بعد العشرات من السنوات العجاف، تودع الكنائس «الخط الهمايوني» العثماني، الذي عاشت مصر على قواعده منذ فبراير 1856 في بناء الكنائس أو الترخيص لها رغم دخول البلاد في مرحلة احتلال مرتبط بالملكية ثم التحرير وإقامة الجمهورية، واليوم يدخل مسيحيو مصر مرحلة تاريخية في قضية بناء كنائسهم. أما دستور 2014، فقد رسخ لمبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين، وفقًا لمادته 235 في باب الأحكام العامة والانتقالية، ونصها: «يصدر مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونًا لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين شعائرهم الدينية»، والآن ينتظر إقرار قانون بناء الكنائس. سلسلة من الاجتماعات المتتالية دخلت الكنائس المصرية فيها منذ فترة لإعداد مسودة وتصور لمشروع القانون بعد مناقشات بشأن المسودة التي أعدتها وزارة العدالة الانتقالية، حيث يتضمن مشروع القانون الذي أعدته الكنائس تنظيم بنائها وملحقاتها وفق عدد من الضوابط والشروط، والتي تتلافى شروط الخط الهمايوني، ولم يتعرض مشروع القانون من قريب أو بعيد لتأسيس أو إنشاء الأديرة لخصوصية وضعها ووجود أراضٍ ومزارع تابعة لكل دير. وقالت مصادر مطلعة إن مشروع القانون المطروح من قبل وزارة العدالة الانتقالية كان يشترط الوجود العددى للمسيحيين من أبناء الطائفة الراغبة في إنشاء كنيسة جديدة، وهو ما تداركه ممثلو الكنائس خلال اجتماعهم مؤخرًا، وحذفوا تلك المادة، لأن اشتراط وجود عددى يزيد على ألف شخص للطائفة يعد تعجيزًا لعددٍ من الطوائف المسيحية غير الأرثوذكسية، والتي لها رعايا موجودون بكل القرى والمراكز والنجوع ولكنهم لم يصلوا بعد لهذا العدد، وحق لهم ممارسة شعائرهم الدينية. كما تتضمن مسودة القانون الذي أعد بمعرفة الكنائس عددًا من الضوابط، أولها يقدم رئيس الطائفة الدينية طلبًا بترخيص كنيسة أو مبانٍ خدمية تابعة لها، يرفق مع الطلب مذكرة توضيحية باحتياج الكنيسة بالمنطقة المراد البناء فيها، والمسافة بينها وبين أقرب كنيسة أخرى حيث تكون ما بين 2 كيلومتر إلى 3 كليومترات. ويوضح القانون كل ما يخص المسافات، ففى حال وجود فواصل طبيعية (نهر أو ترع أو ما شابه أو خطوط سكك حديدية) ما بين الكنيسة والأخرى فإنه يمكن إقامة الكنيسة، وخصص مشروع القانون المزمع مناقشته قريبا بالبرلمان، جهة إدارية واحدة للتعامل معها وهى المحافظة المراد البناء بأى مكان فيها، ويقيد الطلب بالساعة والتاريخ، ويلزم القانون المحافظ المسئول بإحالة الطلب للجهة الإدارية المختصة خلال 24 ساعة لاتخاذ ما يلزم. وخلال 60 يومًا من تاريخ الطلب يجب ورود رد من المحافظ للكنيسة أو الطائفة صاحبة الطلب، سواء بالقبول أو الرفض، وحال عدم الرد تعتبر موافقة صريحة بالترخيص للبناء يحق لرئيس الطائفة أو من يمثله إخطار المحافظ ببدء البناء، أما في حالة الرفض يوجب قانون بناء وترميم الكنائس أن يكون القرار الذي يصدره بذلك يتعين أن يكون مسببًا، ويجوز للمسئول الدينى المختص أو من يمثله الطعن عليه أمام المحكمة المختصة خلال ال60 يومًا التالية لإبلاغه بهذا القرار. ويتطرق القانون إلى مخاطبة الجهات القائمة على شئون المرافق تزويد مبانى الكنيسة ومبانى الخدمات الملحقة بها بالمرافق العامة، خاصة أن تشييد الكنائس يكون على نفقة كل طائفة ترغبه أو تطلب ذلك، ويتضمن مشروع القانون أن تحدد المساحات للكنائس الصغيرة، مع مراعاة التزايد السكانى والعددى بمرور الوقت بكل مكان يعتزم بناء كنيسة به. «القس رفعت فتحى - أمين مجلس كنائس مصر أمين سنودس النيل الإنجيلي»، أحد ممثلى الكنيسة الإنجيلية المشاركين بوضع مسودة القانون، قال إن مشروع القانون يعالج كثيرًا من المشكلات التي طالما كانت تواجه الكنائس عند محاولة تشييد كنيسة وتواجه أزمات البيروقراطية، مؤكدًا أنه في النظام الجديد سيكون التعامل عبر «الشباك الواحد» أو مع المحافظ مباشرة. وأضاف القس فتحى أن طريقة المخاطبة تكون بطلب مقدم من رئيس الطائفة إلى المحافظ، وخلال 60 يومًا إن لم يصل رد يعتبر هناك موافقة، وإن تم الرفض يرفق مع القرار حيثياته مع أحقية تقدم رئيس الطائفة بطعن عليه. وعن فكرة ربط بناء الكنائس بالوجود العددى للمسيحيين أو المساحة المشروطة، أوضح أن القانون لا يربط تشييد الكنيسة بالمساحة العددية والموجودين من أبناء الطائفة طالما تنطبق الشروط، مؤكدًا أن الكنائس تضع بالاعتبار تزايد الكثافة السكانية خلال سنوات، مضيفًا: «حتى مساحة الكنيسة أمر تحدده الطائفة وليس منطقيًا أن تنفق طائفة مبالغ طائلة على تشييد كنيسة ألف متر ل10 أفراد أو عائلات، وإنما تكون ملائمة للعدد مع الوضع بالاعتبار الزيادة السكانية المستقبلية». وأكد القس فتحى عدم تعرض القانون للأديرة، حيث لم يخصص ضمن بنوده مواد للأديرة، متوقعًا أن يتم التعامل معها معاملة الكنيسة مع الوضع بالاعتبار طبيعتها الخاصة، لافتًا إلى أن هناك قرابة 40% من إجمالى الكنائس التابعة للطوائف كافة لم تستخرج لها تراخيص، رغم أنها كنائس قائمة تمارس بها العبادة منذ 50 عامًا، تحت حراسة أمنية، والدولة ملتزمة بمنحها تراخيص.