ها هي صفحات الأيام الطيبة تطوى، وساعات الزمن تقضى، بالأمس القريب استقبلنا ضيفا كريماً واليوم نودعه، قبل أيام أهل هلال رمضان فكان فرحة ومسرة للطائعين، واليوم تصرمت أيامه ولياليه، فكان وداعه حزناً للعابدين وأسفاً للصائمين والقائمين والتالين الذين جدد رمضان فيهم حقيقة العبودية، وأحيا فيهم معاني الطاعة لله، وكم من منتظر لهذا الشهر ولم يدركه، وكم من مستقبل له لم يستكمله، وكم من مستغفر فيه وقد غفر الله له، وكم من تائب فيه وتاب الله عليه، وتبقى منه فرصة للتائبين، وفسحة للمتذكرين، إنها أيام الوداع لشهر رمضان المبارك.
ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأسيوط، إن فى وداعنا للشهر المبارك هناك عدة أمور يجب اتباعها، منها، تجديد التوبة مع الله عز وجل، وأن تكون هذه التوبة صادقة مع الله عز وجل، وأن تكون توبة كاملة الأركان، فهى خير عهد نقطعه على انفسنا مع الله تعالى ونحن نودع الشهر الكريم، بحيث نبدأ صفحة جديدة مع الله عز وجل في ختام هذا الشهر، حتى ندرك النجاة من النار، ونفوز برضا الله عز وجل في هذه الأيام المباركة، وأن نعقد النية والعزم على أن نداوم ونحافظ على ما وفقنا الله له من أعمال الخير والبر والطاعة، ولا ننسى أن نداوم على صيام وصلاة النوافل، وإن خير الأعمال أدومها وإن قل، وقد حدثت عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم، كما يجب علينا أن نتخلق بأخلاق النبي، صلى الله عليه وسلم، حينما قال الله عز وجل له: (وإنك لعلى خلق عظيم)، لأن الأخلاق دائمة في كل وقت، لأن رمضان هو شهر يعلمنا أن نعيش في رحابه بعد أن ينقضي هذا الشهر العظيم. تحذير وحذر من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس من أشكال المعاصي والمحرمات بعد رمضان من تضييع للصلوات واستهانة بالجُمع والجماعات إلى لهو وغناء محرم، إلى نظر لما حرم الله تعالى من الأفلام والقنوات، أمور لا ترضي الله تعالى ولا توافق شرع رسوله، هؤلاء خرجوا من مدرسة رمضان الإيمانية بكل ما فيها من صيام وقيام وتلاوة، فأين يا ترى أثر هذه العبادات على أخلاقهم وهديهم؟ وأين ما كانوا عليه في أيامه ولياليه؟ ما أسرع ما خلعوا عنهم لبوس الطاعة واستبدلوا به لبوس العصيان، وكل هذه الأمور مضيعة للطاعات والعبادات، وما أخطرها على المسلم بعد شهر رمضان. الدعاء ويقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، فى مثل هذه الليالي ما أجمل التجارة مع الله عز وجل، والخوف من الله تعالى ليس بالبكاء ومسح الدموع، ولكن الخوف من الله تعالى هو ما حجزك عن معصيته، وردك عن محارمه، موضحا ان المحظوظ من يكثر من الدعاء في هذه الأيام، حتى ينال نصيبه من هذا الدعاء، لأنها خير الأيام، ورمضان يستعد للرحيل، فنجد انفتاح أبواب الرحمة والعفو والغفران، وهناك عطايا كثيرة من الله وعفو وعتق ورحمة ومغفرة، فيقبل الله توبة التائبين ويغفر ذنوب المسيئين ويسمع دعاء الضارعين بل ويستحيي من عبده إذا رفع يديه بالدعاء أن يردهما خائبتين، وما أجمل الأجر الذي لايعلمه إلا الله عز وجل، (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، فما أجمل أن يخفي الله عنا هذه الجائزة وهذا الأجر العظيم، فمغبون من لم يرفع يديه بدعوة، ولم تذرف عينه بدمعة، ولم يخشع قلبه لله لحظة، فهذا شهر رمضان الكريم يستودعكم الصيام والقيام والدعاء والتلاوة، وختم القرآن الكريم، والرائحة الزكية، واطمئنان القلوب، وفتح أبواب الجنة، وتصفيد الشياطين.