يتحدث بعض الاقتصاديين والسياسيين عن الضريبة على القيمة المضافة، باعتبارها ضريبة العدالة لأن جميع المواطنين والأجانب فى مصر سيدفعونها بمجرد شراء أى سلعة أو خدمة. وبما أننا لا نتوقف جميعا عن شراء أكل وملابس وأدوية وأدوات منزلية ومفروشات، ونحتاج جميعا إلى سكن ندفع ثمنه أو إيجاره، ونحتاج إلى استهلاك كهرباء ومياه وغاز و أنابيب بوتاجاز، كما نحتاج إلى استخدام المواصلات بأنواعها المختلفة سواء للنقل الداخلى أو السفر أو التليفون والموبايل، أو شراء بنزين للسيارات... وبما أننا نحتاج إلى خدمات الطبيب والمستشفى ونحتاج مدارس وجامعات لأولادنا، ونحتاج لاستخراج تصاريح وشهادات من جهات حكومية مختلفة، وبما أننا نحتاج فى الواقع الى شراء مئات السلع والخدمات بشكل متكرر، فإن فرض ضريبة تضاف على الثمن الذى ندفعه فى كل مرة يسوى بين الناس جميعا.. فالكل يدفع.. ومن يشترى أكثر يدفع أكثر. الاقتصاديون الذين يرون أن الضريبة على القيمة المضافة هى ضريبة العدالة، يقولون لنا إن الأمر أكثر عمقا من ذلك. فمنتج السلعة يحتاج إلى شراء آلات ومعدات وخامات ومستلزمات إنتاج مختلفة، وعندما يشتريها يدفع ثمنها مضافا إليه الضريبة. وعندما ينتهى من إنتاج السلعة و يقوم ببيعها تفرض الدولة ضريبة على ثمنها يتعين عليه أن يقوم بتوريدها للخزانة العامة. العدالة تقتضى إذن ألا يقوم بتوريد كامل تلك الضريبة بل يخصم منها الضرائب التى سبق أن دفعها عند شراء الآلات والمعدات والخامات ومستلزمات الانتاج (يدفع فقط على القيمة المضافة). يقولون أيضا إن هناك مشروعات كثيرة غير رسمية لا تتعامل بفواتير و لا تدفع ضرائب، وتتمكن بالتالى من بيع سلعها وخدماتها بثمن أقل من المشروعات الرسمية، وهو ما يخل بالمنافسة والعدالة. مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة يقول لنا إنه يحل هذه المشكلة. فعندما تقوم أى منشأة ببيع منتجاتها لمشروع لا يتعامل بفواتير ستضيف على ثمن البيع قيمة الضريبة + 3%. يعنى لو ثمن السلعة 100 والضريبة على القيمة المضافة 10% تباع البضاعة للمنشأة غير الرسمية بمبلغ 100 + 10+3= 113 جنيها. وبذلك يتصور مشروع القانون أنه قد تمت محاصرة المنشآت غير الرسمية وإجبارها على دفع ضرائب، وتحقيق العدالة بينها وبين المشروعات الرسمية. مبدئيا.. وبدون أى لبس، نحن مع تطبيق العدالة الضريبية، وتحقيق التنافسية بين المشروعات المختلفة. ولكن ماذا عن العدالة بالنسبة للمستهلك النهائى؟ فى النهاية كل مشروع سواء كان رسميا أو غير رسمى سيضيف الضريبة التى يدفعها على ثمن بيع السلعة أو الخدمة. يعنى فى الآخر الضريبة ستقع فى حجر المستهلك الذى سيتحمل قيمتها كاملة ويدفعها صاغرا، بل إنه هو فى الواقع الذى سيتحمل العقوبة المفروضة على المنشآت غير الرسمية والمتهربة من الضرائب! بجد.. أين العدالة فى ذلك؟ ثم إذا كانت الضريبة ستضاف على ثمن السلعة أو الخدمة فإن هذا يعنى رفع أسعار كل شىء وازدياد صعوبة الحياة للفقراء وأصحاب الدخل الثابت.. فما هو وجه العدالة فى ذلك؟ وزارة المالية تقول لنا إن تطبيق الضريبة على القيمة المضافة سيرفع المستوى العام للأسعار بنحو 1.3% فقط. طبعا وزارة المالية تتجاهل أن الاحتكارات لدينا ترفع سعر أى شيء أضعافا مضاعفة. وزارة المالية تتجاهل أيضا أن معدل التضخم حاليا يدور حول 10% بينما الزيادة المستهدفة فى بند الأجور بالموازنة العامة أقل من 5%، يعنى لا تكفى لتغطية الزيادة فى الأسعار سواء قبل أو بعد تطبيق الضريبة، فما هو وجه العدالة فى ذلك؟ طبعا مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة يترك باب الرحمة مواربا، و يؤكد إمكانية استثناء بعض السلع والخدمات بنص خاص، كما يشير إلى وجود قوائم بالسلع والخدمات المعفاة مرفقة بالقانون. إذن الأمل معقود على توسيع قائمة السلع والخدمات المعفاة لتشمل كافة السلع والخدمات التى تشكل حاجات أساسية للغالبية العظمى للمواطنين. إلا أن هذا الأمل يبدو ضعيفا فى ظل تصريح نائب وزير المالية بأنه إذا تم التوسع فى قائمة الإعفاءات فيجب أن تفرض الضريبة بسعر مرتفع حتى تتحقق الحصيلة المرجوة. وهذا هو فى الواقع مربط الفرس. الضريبة على القيمة المضافة هى ضريبة جباية.. ضريبة حصيلة. فطالما أن الناس لا يتوقفون عن شراء السلع والخدمات فى كل يوم وكل لحظة فسيستمر الدفع والجباية فى كل يوم وكل لحظة، وبذلك تكون الحصيلة مضمونة. الحكومة سبق أن أوضحت أن الزيادة المستهدفة من تطبيق تلك الضريبة خلال السنة المالية القادمة تدور حول 40 مليار جنيه. نقول للحكومة صحيح إنه فى دول العالم المختلفة توجد ضرائب تضاف على أسعار السلع والخدمات، إلا أن هناك بالأساس ضرائب مرتفعة على دخول وأرباح وثروات الأغنياء. وهذه هى العدالة. الضريبة على الدخل تصل إلى 40 % فى انجلترا وفرنسا وسويسرا، و 45% فى استراليا وألمانيا، و 50% فى اليابان و62% فى الدانمرك. الحكومة لدينا ترفض فرض ضريبة على الثروة، وخفضت الحد الأقصى للضريبة على دخول الأغنياء وكبار رجال الأعمال إلى 22.5%، وأوقفت الضريبة على الأرباح الرأسمالية للمتعاملين فى البورصة، وتعجز عن تحصيل الضرائب على دخول أصحاب المهن الحرة، ثم تريد تعويض كل ذلك بضريبة ترفع الأسعار على جمهور المواطنين. والأكادة يقول لك عدالة! لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى