحياناً ‬مؤلمة ‬وأحياناً ‬مؤسفة ‬إلى ‬أن ‬أصبحت ‬اليوم ‬تدعو ‬للأمل ‬والتفاؤل. ‬بدأت ‬هذه ‬الرحلة ‬عندما ‬عدت ‬من ‬الدراسة ‬بالخارج ‬لقضاء ‬أجازة ‬الصيف ‬مع ‬الأسرة ‬فى ‬المعمورة ‬لاحظت ‬أن ‬المسيحيين ‬يؤدون ‬الصلاة ‬فى ‬شقة ‬أرضية ‬مثلما ‬كانوا ‬يصلون ‬فى ‬بدروم ‬المنازل ‬اثناء ‬الرومان ‬سألت ‬لماذا ‬هذا ‬الوضع ‬المخزى ‬مع ‬ان ‬خطة ‬ورسم ‬انشاء ‬المعمورة ‬كان ‬به ‬مكان ‬مخصص ‬لجامع ‬واخر ‬لكنيسة ‬عكفت ‬على ‬دراسة ‬الوضع . ‬وتكون ‬ملف ‬ضخم ‬باسم ‬‮«‬كنيسة ‬المعمورة‮»‬.‬
كانت ‬المحاولة ‬بدأت ‬سنة ‬1979 ‬بطلب ‬من ‬البطريركية ‬لمحافظة ‬الإسكندرية ‬لتخصيص ‬أرض ‬لبناء ‬كنيسة ‬العذراء ‬مريم ‬في ‬منطقة ‬المعمورة ‬التي ‬يسكنها ‬مئات ‬من ‬المسيحيين ‬، ‬ويقصدها ‬آلاف ‬من ‬الأقباط ‬في ‬المهجر ‬لقضاء ‬فصل ‬الصيف. ‬سنة ‬1980 ‬صدر ‬قرار ‬رشيد ‬من ‬المجلس ‬التنفيذى ‬للمحافظة ‬بتخصيص ‬قطعة ‬أرض ‬معينة ‬المساحة ‬والحدود ‬لبناء ‬الكنيسة ‬‮«‬وأن ‬يكون ‬التخصيص ‬بالمجان ‬مع ‬الترحيب ‬ببناء ‬دور ‬العبادة.‬‮»‬
وهنا... ‬بدأت ‬المسيرة ‬التى ‬وضعت ‬خلالها ‬الكثير ‬من ‬العراقيل ‬لمنع ‬بناء ‬الكنيسة. ‬مرة ‬بدعوى ‬ضرورة ‬موافقة ‬مجلس ‬الوزراء ‬وتبين ‬أن ‬هذا ‬غير ‬صحيح. ‬ثم ‬بدعوى ‬أن ‬الكنيسة ‬ليس ‬لها ‬صفة ‬النفع ‬العام ‬مع ‬أن ‬هناك ‬حكما ‬قضائيا ‬بأن ‬‮«‬البطريركية ‬من ‬أشخاص ‬القانون ‬العام ‬يدير ‬مرفقا ‬عاما‮»‬ ثم ‬بإدعاء ‬أن ‬الأرض ‬ليست ‬ملك ‬المحافظة. ‬وكلها ‬حجج ‬سقطت ‬قانونا.‬ وعندما ‬اقتنع ‬محافظ ‬الإسكندرية ‬الوطني ‬المخلص ‬بسلامة ‬القرار ‬قام ‬بتسليم ‬الأرض ‬للبطريركية ‬لبناء ‬الكنيسة.‬
كان ‬من ‬المتصور ‬أن ‬تنتهي ‬القصة ‬نهاية ‬سعيدة ‬عادلة. ‬ولكن ‬إمعانا ‬في ‬تعقيد ‬الأمور ‬ومنع ‬بناء ‬الكنيسة، ‬رفعت ‬شركة ‬المعمورة ‬التابعة ‬للشركة ‬القابضة ‬للمنشآت ‬السياحية، ‬دعوى ‬كيدية ‬علي ‬محافظة ‬الإسكندرية، ‬تدعى ‬فيها ‬أن ‬الأرض ‬ملك ‬الشركة ‬وليست ‬ملك ‬المحافظة ‬مع ‬أن ‬هناك ‬أكثر ‬من ‬وثيقة ‬تثبت ‬ملكية ‬المحافظة ‬للأرض. ‬حولت ‬القضية ‬بعد ‬التأجيل ‬مرات ‬إلي ‬مجلس ‬الدولة...‬
رحلة ‬بناء ‬كنيسة ‬المعمورة ‬أوضحت ‬لى ‬عددا ‬من ‬الأمور ‬أهمها ‬أنها ‬ليست ‬حالة ‬فريدة ‬ولا ‬هى ‬استثناء، ‬لكنها ‬النمط ‬الذى ‬كاد ‬يصبح ‬سياسة ‬مستقرة، ‬وأن ‬هناك ‬عشرات ‬من ‬الحالات ‬المماثلة. ‬مما ‬أكد ‬ضرورة ‬تقنين ‬الوضع ‬على ‬أساس ‬دستورى ‬يقوم ‬على ‬المساواة ‬وإصدار ‬‮«‬قانون ‬موحد ‬لبناء ‬دور ‬العبادة‮»‬.‬
تبين ‬لى ‬ايضا ‬أن ‬هناك ‬عشرات ‬من ‬المحاولات ‬للحصول ‬على ‬ترخيص ‬بناء ‬الكنائس ‬لا ‬تمنح ‬مما ‬ادى ‬الى ‬الصلاة ‬فى ‬شقق ‬تخصص ‬لذلك،أو ‬بناء ‬كنائس ‬دون ‬ترخيص.‬
تزايد ‬اهتمامى ‬بالقضية ‬بسبب ‬تكرار ‬الاعتداء ‬على ‬الكنائس ‬وبدأت ‬بوضع ‬قانون ‬‮«‬موحد‮»‬ ‬لبناء ‬دور ‬العبادة ‬يحقق ‬التساوى ‬والأمن.‬
طرحت ‬القضية ‬فى ‬مجلس ‬الشعب ‬عند ‬مناقشة ‬تقرير ‬الدكتور ‬العطيفى ‬1972، ‬ثم ‬فى ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان، ‬قدمت ‬مشروع ‬قانون ‬عرض ‬عام ‬2007 ‬فى ‬اجتماع ‬موسع ‬حول ‬الإحتقان ‬الطائفى ‬حضره ‬رؤساء ‬الأحزاب ‬وممثلو ‬جمعيات ‬حقوق ‬الإنسان ‬وثلاثة ‬وزراء ‬وممثلو ‬الكنائس ‬واتفقوا ‬على ‬ضرورة ‬صدوره ‬لم ‬يعترض ‬أحد ‬على ‬ضرورة ‬المساواة ‬بين ‬المواطنين ‬وحقهم ‬جميعاً ‬فى ‬إقامة ‬دور ‬عبادة ‬لكن ‬لم ‬نصل ‬لشىء. ‬طرحت ‬مشكلة ‬الكنائس ‬فى ‬عدد ‬من ‬اللقاءات ‬والندوات ‬حتى ‬فى ‬المجلس ‬القومى ‬للمرأة ‬حيث ‬إن ‬الصلاة ‬نشاط ‬عائلى ‬يقوم ‬به ‬الأب ‬والأم ‬والأطفال ‬معاً ‬وعدم ‬وجود ‬كنائس ‬أو ‬ازدحامها ‬الشديد ‬عائق ‬فى ‬الالتزام ‬بالفرض. ‬
فى ‬يوم ‬وصلتنى ‬مكالمة ‬تليفونية ‬من ‬السياسى ‬المحنك ‬صفوت ‬الشريف ‬يدعونى ‬للقاء ‬معه ‬فى ‬مجلس ‬الشورى ‬اتفقنا ‬على ‬موعد. ‬لم ‬أعرف ‬سبب ‬هذه ‬الدعوة ‬‮«‬الكريمة‮»‬ ‬من ‬أحد ‬أقطاب ‬الحكم ‬أكد ‬لى ‬فى ‬اللقاء ‬أن ‬مسألة ‬بناء ‬الكنائس ‬التى ‬أكتب ‬عنها ‬قضية ‬هامة، ‬الدولة ‬تهتم ‬بها ‬وأن ‬عدد ‬الكنائس ‬‮«‬خلال ‬الحكم ‬الحالى ‬يفوق ‬ما ‬أنشىء ‬منها ‬خلال ‬عشر ‬سنوات ‬ماضية‮»‬ ‬سألته ‬عن ‬عدد ‬الكنائس ‬التى ‬لم ‬يصدر ‬لها ‬ترخيص ‬وعدد ‬الاعتداءات ‬على ‬الكنائس ‬وأن ‬القضية ‬ليست ‬بناء ‬كنيسة ‬إنما ‬مبدأ ‬الحقوق ‬المتساوية ‬وأنه ‬وضع ‬يرفضه ‬المصريون ‬فى ‬الداخل ‬ويسىء ‬إلى ‬سمعة ‬مصر ‬فى ‬الخارج ‬نسأل ‬عنه ‬جميعاً ‬فى ‬اللقاءات ‬الدولية ‬والمؤتمرات ‬ويكون ‬الرد ‬هو ‬ما ‬يقوله ‬البابا ‬شنوده ‬بأن ‬هذه ‬مشكلة ‬داخلية ‬حلها ‬داخلياً».. ‬عد ‬خيراً.. ‬ولم ‬يحدث ‬شىء.‬
دعيت ‬مرة ‬لمناقشته ‬مع ‬لجنة ‬السياسات ‬برئاسة ‬نجل ‬الرئيس ‬واستبشرت ‬خيراً!!‬كان ‬اجتماعا ‬محدودا ‬حضره ‬المستشار ‬القانونى ‬للجنة ‬واثنان ‬من ‬الأعضاء ‬الشباب ‬واستاذنا ‬الكبير ‬د. ‬مفيد ‬شهاب ‬شرحت ‬الأبعاد ‬القانونية ‬والاجتماعية ‬والدينية ‬التى ‬تحتم ‬صدور ‬هذا ‬القانون ‬أو ‬القرار ‬بقانون. ‬كان ‬المستشار ‬القانونى ‬يكثر ‬من ‬الهمس ‬فى ‬أذن ‬رئيس ‬اللجنة ‬مما ‬أضطرنى ‬أن ‬أقول ‬له ‬إن ‬آراءه ‬تهمنا ‬جميعا ‬وارجو ‬ألا ‬يخص ‬بها ‬رئيس ‬اللجنة ‬وحده . ‬كان ‬موقف ‬د. ‬مفيد ‬شهاب ‬واضحا ‬صريحا ‬وطنيا ‬صادقا ‬مؤيداً ‬لمبادىء ‬الدستور ‬والمساواة ‬ومعبراً ‬عن ‬اتجاهات ‬أغلب ‬المصريين. ‬استبشرت ‬خيراً.. ‬لكن ‬لم ‬يحدث ‬شىء.‬
ثم ‬طرحته ‬فى ‬لجنة ‬الحوار ‬الوطنى ‬برئاسة ‬د. ‬حجازى..‬ثم ‬فى ‬لجنة ‬الوفاق ‬برئاسة ‬د. ‬يحيى ‬الجمل ‬دون ‬جدوى.‬
طرحته ‬بعد ‬ذلك ‬فى ‬لجنة ‬العدالة ‬الوطنية ‬برئاسة ‬عصام ‬شرف ‬عام ‬2011 ‬نوقشت ‬القضية ‬ولم ‬يؤيد ‬سوى ‬الأستاذ ‬الجمال ‬والمستشار ‬أمير ‬رمزى. ‬كتبت ‬عدداً ‬من ‬المقالات ‬حول ‬القضية ‬لاقت ‬قبولاً.. ‬لكن ‬بقى ‬الحال ‬على ‬ما ‬هو ‬عليه.‬
الذين ‬دعموا ‬القضية ‬طوال ‬هذه ‬المرحلة ‬لم ‬يكونوا ‬مسيحيين ‬أو ‬مسلمين.. ‬كانوا ‬مصريين ‬يريدون ‬مصلحة ‬الوطن ‬وهم ‬كثيرون ‬ولابد ‬هنا ‬من ‬الإشارة ‬والإشادة ‬بدور ‬المستشار ‬محمود ‬غنيم ‬رئيس ‬هيئة ‬المفوضين ‬فى ‬المحكمة ‬الدستورية ‬الذى ‬كان ‬حريصاً ‬أن ‬تكون ‬النصوص ‬المقترحة ‬دستورية.‬
متناقضات ‬ثلاثة:‬
خلال ‬تلك ‬المرحلة ‬تبين ‬ثلاثة ‬متناقضات ‬تستحق ‬السرد:‬
بينما ‬كانت ‬الكنيسة ‬المصرية ‬تعانى ‬المشاكل ‬والعقبات ‬فى ‬مصر ‬بلدها ‬كانت ‬تقام ‬فى ‬القارات ‬الخمس ‬كنائس ‬مصرية ‬قبطية ‬وجمعيات ‬إنسانية ‬خيرية ‬ودور ‬عبادة ‬أكبرها ‬فى ‬ألمانيا ‬دير ‬أقيم ‬على ‬عدة ‬أفدنة ‬قدمتها ‬الحكومة ‬الألمانية ‬للكنيسة!! ‬ظلت ‬كلها ‬منابر ‬لمصر ‬تحافظ ‬على ‬هويتها ‬تدعم ‬استقرارها ‬وترعى ‬مصالحها ‬وتصحح ‬صورتها ‬فى ‬وطنية ‬صادقة ‬تؤكد ‬قول ‬البابا ‬شنودة ‬إن ‬مصر ‬ليست ‬وطناَ ‬نعيش ‬فيه ‬إنما ‬وطن ‬يعيش ‬فينا.‬
فى ‬نفس ‬هذه ‬المرحلة ‬تبين ‬لى ‬التفاوت ‬الهائل ‬بين ‬محاولة ‬بناء ‬كنيسة ‬وبناء ‬جامع. ‬كانت ‬لى ‬تجربة ‬مع ‬محاولة ‬بناء ‬جامع ‬عندما ‬أبلغنا ‬الحاج ‬الذي ‬كان ‬يوماً ‬‮»‬الناظر‮»‬ ‬المكلف ‬بإدارة ‬أرض ‬الأسرة ‬في ‬الصعيد ‬أن ‬جامع ‬منطقتهم ‬تصدع ‬وإنهار ‬وأنهم ‬في ‬حاجة ‬لإصلاحه ‬أو ‬لبناء ‬مسجد ‬للصلاة ‬وطلب ‬منا ‬التعاون ‬فى ‬لقاء ‬المختص ‬بإصدار ‬الترخيص ‬قبلت ‬طلبه ‬راضية ‬حددنا ‬موعدا ‬مع ‬المسئول ‬وتمت ‬الموافقة ‬علي ‬بناء ‬المسجد ‬في ‬ثلث ‬ساعة، ‬نعم ‬ثلث ‬ساعة ‬أي ‬عشرين ‬دقيقة ‬فقط ‬لا ‬غير ‬بل ‬إن ‬الموظف ‬المختص ‬قال ‬للمندوب ‬الذي ‬قابله ‬بالحرف ‬الواحد ‬ ‬يا ‬أخي ‬عاوز ‬تبني ‬ابني ‬هو ‬حد ‬هيمنعك!‬؟
هذا ‬التفاوت ‬في ‬المعاملة.. ‬هذا ‬الفرق ‬بين ‬عشرات ‬السنوات ‬وعشرين ‬دقيقة ‬هو ‬الفرق ‬بين ‬المساواة ‬والتمييز، ‬بين ‬التقدم ‬والتخلف، ‬بين ‬ما ‬نعيشه ‬وما ‬نريد ‬أن ‬نكون ‬عليه. ‬ذلك ‬التمييز ‬الظالم ‬هو ‬الذي ‬يقود ‬إلي ‬الإحباط ‬والغضب ‬وفقدان ‬المصداقية ‬هو ‬الذي ‬جعل ‬المسيحيين ‬يمارسون ‬الصلاة ‬في ‬أي ‬مكان ‬أو ‬بدون ‬ترخيص ‬لأن ‬لهم ‬ومن ‬حقهم ‬ممارسة ‬شعائرهم ‬مهما ‬كانت ‬الصعوبات. ‬
تبين ‬أن ‬كل ‬ما ‬يتصل ‬بدور ‬العبادة ‬له ‬حساسية ‬خاصة ‬ارتفعت ‬أصوات ‬الاعتراض ‬عالية ‬عندما ‬قررت ‬سويسرا ‬تحديد ‬ارتفاع ‬مآذن ‬الجوامع ‬لأسباب ‬تتعلق ‬بالتنسيق ‬الحضارى ‬المعمارى ‬الذى ‬يعتزون ‬به ‬رغم ‬أن ‬ا/ ‬ابراهيم ‬سعدة ‬أشار ‬عندئذ ‬إلى ‬أنه ‬فى ‬احدى ‬مدن ‬سويسرا ‬قام ‬أهلها ‬من ‬المسيحيين ‬ببناء ‬جامع ‬حتى ‬يمكن ‬القلة ‬المسلمة ‬منها ‬من ‬ممارسة ‬شعائرها ‬والأمر ‬ليس ‬تعصباً ‬دينياً ‬فهل ‬كنا ‬عندئذ ‬نعانى ‬مثل ‬الدول ‬الكبرى ‬من ‬ازدواج ‬المعايير؟ ‬
نعود ‬لنتساءل ‬ما ‬هى ‬الأسباب ‬الحقيقية ‬لعرقلة ‬بناء ‬الكنائس ‬التى ‬هى ‬جزء ‬من ‬تراث ‬الوطن؟ ‬ولها ‬حديث ‬قادم.‬
واليوم ‬نحن ‬فى ‬أشد ‬الحاجة ‬إلى ‬ما ‬يهدىء ‬النفوس ‬ويقرب ‬القلوب ‬وإلى ‬نبذ ‬الإثارة ‬وتحديد ‬مصادر ‬وأسباب ‬المشاكل ‬حتى ‬نعالجها.‬
الثقافة.. ‬الثقافة.. ‬الثقافة
مشاكل ‬قضية ‬بناء ‬الكنائس ‬أمر ‬يدعو ‬للحيرة : ‬لا ‬يوجد ‬قانون ‬يمنع ‬بناء ‬الكنائس ‬وما ‬أعتبروه ‬قانوناَ ‬يسمح ‬بها. ‬وهناك ‬دساتير ‬تؤكد ‬المساواة ‬والإسلام ‬يدعم ‬ممارسة ‬المسيحيين ‬لشعائرهم، ‬والأمن ‬لا ‬يصرح ‬ليس ‬عن ‬سياسة ‬بل ‬عن ‬تخوف، ‬القضاء ‬غير ‬متحيز ‬والكنيسة ‬المصرية ‬جزء ‬أصيل ‬من ‬الوطن ‬والشعب ‬المصرى ‬أغلبه ‬مسالماً ‬مؤمناً ‬يرفض ‬العنف ‬والاغتيال.‬
فما ‬هى ‬المشكلة؟
بدرجة ‬كبيرة ‬هذه ‬المشكلة ‬مثل ‬العديد ‬من ‬مشاكلنا، ‬مشكلة ‬ثقافية ‬والثقافة ‬فى ‬معناها ‬الأشمل ‬ليست ‬مجرد ‬التعبيرات ‬الثقافية ‬وأدوات ‬الفن ‬والترفيه... ‬إنها ‬مناخ ‬معين ‬يسود ‬مجتمعا ‬ما ‬يحدد ‬القيم ‬يؤثر ‬فى ‬القرارات ‬والسلوك.. ‬الثقافة ‬فى ‬تقديرى ‬‮«‬تراث ‬الماضى .. ‬ودفة ‬الحاضر.. ‬وبوصلة ‬المستقبل‮»‬. ‬أغلب ‬مشاكلنا، ‬ومنها ‬مشكلة ‬بناء ‬الكنائس ‬نتيجة ‬ثقافة ‬مريضة ‬تقوم ‬على ‬الكراهية ‬والتطرف ‬وتبرير ‬العنف ‬بدأت ‬وانتشرت ‬وتغلغلت ‬فى ‬المجتمع، ‬تغرس ‬الفكر ‬المغلوط ‬الذى ‬برعت ‬جماعة ‬الإخوان ‬فى ‬نشره ‬وغرسه ‬والدعوة ‬إليه ‬بمهارة ‬شديدة ‬وخبث ‬خلال ‬سنوات ‬طوال ‬من ‬خلال ‬الإعلام ‬والتعليم ‬والخطاب ‬الدينى ‬وإهمال ‬أحوال ‬المرأة ‬التى ‬تربى ‬الأجيال، ‬ومن ‬خلال ‬جمعيات ‬أهلية ‬تقوم ‬رسالتها ‬على ‬التعصب ‬والكراهية ‬بالإضافة ‬إلى ‬زوايا ‬أنتشرت ‬بصورة ‬مذهلة ‬تعمل ‬بلا ‬رقابة ‬ولا ‬توجيه. ‬تدعو ‬إلى ‬التكفير ‬‮«‬والجهاد‮»‬ ‬لوثت ‬عقول ‬الكثيرين ‬ومن ‬بينهم ‬أفواج ‬من ‬العاملين ‬فى ‬مختلف ‬الأجهزة ‬الرسمية ‬المسئولة.‬
صاحب ‬كل ‬ذلك ‬تقصير ‬شديد ‬من ‬الدولة ‬والمسئولين ‬بإنكار ‬للواقع ‬ورفض ‬الاعتراف ‬بحقيقة ‬دوافع ‬الأحداث ‬‮«‬الطائفية‮»‬ ‬بل ‬رفض ‬الإعتراف ‬بها ‬وتكرار ‬أنها ‬‮«‬ليست ‬طائفية‮»‬ ‬إنما ‬مشاجرات ‬عادية. ‬عندما ‬قامت ‬أحداث ‬الخانكة ‬ثم ‬الزاوية ‬الحمراء ‬وغضب ‬منها ‬المصريون ‬جميعاَ ‬كان ‬الإنكار ‬واضحاً. ‬جاء ‬مجلس ‬الشعب ‬وزير ‬الداخلية ‬ليؤكد ‬أن ‬المسألة ‬خناقة ‬نسائية ‬أى ‬مشاجرة ‬عادية ‬بين ‬النساء ‬حول ‬نشر ‬الغسيل !!! ‬بينما ‬وجدت ‬لجنة ‬تقصى ‬الحقائق ‬غير ‬ذلك.‬بدأت ‬الخانكة ‬بسبب ‬حرق ‬‮«‬كنيسة‮»‬ ‬بدون ‬ترخيص ‬كانت ‬منازل ‬الأقباط ‬المسيحيين ‬يتم ‬وضع ‬علامة ‬الصليب ‬للهجوم ‬عليها ‬وجدنا ‬أيضاَ ‬أن ‬شعب ‬مصر ‬الذى ‬أثبت ‬مرة ‬ومرات ‬أنه ‬يرفض ‬العنف ‬والصراع ‬كانوا ‬يأخذون ‬الجيران ‬والأصدقاء ‬المسيحيين ‬المعرضين ‬للخطر ‬إلى ‬منازلهم ‬للإختباء ‬لحمايتهم، ‬وعندما ‬نشبت ‬نار ‬اخترقها ‬مسيحى ‬لينقذ ‬أسرة ‬جاره ‬المسلم.‬
ظهر ‬تقرير ‬العطيفى ‬يؤكد ‬ضرورة ‬علاج ‬بعض ‬الأمور ‬من ‬أهمها ‬مسألة ‬بناء ‬الكنائس .. ‬ذهب ‬التقرير ‬ومقترحاته ‬أدراج ‬الرياح. ‬وأرتفعت ‬خلال ‬الأعوام ‬أصوات ‬وطنية ‬صادقة ‬تحذر ‬وتنبه ‬لخطورة ‬ما ‬يحدث ‬وتحذر ‬من ‬الثقافة ‬التى ‬يدعو ‬لها ‬أعداء ‬مصر. ‬تكلم ‬فرج ‬فوده ‬وكتب ‬وحيد ‬حامد ‬ونبيل ‬لوقا ‬وحذر ‬رفعت ‬السعيد ‬وغيرهم ‬لكن ‬القلة ‬التى ‬تغلغلت ‬ثقافة ‬العنف ‬والتعصب ‬فى ‬عقولها ‬كانت ‬أعلى ‬صوتاَ ‬وأكثر ‬تنظيماَ ‬وثراءً ‬فى ‬دعوتها ‬لثقافة ‬تدعو ‬إلى ‬سلوك ‬لا ‬يمت ‬بصلة ‬للإسلام ‬تصدر ‬الأحكام ‬بالتكفير ‬والقتل ‬تحلل ‬سرقة ‬أموال ‬غير ‬المسلمين.‬تدعو ‬لرفض ‬التعامل ‬مع ‬المسيحيين.‬أرتكبت ‬جرائم ‬طائفية ‬رصدت ‬فى ‬قائمة ‬طويلة .......‬إلخ ‬
مرت ‬السنوات ‬وقامت ‬ثورات ‬مصر ‬وصل ‬الإخوان ‬للحكم ‬ثم ‬رفض ‬الشعب ‬ما ‬ارتكبوا ‬واستنجدوا ‬بالقوات ‬المسلحة ‬التى ‬أعادت ‬لمصر ‬استقلالها ‬وكرامتها ‬وللشعب ‬إرادته ‬واختياره. ‬ثارت ‬الجماعات ‬المتطرفة ‬وبدأت ‬حملة ‬كشفت ‬أنها ‬وراء ‬الإعتداء ‬على ‬المسيحيين ‬وعلى ‬الكنائس.‬
إن ‬الدعوة ‬لرفض ‬بناء ‬الكنائس، ‬والإعتداء ‬عليها ‬أحد ‬أساليب ‬الإرهابيين ‬لإضعاف ‬تماسك ‬المصريين ‬وهم ‬يعرفون ‬ذلك ‬جيدا. ‬يؤكد ‬ذلك ‬النوبة ‬التى ‬أصابتهم ‬بعد ‬أن ‬فقدوا ‬سلطة ‬الحكم ‬وأرادوا ‬تحطيم ‬المجتمع ‬فكانت ‬إحدى ‬وسائلهم ‬حرق ‬وتدمير ‬ما ‬لايقل ‬عن ‬70 ‬دار ‬عبادة ‬مسيحية.‬
كانت ‬ثورة ‬30 ‬يونيو ‬فى ‬تقديرى ‬‮«‬ثورة ‬للتحرير‮«‬، ‬علامة ‬فاصلة ‬ونقطة ‬تحول ‬فى ‬العلاقة ‬بين ‬المصريين ‬حررت ‬الفكر ‬المصرى ‬من ‬خزعبلات ‬وخرافات ‬استمر ‬الترويج ‬لها ‬طويلاَ.‬إن ‬تصحيح ‬الفكر ‬أول ‬خطوات ‬تصحيح ‬الخطاب ‬وأولى ‬مراحل ‬تصحيح ‬العقل.. ‬استهلت ‬مصر ‬مرحلة ‬تصحيح ‬الفكر ‬وتوطيد ‬علاقات ‬صحيحة. ‬عبرّ ‬هذا ‬التحول ‬عن ‬نفسه ‬مرات ‬ومرات ‬وتأكد ‬عندما ‬اشترك ‬المصريون ‬جميعاً ‬فى ‬إفطار ‬رمضانى ‬بينما ‬يعلو ‬صوت ‬المآذن ‬وأجراس ‬الكنائس ‬معاً ‬فى ‬أحلى ‬سيمفونية ‬سمعتها ‬مصر. ‬انحسرت ‬لدرجة ‬كبيرة ‬بوادر ‬ذلك ‬الصدام ‬بين ‬المصريين ‬وتعبيرات ‬الكراهية ‬والرفض. ‬لم ‬تعد ‬المواجهة ‬بين ‬مصرى ‬ومصرى ‬إنما ‬بين ‬المصريين ‬وأعداء ‬مصر ‬فى ‬الداخل ‬والخارج. ‬شكلت ‬لجنة ‬لوضع ‬الدستور ‬طرحت ‬فيها ‬مشكلة ‬بناء ‬الكنائس ‬وضرورة ‬صدور ‬قانون ‬ينظمها ‬كان ‬التأييد ‬غير ‬مسبوق ‬وتمت ‬الموافقة ‬بالأغلبية ‬على ‬235 ‬من ‬الدستور ‬فى ‬باب ‬الأحكام ‬العامة ‬والإنتقالية ‬‮«‬يصدر ‬مجلس ‬النواب ‬فى ‬أول ‬دور ‬انعقاد ‬له ‬بعد ‬العمل ‬بهذا ‬الدستور ‬قانوناً ‬لتنظيم ‬بناء ‬وترميم ‬الكنائس، ‬بما ‬يكفل ‬حرية ‬ممارسة ‬المسيحيين ‬لشعائرهم ‬الدينية‮»‬
وتحقيقاً ‬للمشاركة ‬واحتراماً ‬للكنيسة ‬واعترافاً ‬بضرورة ‬التعدد ‬البشرى ‬الخلاق ‬تشكلت ‬لجنة ‬عمل ‬تمثل ‬فيها ‬جميع ‬الكنائس ‬لوضع ‬مشروع ‬قانون ‬يعبر ‬عن ‬مطالبهم ‬وإحتياجاتهم ‬ثم ‬الإتفاق ‬عليه ‬وأرسل ‬للحكومة ‬للعرض ‬على ‬ممثلى ‬الشعب.
أصبحت ‬الحلقة ‬الأخيرة ‬فى ‬هذه ‬المسيرة ‬الطويلة ‬من ‬سنة ‬1856 ‬إلى ‬اليوم ‬فى ‬ساحة ‬مجلس ‬النواب ‬الذى ‬ننتظر ‬منه ‬الكثير.‬
إن ‬صدور ‬القانون ‬لن ‬يقضى ‬فوراً ‬ومباشرة ‬على ‬مرض ‬الصدام ‬الطائفى ‬الذى ‬زرعت ‬بذوره ‬طوال ‬أعوام. ‬مشكلة ‬بناء ‬الكنائس ‬لم ‬تكن ‬الشرخ ‬الوحيد ‬فى ‬جدار ‬الوحدة ‬الوطنية ‬علاجها ‬لن ‬يقضى ‬فورا ‬على ‬جميع ‬أسباب ‬الصدام ‬وأهدافه ‬لكنه ‬رسالة ‬مهمة ‬من ‬مؤسسات ‬الدولة ‬وقيادتها ‬أنها ‬جادة ‬فى ‬تحقيق ‬المساواة ‬والعدل ‬وحماية ‬كرامة ‬كل ‬مواطن. ‬رسالة ‬تعطى ‬مثلاً ‬وقدوة ‬وتستهل ‬مرحلة ‬تضامن ‬المصريين ‬جميعاً ‬مع ‬كل ‬ما ‬بينهم ‬من ‬اختلاف ‬دينى ‬أو ‬سياسى ‬أو ‬اقتصادى.‬
صحيح ‬تراجعت ‬جريمة ‬حرق ‬الكنائس ‬والإعتداء ‬على ‬المصلين ‬لكن ‬ظهرت ‬وسوف ‬تظهر ‬تعبيرات ‬أخرى ‬عن ‬الفتنة ‬فالأمراض ‬السلوكية ‬والنفسية ‬التى ‬أصابت ‬أهل ‬العنف ‬والتعصب ‬والكراهية ‬سوف ‬تعبر ‬عن ‬نفسها ‬بأساليب ‬سوف ‬تزداد ‬وحشية.‬
المهم ‬هنا ‬أمران ‬ألا ‬نقع ‬فى ‬فخ ‬محاولات ‬الوقيعة، ‬وإدراك ‬إننا ‬بدأنا ‬الطريق ‬الصحيح ‬لعلاج ‬كل ‬ما ‬يدعو ‬للفرقة ‬والتقسيم ‬وعلينا ‬الإستمرار. ‬
الحاجة ‬أصبحت ‬ماسة ‬إلى ‬نشر ‬ثقافة ‬تضخ ‬فى ‬المجتمع ‬القيم ‬التى ‬تحقق ‬التنمية ‬وتعالج ‬مشاكلنا. ‬قيم ‬حب ‬العمل ‬والإنتماء ‬وإحترام ‬التعدد ‬وقبول ‬الآخر. ‬إن ‬القيادة ‬القدوة ‬إحدى ‬وسائل ‬نشر ‬القيم ‬المطلوبة ‬ولنا ‬فى ‬الرئيس ‬السيسى ‬قدوة ‬ومثل ‬فى ‬حب ‬العمل ‬والانتماء ‬والعطاء ‬وقبول ‬الآخر ‬واحترام ‬التعدد ‬وغيرها ‬كثير..‬
سؤال ‬أخير ‬طرحناه ‬ولم ‬نرد ‬عليه ‬لماذا ‬كان ‬الإصرار ‬على ‬أن ‬تظل ‬مسألة ‬بناء ‬الكنائس ‬فى ‬يد ‬رئيس ‬الدولة؟ ‬كان ‬من ‬الصعب ‬الحصول ‬على ‬رد ‬مقنع ‬إلى ‬أن ‬همس ‬لى ‬أحد ‬رجال ‬حاشية ‬أحد ‬الرؤساء ‬أن ‬هذه ‬ورقة ‬مهمة ‬فى ‬العلاقة ‬بين ‬الرئيس ‬والمسيحيين ‬لأنه ‬فى ‬كل ‬مرة ‬يوافق ‬فيها ‬الرئيس ‬يشعر ‬المسيحيون ‬بالامتنان ‬وأن ‬الفضل ‬له!! ‬منطق ‬سقيم ‬وأسلوب ‬غريب ‬فى ‬التفكير ‬يتجاهل ‬أن ‬الحقوق ‬ليست ‬منة ‬أو ‬منحة ‬للحاكم ‬لكنها ‬احترام ‬للدستور ‬والقانون ‬ولمصلحة ‬الوطن. ‬فرق ‬شاسع ‬بين ‬ما ‬كان ‬وما ‬أصبح ‬عليه ‬الحال.‬
لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.