تبدأ لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب إعداد تقريرها عن حصيلة مناقشات اللجان النوعية لمشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى – 2016- و2017- بعد غد الاحد ، وسط تصريحات لرئيس اللجنة حسين عيسى ، بانه لايمكن القبول بأى حال من الاحوال تمرير موازنة بها " عوار دستورى " بسب مخصصات الصحة والتعليم وعدم مطابقتها لما نص عليه الدستور من نسب محددة لهذين الملفين مما ينعكس بالسلب على أعتماد البرلمان لمشروع هذه الموازنة ويعرقل إقرارها الا بعد مطابقتها للدستور . المستشار الدكتور محمود سلامة نائب رئيس هيئة قضايا الدولة سابقا، يعقب على هذا الطرح بقوله إن الاستحقاق الدستورى الذى يشير إليه رئيس اللجنة وهو رفع الإنفاق الحكومى على مجالات الصحة والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى إلى -10%- من الناتج القومى الإجمالى طبقاً للدستور، وذلك فى ظل ما يعانى منه الاقتصاد المصرى من أزمة مالية حادة وعجز كبير فى الموازنة العامة للدولة ،ويشير نائب رئيس هيئة قضايا الدولة الى أن ما صرح به رئيس لجنة الخطة والموازنة بشأن وجود عوار دستوري، فى مشروع قانون الموازنة العامة للدولة محل نظر وغير دقيق، ويثير تساؤلاً جوهرياً حول طبيعة الحقوق التى هى محل الاستحقاقات الدستورية المشار إليها، ومن ثم طبيعة الالتزامات المترتبة على عاتق الدولة، فالنصوص الدستورية المذكورة وردت فى الفصل الأول من الباب الثانى من الدستور، وتتعلق بالمقومات الاجتماعية ومن ثم فإن هذه الحقوق هى حقوق اجتماعية، وبالتالى فإن ما ترتبه من التزامات على عاتق الدولة لا يتوافر له وصف الإلتزام بالمعنى القانونى المتعارف عليه، وليست فى حقيقتها سوى أهداف وغايات تسعى الدولة إلى تحقيقها فى إطار خططها التنموية ، وفى مقدمتها الإنفاق على الصحة والتعليم باعتبارهما من أهم دعائم التنمية. ومن المعلوم أن الحق فى الرعاية الصحية، والحق فى التعليم ، والحق فى البحث العلمي، هى من الحقوق التى كفلها العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأممالمتحدة عام 1966والمعمول به عام 1976، وصدقت عليه مصر عام 1981. ومن المقرر أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا تنفذ نفاذا فورياً بل نفاذاً متدرجاً ومتتابعاً، باعتبار أن مسئولية الدولة تجاه مواطنيها عن نفاذ هذه الحقوق مرهون بإمكاناتها وما تسمح بها مواردها، وأن الزمن يشكل عنصراً فى نفاذها ، وذلك لعدة أسباب هي: التزام الدولة تجاه مواطنيها. أولا: ما نصت عليه المادة - 2/1- من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أن " تتعهد كل دولة طرفاً فى هذا العهد بأن تتخذ بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، ولاسيما على الصعيدين الاقتصادى والتقني، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوت لضمان التمتع الفعلى والتدريجى بالحقوق المعترف بها فى هذا العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة ، خصوصاً سبيل اعتماد تدابير تشريعية، وتشير النصوص الأخرى الواردة فى العهد إلى مبدأ الأعمال التدريجى للحقوق المعترف بها فيه ، وذلك حين تتحدث عن التدابير المتخذة والتقدم المحرز للدول عن طريق احترام الحقوق الواردة فى العهد، والعوامل والصعوبات التى تمنعها من الوفاء الكامل بالالتزامات. ثانيا: ما نصت عليه المادة -10- من إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة حول التقدم والإنماء الاجتماعى الصادر فى الأول من ديسمبر - 1969 - والتى نصت على الحق فى الرعاية الصحية والحق فى التعليم وعلى النفاذ التدريجى لهذه الحقوق . ثالثا : أن المحكمة الدستورية العليا تعرضت لهذا الأمر فى ظل العمل بدستور 1971- فى حكمها الصادر فى القضية رقم - 30/16- بجلسة 6 إبريل 1996، وقد أوردت فى حيثيات حكمها ما نورده نصاً لأهميته حيث قالت "...أن ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا يكون إلا من خلال تدخل الدولة إيجابياً بتقريرها عن طريق الاعتماد على مواردها الذاتية التى تتيحها قدراتها، بما مؤداه " أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هى التى تناهض الفقر والجوع والمرض"، ويستحيل بالنظر إلى طبيعتها صونها لكل الناس فى إن واحد، بل يكون تحقيقها فى بلد ما مرتبطاً بأوضاعها وقدراتها ونطاق تقدمها، وعمق مسئولياتها قبل مواطنيها وامكان النهوض بمتطلباتها، فلا تنفذ هذه الحقوق نفاذاً فورياً بل تنمو وتتطوروفق تدابير تمد زمناً وتتصعد تكلفتها بالنظر إلى مستوياتها وتبعاً لنطاقها، ليكون تدخل الدولة إيجابياً لإيفائها متتابعاً ، واقعاً فى أجزاءً من إقليمها إذا أعوزتها قدراتها على بسط مظلتها على المواطنين جميعاً". تفسير النصوص الدستورية كان الدستور ليس مجرد وسيلة لكفالة الإلتزام للحقوق الاجتماية ، بقدر ما هو وسيلة لإقامة نظام يستجيب لمقتضيات إطاره الاجتماعية، وهو ما يقتضى عند تفسير النصوص الدستورية المذكورة حملها على المعنى الذى يكفل اتساق أحكامها مع المبادئ التى تسود وتوجه حركة تطور القانون المنظم للحقوق العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحظة تطبيق النصوص. ومؤدى ما تقدم من بيان وإيضاحات بشأن طبيعة الاستحقاقات الدستورية الخاصة بالتعليم والصحة، وطبيعة التزام الدولة بشأنها، فإن مشروع الموازنة العامة للدولة يكون بريئا من أية مخالفة دستورية.