فى ظل شيوع ظاهرة تضارب الفتاوى عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت وصفحات » الفيس بوك«، وظهور فتاوى شاذة تحرم ما أحل الله وتنشر العنف والإرهاب والتكفير وتستبيح دماء الأبرياء استنادا إلى تلك الفتاوى الباطلة. جاءت مبادرة وزارة الأوقاف، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بتنظيم مؤتمر عالمى شارك فى أعماله مفتون ووزراء أوقاف من 41 دولة إسلامية وأجنبية، لتضع حدا لتضارب الفتوى ومواجهة الفكر التكفيري. وإذا كان المؤتمر قد أطلق مبادرة للتصدى لهذا الفكر وتوضيح صحيح الدين بالتنسيق بين الدول والمنظمات الإسلامية، فإن المناقشات الأبرز فى أعمال المؤتمر جاءت لتجيب عن عدة تساؤلات حول من يفتى للناس فى أمور دينهم؟ وما هى الشروط الواجب توافرها فيمن يتصدى لتلك المهمة الجليلة؟! ضوابط الإفتاء يقول الدكتور صبرى عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، إن علم الفقه من أهم العلوم الإسلامية لأنه يفرّق بين الحلال والحرام ولم يدخله تحريف أو تبديل، لأنه يقوم أصالةً على كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم،والعلماء هم ورثة الأنبياء، فلهم فضل كبير ولابد أن يكون المفتى بصيرًا بالأمور يتقى الله فى فتواه، ومن أجل هذا لا ينبغى أن ينصب نفسه للفُتيا إلا من تتوافر فيه خمس خصال، هي: أنْ تكون له نية فى الإفتاء ومخلصًا فيها، وأن يكون له علم وحلم ووقار، وأن يكون قويا متخصصًا حتى تكون فتواه سليمة وصحيحة، وأن يكون لديه الكفاية حتى يستغنى عما فى أيدى الناس، وأن يكون عالما بأحوال الناس . ويوضح الدكتور عبد الله النجار، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، أن الفقه بدأ مع نزول الوحى على سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، للإجابة عن تساؤلات المستفتين، وقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك فى قوله تعالي: »ويَسْتفتُونكَ فِى النّسَاء قُلِ الله يُفتِيكُم فِيهنّ«، ويقول أيضًا : «ويَسْتفتُونكَ قُلْ الله يُفتِيكُم فِى الكَلالَة»، ثم ورثها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين إلى يومنا هذا وقد استقرت هذه الأحكام ويعلمها المشتغلون بالفقه. وحول أحكام وآداب المفتى والمستفتي، يقول الدكتور رمضان محمد هيتمي، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن المفتى هو من يتصدى للفتوى بين الناس، ومن أهم الشروط التى يجب أن تتوافر فيه أن يكون أهلاً للفتوي، وأن يتورع عن الفتوى ما أمكنه ذلك ، ولا يحرص عليها، وعليه التثبت من الحكم قبل الفتوي، وعليه أن يحافظ على أسرار المستفتين، وأن يؤيد حكمه بالدليل حتى يكون حجة، وأن يكون متفرغًا للفتوي. وأوضح الدكتور سيف رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بطنطا، إنّ القرآن الكريم هو منهج حياتنا فى ديننا ودنيانا، فكان ولابد أن يصلَ هذا الهدى إلى قلوب الجميع، فكان من أمة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من يجيب عن أسئلة السائلين ويتخصص فى العلم الديني، كى يُبصر المسلمين بأمور دينهم، مؤكدًا أنّ التراث الفكرى الفقهى موجود فى الأمة الإسلامية، وقد نقله إلينا السابقون، وأئمة المذاهب قد قدّموا لنا الأحكام الشرعية ووضعوا ضوابط لمن يصلح للإفتاء وبينوا ما يتعلق بالمفتى والمستفتى معًا وخطورة الفتوى بدون علم. وأضاف: إن كل مذهب فقهى اتسم بالتطوير كان فى إطار معين، أمّا الظّاهرة التى دعت إلى هذا المؤتمر وهى قضية التكفير والفتوى بدون علم انتشرت فى بلادنا ،فهى مما يحتاج إلى معالجة علمية متخصصة، ويجب على السلطة المختصة وضع القوانين التى تمنع هذه الظاهرة من الانتشار، كما أن الإفتاء لا يتجزّأ، فهذا يفتى فى العبادات، والآخر فى المعاملات، والثالث فى الحدود.