فى رمضان الجميع يحرص على أن يكون عمله صحيحا ومتقبلا من الله عز وجل، لذلك تكثر فيه عن غيره من أشهر العام التساؤلات والاستفتاءات من قبل الصائمين حول أحكام الصيام وغيرها من المسائل، ومن ثم تكثر برامج الفتاوى فى الإذاعات والفضائيات، تيسيرا على السائل وإعانة للصائم على صحة صومه وتجنب ما يفسده. غير أن الأمر كثيرا ما تشوبه الحيرة والتردد من قبل السائلين: فوجوه كثيرة ومختلفة من العلماء تتصدر شاشات الفضائيات ليل نهار، بعضها معمم ويتزيون بالزى الأزهري، وآخرون غير معممين، وقد تجد فى المسألة الواحدة إجابات مختلفة ومتناقضة أحيانا، فهذا يقول بالجواز، وذاك بالمنع، وهذا يحرم وذاك يحلل، هذا يقول بصحة الصيام وهذا يراه غير صحيح..! وهكذا.فماذا يفعل السائل وإلى من يستمع ويأخذ فتواه؟ الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، يقول: جرت العادة أن الجميع يعلم أن هناك طبيبا للعيون وآخر للعظام وثالثا للكبد .. وهذا سائق وهذا كهربائى وهذا خباز، وهكذا..والذى يحتاج إلى طبيب عيون لا يذهب إلى متخصص فى الكبد ومن يريد نجارا لا يذهب إلى سباك، فهذا أمر محمود لأن المسلم الحقيقى هو الذى يعرف دينه ويريد أن يقف على الحقيقة ممتثلا لقول الله تعالى «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ». ولكن للأسف الشديد أن الفضائيات سوقت لأناس كثير منهم لا يعرفون عن الفتوى شيئا، ولم يتورعوا أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام دون أن يدروا، فى الوقت الذى أُمر المسلم فيه ألا يقول إنه حرام إلا إذا كان لديه نص ودليل قاطع امتثالا لقوله تعالى «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم». والعاقل هو الذى يسأل أهل العلم والفتيا، فهؤلاء هم الذين يستطيعون أن يجيبوه الإجابة السليمة. وأضاف الأطرش قائلا: ينبغى أن يكون هناك وعى لدى كل مسلم بكل ما يتعلق بأمور دينه لا يستسهل ولا يتكاسل، فليسأل المتخصص ولا يلتفت إلى الفضائيات الخادعة، فليس كل المعممين علماء وليس كل العلماء متخصصين فى كل المجالات، كما يجب على وسائل الإعلام والفضائيات ذات البرامج الدينية أن تتحرى فى الضيف الذى يحدث الناس فى أمور دينهم وتتأكد من تخصصه، ولطالما شاهدت بنفسى بعضا ممن يتربعون على شاشات الفضائيات ويتحدثون فى الفتوى يحملون ألقابا كرئيس سابق للجنة الفتوى أو وكيل سابق للأزهر، أو أنه من علماء الأزهر، وهو لم يكن يوما من الأيام يحمل أيا من تلك الألقاب، ولذلك يجب ملاحقة أمثال هؤلاء قضائيا فورا، لأنهم يضللون الناس ويزورون فى مناصب لم يتقلدوها من قبل. فإذا كنا نعاقب من يمتهن الطب وهو غير طبيب ومن يدعى أنه ضابط شرطة وهو غير ذلك، فمن باب أولى أن يعاقب من يتحدث فى الدين عن غير تخصص لأنه قد يلبس على الناس أمورا على خلاف ما أمر به الشرع.، ومعلوم أن الفتوى الخاطئة لها أثرها السيئ على نفوس العامة والخاصة، ويجب على الإعلام ألا يستضيف أو ينقل إلا عن العلماء الثقاة المتخصصين، ولا يروج لأصحاب الآراء الشاذة، فمن الذى روج لفتوى جواز التدخين بسيجارة أو اثنتين فى نهار رمضان، إنه الإعلام، وهو أيضا الذى روج للقائل بأن للفتى الحق فى أن يقبل الفتاة بالحرم الجامعي، وهو الإعلام الذى روج لمن يقول بجواز الصلاة فى الحمامات الحديثة بدعوى أنها الآن أصبحت مليئة بالفرش الفارهة، لكن هل هذه الفرش أخرجت الحمام عن كونه حماما!! فالإعلام الذى يروج لمثل هذه الفتاوى ولا يتورع عن نقل أمور الدين عن غير المتخصصين يصبح شريكا فى الإثم، إن لم يعدل عن ذلك. الدكتور حسين بودي، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بكلية أصول الدين بأسيوط، يقول: يجب أن يتنبه السائل إلى أن هناك فرقا بين الواعظ والداعية وبين الفقيه الذى يخبر بالفتوى وأصولها وضوابطها، فليس كل داعية فقيها أى ليس كل من يعظ الناس ويخطب فيهم يصلح لأن يفتى الناس بالحلال والحرام، وإن كان يمكنه أن ينقل إليهم بعض الأحكام العامة، دون الفتاوى الخاصة التى تختلف من مكان لمكان ومن زمان لآخر ومن شخص لآخر، فلا مانع من أن أستمع للدروس والبرامج الدينية من الجميع ما لم يكن محل شبهة فى توجهه، أما الفتاوى فلا يصلح فيها إلا العالم المتخصص فى الفقه والملم بمسألة الإفتاء، وحتى لا يضع السائل نفسه فى حيرة فالأولى له أن يستمع للعلماء المعتمدين من الأزهر فى مجال الفتوي، أو أن يرسل بمسألته إلى لجان الفتوى بدار الإفتاء الرسمية إذا اقتضى الأمر أو يرسل فتواه مسجلة إلى دار الافتاء فى خدمة الإفتاء عبر الأرقام المخصصة لذلك، وما يصدر عن أهل الاختصاص هو القول الفصل فى المسألة. فهناك علماء الأزهر المتخصصون وهناك لجان الفتوى بالأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية وخط ساخن بكل جهة يجيب عن أسئلة الجمهور بعدها بساعة أو ساعتين. وأضاف بودى أن السائل يجب أن يعلم أيضا أن هناك أمورا تتنوع فيها الأجوبة أى تتعدد الآراء بتعدد المذاهب الفقهية، ووجود أكثر من رأى فى المسألة الواحدة لا يعد قدحا فى العلماء الذين صدرت عنهم تلك الفتاوى بقدر ما يعد سعة من الشرع الحنيف ورحمة منه بأتباعه، وللسائل فى الأمور الخلافية أن يأخذ بأيها شاء ما دام الرأى يستند إلى أدلة شرعية ثبوتية ومحكمة، وصادر عن علماء متخصصين ثقات.