شهر رمضان يختلف عن سائر الشهور ونجد فيه العبادة متميزة، والصلاة تزداد خشوعا، وتكثر فيه النوافل، وتفيض الصدقات، فنرى الكثير من أعمال الخير، ففي الحديث القدسي الصحيح، يقول الله عز وجل: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به). لا يوجد مسلم على وجه الأرض إلا ويعرف شرف هذا الشهر، وعظمة هذا الزمن الذى يأتى فيه، وعظمة الأجر، وبإضافة لفظ الجلالة إلى الجزاء الذى يعطيه دلالة قوية تنبه الصائم أن الأجر عظيم، وأنه يضاعف عليه الثواب أعظم من سائر الأعمال، ففى صحيح مسلم، عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزى به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك). ولقيمة هذا العطاء فى شهر رمضان وفضائله، نبه العلماء إلى الإسراع بالتوبة الصادقة فى هذا الشهر الكريم، والتحذير من الوقوع فى المعاصي، وأن يحافظ الإنسان ويداوم على العطاء والمزيد فى رمضان، حتى يستطيع أن يداوم عليها بعد انقضاء الشهر الكريم، شهر تتضاعف فيه الحسنات وتمحى السيئات وترفع الدرجات وترتقى فيها النفوس وتتوجه لله عز وجل، وهذا الشهر هدية للمسلمين. تبدأ بالمشقة ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن الطاعات تبدأ بالمشقة، والصعوبة، ثم تنقضى مشقتها وصعوبتها، وتبقى حلاوتها، ويبقى أجرها، والمعاصى تنقضى لذتها ومتعتها، و يبقى إثمها، ويبقى الندم عليها قائماً، فالبطل ليس الذى يفرح أولاً، بل الذى يفرح آخراً، ليست البطولة أن تضحك أولاً، وقد قيل: من ضحك أولاً ضحك قليلاً، و من ضحك آخراً ضحك كثيراً، ويقول الله تعالي: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)، والبطولة هنا أن يضحك المؤمن آخرا، فرحاً بما قدمه فى شهر رمضان الكريم، فنجد أن الطفل حينما يولد كل من حوله يضحك، ولكنه الوحيد الذى يبكي، أما إذا وافته المنية، كل من حوله يبكي، إلا هو الذى يرى مقعده فى الجنة فيضحك، فى حالة إذا كان من الذين أوفوا بالطاعات، وفازوا بهذا الشهر الكريم، فقال تعالي: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ)، كما أن للصائم فرحتين يفرحهما، صبيحة العيد، تأكل كما كنت تأكل قبل رمضان، طعام فطور، وطعام غداء، وطعام عشاء، عدت إلى طبيعتك، وقد كسبت أجر الصيام والقيام، وقد ارتقيت إلى الله عز وجل، أما الذى أفطر فى رمضان فيأكل فى العيد مع بقية الناس، ولكنه يأكل وقد فرط بهذه العبادة العظيمة التى لا يعدلها صوم الدهر لو صامه. سبب دخول الجنة ويضيف، إن الصوم سبب من أسباب دخول الجنة، ومن فضائل الصيام أن الله اختص أهله بباب كبير من أبواب الجنة، لا يدخله إلا الصائمون، ينادون يوم القيامة إكراماً لهم، وإظهاراً لشرفهم، كما فى الصحيحين، عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ فى الجنة باباً يقال له: الرَّيان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، يقال: أين الصائمون ؟ فيقومون، فإذا دخلوا أغْلِق فلم يَدْخُل منه أحد) (حديث صحيح أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائي)، أى هذا الذى عطش فى الحياة الدنيا له قصر مكتوب على بابه الريان، لذلك قال بعض العلماء: هذا الشهر العظيم شهر الصبر. الصبر طريق الجنة ويقول الشيخ إبراهيم حافظ من علماء الأزهر، إن البناء الأخلاقى للإنسان أساسه الصبر، الذى لا يصبر لا يمكن أن يكون شيئاً مذكوراً فى الحياة، فأنت حينما تصبر يمكن أن تصل إلى البطولة، فلذلك قال تعالي: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، سورة البقرة: الآية 45، أى استعينوا على بلوغ أهدافكم، وهذا الشهر هو أساس الصبر الذى يمثل الطريق الصحيح إلى الجنة، ولا ينبغى التهاون أو التقصير فى العبادة، أو العودة إلى المعاصى بعد رمضان، بل على المسلم أن يداوم على هذه الطاعات بالاستمرار فى الذهاب للمسجد وصوم النوافل، والثبات على شرع الله، والاستقامة على دينه، لا يراوغ فيعبد الله لأنه يراه فى أى وقت وأى زمان، فالعبادة لله لا ترتبط بأزمنة أو بأمكنة، بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام فقال تعالي: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك..). فرصة للمغفرة وحذر الدكتور سعيد عامر، أمين لجنة الدعوة بالأزهر، من أن يعود المسلم لما كان عليه من قبل، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أكد أن الخسران لمن أدرك شهر رمضان ولم يغفر له، فهى فرصة للمغفرة، وضياع الإنسان فى عودته لما كان عليه قبل رمضان، وأضاف، أن فى الطاعة التحلى بمكارم الخلق، طمعا فى الفوز برضوان الله ومغفرته، وهناك أيضا فرص كبيرة فى هذا الشهر منها المحافظة على أداء الصلوات فى جماعة، وقيام الليل، وقراءة وختم القرآن، وفعل الخيرات واجتناب المنكرات، فكيف لمسلم يفعل كل هذه الطاعات فى هذا الشهر، ثم يقبل بعد انتهاء الشهر على المعصية، بمعنى انتقال الإنسان من حالة الرضا إلى حالة الغضب، وهذه ليست بالسهلة، لأن الشحنة الإيمانية قد زادت لدى المسلم المؤمن، فعليه أن يعقب على عمل الطاعة بطاعة أخرى يقوم بها، ومن هنا يبدأ الإخلاص لله فى العبادة، ومن هنا يتعلم الإنسان بعد ذلك أن يصون جوارحه عن المحرمات وعن كل ما يغضب الله عز وجل، ويقول الله تعالي: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاث...).