انفجارات ضخمة تهز كييف ومدنا أخرى وصفارات الإنذار تدوي في جميع أنحاء أوكرانيا    منتخب مصر في كأس العالم 2026: مواعيد وأماكن المباريات    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى مصر القديمة دون إصابات    آمال ماهر تتألق بأغانى من السنة للسنة ولو كان بخاطرى فى مهرجان الفسطاط.. صور    «آخرساعة» تكشف المفاجأة.. أم كلثوم تعلمت الإنجليزية قبل وفاتها ب22 عامًا!    الداخلية تكشف حقيقة تغيب فتاة الشرقية وتحدد مكانها خلال ساعات    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    إعلام فلسطيني: طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف شرق مدينة غزة    كان مشهدا فظيعا، جسيكا ألبا تكشف سبب ظهورها عارية في فيلم "الأربعة المذهلون"    6 أفلام صنعت أسطورة أم كلثوم في السينما.. حكايات نادرة من رحلة الكوكبَة على الشاشة    بوتين: نسعى لعالم متعدد الأقطاب للحفاظ على هوية الدول واحترام سيادتها    «تصدير البيض» يفتح باب الأمل لمربي الدواجن    رغم العزوف والرفض السلبي .. "وطنية الانتخابات" تخلي مسؤوليتها وعصابة الانقلاب تحملها للشعب    عاجل.. صدام قوي بين الجزائر والبحرين اليوم في كأس العرب 2025 وتفاصيل الموعد والقنوات الناقلة    حفل توقيع كتاب «حوارات.. 13 سنة في رحلة مع البابا تواضروس» بالمقر البابوي    عمرو مصطفى وظاظا يحتلان المرتبة الأولى في تريند يوتيوب أسبوعًا كاملًا    بدائل طبيعية للمكمّلات.. أطعمة تمنحك كل الفائدة    قائمة أطعمة تعزز صحتك بأوميجا 3    منافس مصر – لاعب بلجيكا السابق: موسم صلاح أقل نجاحا.. ومجموعتنا من الأسهل    قائمة بيراميدز - عودة الشناوي أمام بتروجت في الدوري    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    خبير اقتصادي: الغاز الإسرائيلي أرخص من القطري بضعفين.. وزيادة الكهرباء قادمة لا محالة    أيمن يونس: منتخب مصر أمام فرصة ذهبية في كأس العالم    اليوم.. محاكمة عصام صاصا و15آخرين في مشاجرة ملهى ليلي بالمعادي    أولى جلسات محاكمة مسؤول الضرائب وآخرين في قضية رشوة| اليوم    الأردن يرحب بتمديد ولاية وكالة الأونروا حتى عام 2029    رويترز: تبادل إطلاق نار كثيف بين باكستان وأفغانستان في منطقة حدودية    النائب عادل زيدان: التسهيلات الضريبية تدعم الزراعة وتزيد قدرة المنتج المصري على المنافسة    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    النائب ناصر الضوى: الإصلاحات الضريبية الجديدة تدعم تحول الاقتصاد نحو الإنتاج والتشغيل    وكيلة اقتصادية الشيوخ: التسهيلات الضريبية الجديدة تدعم استقرار السياسات المالية    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    وفاة عمة الفنان أمير المصري    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    محمد موسى يكشف كواليس جديدة عن فاجعة مدرسة «سيدز»    «بيصور الزباين».. غرفة تغيير ملابس السيدات تكشف حقية ترزي حريمي بالمنصورة    البلدوزر يؤكد استمرار حسام حسن وتأهل الفراعنة فى كأس العالم مضمون.. فيديو    "بعتيني ليه" ل عمرو مصطفى وزياد ظاظا تتصدر تريند يوتيوب منذ طرحها    مسئول أمريكى: قوة الاستقرار الدولية فى غزة قد تُصبح واقعًا أوائل عام 2026    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    تباين الأسهم الأوروبية في ختام التعاملات وسط ترقب لاجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل    رسالة بأن الدولة جادة فى تطوير السياسة الضريبية وتخفيض تكلفة ممارسة الأعمال    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    بيل جيتس يحذر: ملايين الأطفال معرضون للموت بنهاية 2025 لهذا السبب    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    جامعة الإسكندرية تحصد لقب "الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا" لعام 2025    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد رفعت.. إمام المبدعين
«الأهرام» تكشف تفاصيل أول مشروع لتوثيق تراثه تقوم به مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع حفيدته

هو صاحب الصوت الملائكى الذى هز ولايزال أوتار قلوب الملايين فى العالم وكأنه ليس صوتا يقرأ بقدر ما هو روح تسبح وتتعبد وتثير داخل النفس حقائق التدبروالخشوع ، إذ تعد تلاوة الشيخ محمد رفعت رحمه الله أصدق وأعذب ما تكون التلاوة فتتنقل بالمستمع بين شواهد التوحيد وبديع خلق الله فى الوجود و أصدق القصص والأحاديث حتى ليود المستمع لو لم تنته هذه التلاوة من فرط ما بها من "حلاوة" و"طلاوة" وما تفعله فى النفس من سمو وعلو.
ولطالما أضفى الشيخ الجليل محمد رفعت الذى يحمل العديد من الألقاب مثل "قيثارة السماء" و"صوت من الجنة" و الذى افتتح الإذاعة المصريةعام 1934 بصوته الذهبى مذاقا مميزا على مدى عشرات السنين لشهر رمضان الكريم عبر تلاواته القرآنية وأذانه المميز الذى يرتقبه المسلمون فى كل مكان مع حلول المغرب لتناول الإفطار، ليشهد شهر رمضان هذا العام انطلاق أول توثيق لتراثه وحياته وعطائه الطويل تجريه مكتبة الاسكندرية بالتعاون مع أحفاده فى مشروع ضخم ينفرد "الأهرام" بتفاصيله، وما سيضمه من صورفوتوغرافية نادرةووثاثق ومخطوطات ومواقف وحكايات وحتى "الكرامات"التى سيرويها فيلم تسجيلى ستقدمه المكتبةفى إطار المشروع الذى يعد فى واقع الأمر احتفاء بمدرسةالتلاوة المصرية التى تتميز بحالة من التفرد بين كل المدارس الأخرى، للصلة الوثيقة التى تجمع بينها وبين فطرة النفس الإنسانية القائمة على المزج بين البساطة والعمق والصدق.كما تكشف الكنوز التى عثرت عليها الأسرة عن الكثير من الحقائق والتفاصيل عن الحياة المصرية فى مرحلة تعد من أكثر مراحل التاريخ المصرى ثراء وزخرا بالأحداث والثقافة والفنون، فمن ضمن ما تزيح الستار عنه الأوراق والصور كيف كانت تتمتع مصر بالوسطية فى الإسلام وبالتواصل والتعايش بين كل فئات المجتمع إلى الحد الذى كان يشكل فيه نجوم الفن والشعر والغناء جانبا مهما من معارف الشيخ الذى كان يقيم فى بيته منتدى أدبى وثقافى تحضره هذه النجوم .
ويصف أيمن منصور نائب مدير المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية التوثيق بأنه أحد أهم المشروعات التى تقوم بها المكتبة نظرا للقيمة الكبيرة للشيخ الذى يحتل مكانة عظيمة فى قلوب وعقول مستمعيه داخل مصر وخارجها ،من خلال قراءته العذبة الخاشعة كما أنه يعد رائد مدرسة التلاوة المصرية التى ملأت ربوع العالم وتألقت فيها نجوم كثيرة، وللأسف تعد الدراسات التى تناولت تاريخ هذه المدرسة محدودة الأمرالذى يزيد من أهمية المشروع حيث يعد توثيقا للمدرسة فى جوهرها من ناحية وتوثيقا لحياة الشيخ وتراثه من ناحية أخرى، خاصة أن حفيدته السيدة هناء قامت بتسليمنا جانب مهما بحوزة الأسرة من كنوز، ولا يزال التواصل بيننا مستمرا لتسلم المزيد مثل الصورالشخصية والعائلية وبعض الصور في حفلاته ومرضه وخطابات معجبيه ومتابعيه وبعض المقالات والحوارات والموضوعات الصحفية، شديدة الندرة التى نشرت عنه ومعه، ومجموعة من العقود بينه وبين الاذاعة المصرية، وخطابات وصلته من محبيه وعقد الاتفاق معه على افتتاح الاذاعة عام 1934خلال الحفل الذي اقيم بهذه المناسبة في دار الأوبرا، وستوالي المكتبة البحث في أرشيف الشيخ عن الكنوز التي طواها عنا الزمن لتكشف الجديد عن أروع من قرأ آيات الذكر الحكيم في القرن العشرين، فقد استطاع بصوته العذب أن يغزو القلوب والوجدان في قراءة عذبه خاشعة.
وسنبدأ بمعرض يضم بعض هذه الوثائق فى أول أسبوع من شهر رمضان ببيت السنارى بالقاهرة وندوة ستشارك فيها حفيدته تحت عنوان "ليلة في حب الشيخ محمد رفعت" داخل بيت السنارى أيضا ، بحضور العديد من الشخصيات العامة وستذاع بتلك الليلة بعض التسجيلات النادرة له.أيضا سنقوم بضم الوثائق لذاكرة مصر المعاصرة لتبقى على مر العصور فى الذاكرة الإنسانية و سننتج فيلما وثائقيا عن حياة الشيخ سيشمل حياته ورحلته فى التلاوة وستروى حفيدته الكثير من الحكايات والمواقف النادرة التى سينتظرها محبوه فى شغف خاصة أن الكثيرين منهم لا يعرفون عنه شيئا رغم حبهم لصوته ،وقد جمعتها الحفيدة والأسرة من خلال روايات آبائهم أى أبناء الشيخ رفعت رحمهم الله ومن المحبين والوثائق التى تركها الشيخ ويعثرون عليها كلما نقبوا فى البيت من حين إلى آخر. .
"الأهرام" التقى حفيدة الشيخ السيدة هناء حسين محمد رفعت للتعرف على المزيد من تفاصيل المشروع و لتكشف لنا عن بعض الأسرار قبل أن يرى المشروع النور ويدخل فى حيز التنفيذ مع بداية شهر رمضان لنكتشف أنها هى نفسها الحفيدة تشكل مشروعا توثيقيا متكاملا أو كتابا يضم بين دفتيه أدق التفاصيل المرتبطة بالشيخ حياته صوته قراءاته عطائه كراماته ومواقفه العظيمة وبدأت كلامها قائلة : الاهتمام بالتوثيق يعود إلى أبناء الشيخ أى آباؤنا وبدأت حكاية التوثيق قبيل وفاته انطلاقا من رغبتهم ان يبقى صوت الشيخ فى الحياة لا يموت ،خاصة أنه لم يكن يوجد فى الماضى هذه الوسائل المتداولة مثل الانترنت لذلك فكروا فى التوثيق، وكان أكثر ما يشغلهم هو التسجيلات الصوتية ولكن للأسف كان لدى الإذاعة المصرية 3 تسجيلات فقط، حيث كان الشيخ يقرأ على الهواء فى الإذاعة ولا يتم تسجيلها ، وما كان لدى الأسرة من تسجيلات تعد قليلة للغاية ،حتى حدثت المفاجأة وهى بسبب تحقيق نشرته إحدى الصحف عن الشيخ جاء فيه صحفى والتقى بالشيخ حاملا مبلغا ماليا ضخما ، تم جمعه من أحبائه فى أثناء مرضه فى سنواته الأخيرة للمساعدة فى علاجه من مرضه الخطير، الذى كان قد أصيب به ،والتقطت له صورة بجوار الشيخ الذى كان طريح الفراش، لكن رفض الشيخ المبلغ وقال "قارئ القرآن لا تجوز عليه الصدقة أعطوها لمن يستحقها "، وقرأالتحقيق أحد محبى الشيخ وهو زكريا باشا مهران ،وعرف بمرض الشيخ وكان الباشا يسجل له جميع قراءاته فى حياته منذ عام 1934، ذلك دون أدنى معرفة به ودون أن يلتقيا وجها لوجه ، ولم يكن الشيخ بطبيعة الحال يعرف شيئا عما يفعله الباشا الذى ما أن قرأ الريبورتاج حتى أسرع بتسليم إحدى الاسطوانات التى بحوزته وكانت تحمل تسجيلا لسورة طه إلى الإذاعة المصرية وسألوه هل تريد مطالب مادية، فرفض الباشا وقال لهم سأسلمكم المزيد دون أى مقابل ، فقط ما أريده أن تخصصوا معاشا ثابتا للشيخ رفعت الذى يرفض أى مساعدات مالية من أى شخص على وجه الأرض ، لكن هذا سيكون حقه ان يحصل على معاش منكم لآنكم مؤسسة عامة عمل بها كقارئ، لكن سرعان ماتوفى الشيخ ولم يلحق المعاش ، وبقى أن أبناءه قد عرفوا أنه يوجد من يقتنى اسطوانات لقراءات الشيخ، فقرروا التواصل مع الباشا لكنهم فوجئوا بوفاته فتوجهوا إلى زوجته السيدة الفاضلة زينب هانم مبارك وهى تنتمى لعائلة عريقة فوافقت على منحها للأسرة دون أى مقابل قائلة "إنها ملككم وتخصكم لأنها لأبيكم ".
وتقول: هكذا وصلت إلينا التسجيلات بطريق المصادفة ، وكانت هامة للغاية لكنها كانت تحمل تسجيلات منزلية "مكسرة " تحتاج إلى الكثير من العمل والتقنية العالية لتنقية الصوت وفلترته ووضوحه ، فتحول ابى وأعمامى إلى فريق عمل يقومون كل يوم بعد الانتهاء من عملهم بالتوثيق ، فذلك يخصص مبلغا ماليا وذاك يذهب للاستديو لمتابعة العمل والتشاور مع المهندس، وكان أبى يسهر لترميم بعض الاسطوانات ، فمن الطبيعى أن الباشا وهو يقلب بعض الاسطوانات كان يطير من التسجيل حرف أو كلمة ، صحيح أن الإذاعة استعانت بفضيلة الشيخ ابو العينين شعيشع، لاستكمال قراءة الحروف أو الكلمات الضائعة لكن مع الاعتزاز به فإن صوته كان بعيدا عن الشيخ رفعت ، فألهم الله أبى أن يكمل الحروف والكلمات الطائرة بصوت الشيخ رفعت نفسه من خلال الاستعانة بكلمات أخرى من قراءات الشيخ رفعت مثلا كلمة مثل كلمة الأنبياء إذا اكتشف أنها سقطت من التسجيل يقوم بالاستعانة بحروفها المختلفة من كلمات أخرى من قراءات الشيخ، بشرط ان تنتمى لنفس المقامات أى كان يعتمد على ما يمكن وصفه بأسلوب " القص واللصق " يأخذ حرف من كلمة ما وحرف ثان من كلمة أخرى، وهكذا حتى يجمع الكلمة التى سقطت من التسجيل وهى عملية شاقة للغاية ساعده فيها أحد محبى الشيخ وهو صفوت عكاشة الذى درس المقامات فى شبابه خصيصا لمحاولة توثيق تراثه و تنقية الاسطوانات وترميمها ، حتى انتهى أبى من 30 ساعة تسجيل.
وتضيف قائلة: وكلما كان ينتهى من اسطوانة كان يسلمها للاذاعة ،وبعد وفاة أبى وأعمامى توقف مشروع ترميم الاسطوانات لفترة حتى عدنا مرة أخرى نحن الأحفاد للتوثيق منذ حوالى 15 سنة نحاول تنقية الصوت بشكل أفضل بعد تقدم التقنيات، ولا يزال يساعدنى للآن صفوت عكاشة الذى تقدم فى السن الآن لكنه يصر على مواصلة مشواره ويعد أحد أحفاد الشيخ ، من فرط حبه له وحرصه على المشاركة فى مشروع التوثيق ، ويقوم بالمونتاج والحفاظ على المقامات ، وقد أنقذنا ونقينا حتى الآن 10 ساعات من ضمن 30 ساعة تسجيلات هى ما لدينا ، وما دفعنا الى ذلك حبنا وتقديرنا للشيخ ولأنه جزء من التراث الانسانى الذى يستحق إحياء ذكراه وتعريف الأجيال الجديدة به ،وبصوته الذى طالما أدى إلى تعميق إيمان الكثيرين ، وهداهم إلى الطريق الحق، وسنستمر برغم الصعوبات حتى أننا أحيانانقضى 8 ساعات لكى نخرج بربع ساعة تسجيلات نقية ، و نهدف إلى توثيق 30 ساعة جديدة بجانب ما وثقه أبى وقمنا بإعادة تنقيته و" فلترته " كما ذكرت .
وعندما اتصل بى مسئولون بمكتبة الاسكندرية يبلغوننى بأن المكتبة تريد توثيق كل ما يخص الشيخ، سلمتهم الكثير مما بحوزتنا وبالطبع سعدت بالفكرة للغاية، رحبت بها وبدأنا بالفعل فى الخطوات ،ووضعنا الخطوط العريضة للفيلم الوثائقى ،وما أتمنى بحق مساعدتى فيه هو الانتهاء من تنقية الاسطوانات وترميمها لتصبح جاهزة بأقصى درجات نقاء الصوت ووضوحه الممكنة من خلال الإمكانات الفنية والتقنية العالية التى يتمتعون بها،ولا تتوافر بطبيعة الحال لأى استديو خاص يمكننى التعامل معه، مع الوضع فى الاعتبار أن هناك من عرض علينا من محبى الشيخ المساعدة المالية فى التوثيق، لكننا رفضنا مساعدات الأفراد بأى أموال، لأن ما رفضه محمد رفعت فى حياته لن نقبله نحن بعد وفاته والأمر يختلف بطبيعة الحال مع المكتبة التى تعد جهة مصرية عامة لها طابع دولى.
ولا تتوقف التفاصيل و الحكايات التى تعرفها السيدة هناء حفيدة قيثارة السماء عن جدها فتعود بنا إلى بداياته قائلة: ولد فى درب الأغوات فى 9مايو 1882 وتوفى فى 9 مايو1950 ولد مبصرا وكان جميل الصورة ومن فرحة أبيه به كان يحمله بشكل دائم ،ويقال إنه تعرض للحسد فى عمر عامين وأن سيدة رأته وقالت" أن هذا ليس جمال ناس عاديين إنه جمال ملوك ذلك الذى يشع من عينيه" فأصيب فى اليوم التالى بالرمد ، ولم يكن الطب فى هذه المرحلة قد تقدم بعد فأدى ذلك إلى فقد البصر وهنا قرر والده أن يحفظه أجزاء من القرآن ثم ألحقه بكتاب بشتك الملحق بجامع فاضل باشا فى درب الجماميز ، وهو الجامع الذى بقى يقرأالقرآن فيه حتى آخر سنواته ، وعرف باسمه، وكان الشيخ الذى يحفظه هو أول من اكتشفه واسمه محمد حميده ، حيث وصف صوته بأنه مميز مما يؤكد أنه كان مختلفا بين أقرانه منذ الصغر ، ثم تلقى دروسا فى تفسير القرآن وتعلم فن التجويد على يد أستاذة عظام مثل الشيخ السمالوطى، وبدأ الشيخ يعٌرف تدريجيا قبل ظهور الإذاعة لصوته الجميل ، ولجأ إلى القرآن الكريم يعتصم به ولا يرزق منه وبدأ التجار والأعيان من الأرياف يحرصون عندما ينزلون القاهرة على حضور قراءات الشيخ بالجامع خاصة قبل صلاة الجمعة ،الى حد أن المسجد أصبح يمتلئ بمحبيه وأضحى العثور على مكان داخله من أصعب الأمور، فكان هناك من يذهب فى الثامنة صباحا ليلحق بمكان ، هذه الحكاية أكثر من كان يرددها هو الشاعر الكبير كامل الشناوى،و كان بيته وراء بيت الشيخ رفعت وهكذا ذاع صيته حتى رشحه البرنس محمد على لافتتاح الاذاعة المصرية عام 1934 فقرأ "إنا فتحنا لك فتحا مبينا " وأصبح قارئا للقرآن بها ،واستشار علماء الأزهر بعدم تعارض ذلك مع أحكام الدين ، ويتضح من أرشيف الشيخ مدى المنزلة التي وصل إليها.
ولعل نشأة الشيخ وحياته التي كانت في عصر مليء بالثقافات كان له أكبر الأثر في ثقافته وموهبته ، فكانت كل هذه المؤثرات بمثابة مخزون لدى الشيخ حيث طوعها في تطوير مكوناته الفنية والثقافية وتطوير أدواته الصوتية وإثراء خبراته الأدائية، فصب ذلك كله فى حلاوة صوته فلم يكتف بذلك انما اتجه لصقل موهبته بدراسة المقامات الموسيقية وتعلم العزف على العود وحفظ الكثير من الأدوار والقصائد الدينية ولم يكتف بالموسيقى الشرقية إنما امتلك جهازإسطوانات ليستمع إلى أعمال المؤلفين الغربين أمثال فاجنر ونيكولو باجانينى وباخ وموزار وفرانز ليست، ونحن لدينا من ضمن مالدينا من تراث له إسطوانات لهؤلاء الموسيقيين العالميين كما أن مكتبته كانت تضم كتبا فى مختلف المجالات، وليس العلوم الدينية وحدها، وهو مايثبت كيف كان الشيخ معتدلا غير متزمت مما يوثق لمصر فى هذه المرحلة الزمنية حيث إسلام الوسطية الخالى من التعصب والتشدد والدليل على ذلك أن بيته، وهو الشيخ العظيم الذى لا يختلف اثنان على عمق ايمانه كان يشهد اقامة منتدى أو صالون ثقافى وفنى بشكل دورى، ويشارك فيه شخصيات معروفة من كل الاتجاهات والأديان مثل الموسيقار عبد الوهاب وكامل الشناوى والآنسة أم كلثوم مع أبيها وجورج أبيض ونجيب الريحانى وبديع خيرى وزكريا أحمد و الآنسة ليلى مراد وأبيهاوقد كانا يهوديان كما نعلم قبل أن تعلن الفنانة إسلامها، بل كان للشيخ رفعت أصدقاء من القساوسة والرهبان فقد حكى لى أبى كيف كانوا يحبون صوته وطريقة قراءته بصرف النظر عن اعتقادهم الدينى فما يهمهم، هو الصوت النادر والصدق الشديد والحالة الروحانية التى تأخذهم إلى عالم من السمو العظيم.
وكانت هناك شخصيات أجنبية لا تعرف حتى اللغة العربية يزورونه للاستماع إلى صوته فينبهرون به، ومن ذلك أحد الضباط الكنديين الذى جاء إلى مصر والتقى الشيخ وحرص على التقاط صورا فوتوغرافية مع الشيخ ومع أبنائه.ومما يدل أيضا على أن الشيخ يعد قدوة للشباب فى الفهم الصحيح للدين بعيدا عن المفاهيم الخاطئة المتطرفة التى تقول أن الانتماء للدين وحده ولا يوجد ما يسمى وطن،أن الشيخ كان شديد الانتماء لمصر الى حد انه كان يرفض تماما الخروج منها فرفض عروضا مغرية كافتتاح القسم الموجه للعرب فى إذاعات بريطانيا وبرلين، ورفض عرض قدمه له ذات يوم مهراجا هندى عن طريق الموسيقار عبد الوهاب لإحياء ليالى شهر رمضان فى الهند مقابل 100 جنيه فى اليوم، وهو مقابل ضخم فى هذا الوقت بالطبع رغم إن الموسيقار أخبره أنه سيكون معه ولن يفارقه لحظة هناك إلا أنه قال لا أترك بلدى ، كما أنه أصر على إحياء الليالى الثلاث لوفاة الملك فاد كواجب وطنى رافضا الحصول على مقابل مالى إلى أن أرسل إليه القصر رسول يقول له هدية الملوك لا ترد ولا ينبغى أن ترفض ما يقدمه لك الملوك. كما يعد نموذجا للتواضع وإيثار البسطاء على علية القوم فقد فضل ذات يوم كما يروى لى أبى القراءة فى مناسبة تخص جاره على القراءة فى ليلة من ليالى الملك فاروق فى قصر عابدين!
وحول حياة الشيخ رفعت فى رمضان تقول هناء موضحة "اعتبر أن شهر رمضان كان طوال السنة فى بيته فبالطبع كانت قراءة القرآن الكريم مستمرة فى البيت وإطعام المحتاجين طقس يومى فى إحدى غرف الدور الأول ،حيث كان مفتوحا وكان يوميا يدخل الخلوة وهى غرفة يصلى فيها ويقرأ القرآن ويدعو الله عز وجل بالمغفرة والرحمة وكان من فى البيت يسمعون دعاءه وبكاءه وهو يناجى ربه ،
.ويبقى السؤال حول سر كل هذا الحب والانجذاب للشيخ محمد رفعت على مر الأجيال.. هل هى حلاوة الصوت وحدها وما يرتبط به من صدق وعمق وثقافة أم أن هناك أسبابا أخرى خفية بين ثنايا ذلك كله؟
وجهت السؤال لمحدثتى فأجابت قائلة: ينبعى أن نلتفت لحقيقة مهمة وهى أن الشيخ رفعت يمثل فترة زمنية تعد من أجمل فترات مصر كانت زاخرة بالكثير من الجمال والصدق الإنسانى والطرب والموسيقى والشعر والعلاقات الاجتماعية شديدة الرقى والسمو ، وأيضا اعتبر أن أحد أهم أسرار تعلق الناس به هو ذلك الشجن الجميل و مسحة الحزن و"الحنية" التى يتميز بها صوته المتفرد .
هناك من بين الأصوات التى سمعناها - وما أكثرها- صوت يقف فريدا غريبا باهرا ، وسر غرابته - فى رأى العبد لله - أنه أستمد طبيعته من جذور الأرض ،إنه صوت المرحوم الشيخ محمد رفعت ..صوت الشعب .. فمن أصوات الشحاذين والمداحين والباعة الجائلين ، أستمد المرحوم الشيخ محمد رفعت صوته . فخرج مشحونا بالأمل والألم ، مرتعشابالخوف والقلق .. عنيفا عنف المعارك التى خاضها الشعب .. عريضا عرض الحياة التى يتمناها .. ولذلك كتب لهذا الصوت البقاء وسيظل إحدى علامات الطريق فى تاريخنا الفنى الطويل .
محمود السعدنى " الحان السماء "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.