يمثل الاقتصاد أحد أركان العلاقات التاريخية المتميزة بين مصر والصين، فخلال لقائهما التاريخى فى باندونج عام 1955، اتفق الزعيمان الراحلان جمال عبد الناصر وشواين لاى، رئيس مجلس الدولة الصينى فى ذلك الوقت، على أن تكون التجارة باب مرور التقارب بين القاهرةوبكين للوصول إلى العلاقات الدبلوماسية، فتم تبادل افتتاح المكتبين التجاريين فى القاهرةوبكين قبل السفارتين، وما زال التبادل التجارى والاستثمارات من بين أهم ملفات العلاقات الثنائية بين مصر والصين. وقد كان التواصل الأول بين مصر وجمهورية الصين الشعبية قبل لقاء عبدالناصر وشواين لاى تجاريا، ففى ابريل 1953 بعثت القاهرة أحد رجال الأعمال المصريين إلى الصين لبحث المسائل التجارية بين البلدين، وعرض على المسئولين فى بكين استيراد القطن المصرى، بعد تهديدات الغرب بعدم استيراده لضرب الاقتصاد خلال معركة تمويل بناء السد العالى، وقد وافق شواين لاى رئيس مجلس الدولة الصينى على استيراد القطن المصرى، رغم عدم حاجة الصين إليه فى ذلك الوقت. ما بعد باندونج بعد لقاء عبدالناصر وشواين لاى فى باندونج، تسارعت وتيرة اللقاءات بين المسئولين من مصر والصين، وفى مايو 1955 زار وزير الأوقاف أحمد حسن الباقورى بكين، ليكون أول وزير مصرى يزور الصين رسميا، وقد استقبله شواين لاى، كما أجرى وزير التجارة الخارجية الصينى يه جى تشوانج محادثات مع الباقورى، وتوصلا إلى اتفاقات للتعاون الاقتصادى والتجارى بين البلدين. وفى أغسطس من العام، نفسه زار وزير الصناعة والتجارة محمد أبو نصير الصين، ووقع بروتوكول تعاون تجارى مع الجانب الصينى ينص على إنشاء كل طرف مكتبا تجاريا له لدى الطرف الآخر، وتبادل الجانبان الوثائق وتم إقرارها، وحسب الاتفاق، كان يحق للمكتب التجارى رفع العلم الوطنى والشعار الوطنى واستخدام الشفرة، وأن يتمتع رئيس المكتب ونائبه والوثائق الرسمية والمحفوظات للمكتب بالحصانة، ووصل الممثل التجارى الصينى لى ينج جى ونائبه تشانج يويه إلى مصر فى 24 من ديسمبر 1955، وحملا رسالة من رئيس مجلس الدولة شواين لاى إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وفى يناير 1956 تم افتتاح المكتب التجارى الصينى لدى مصر بشكل رسمى، وفى فبراير من العام نفسه وصل الممثل التجارى المصرى مدحت الفار إلى بكين، حيث افتتح المكتب التجارى المصرى. اقتصاد الشراكة شهد ملف العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد توقيع اتفاقية رفع مستوى العلاقات بين القاهرةوبكين إلى الشراكة الاستراتيجية، خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى بكين فى ديسمبر 2014، حسب الدكتور أيمن على عثمان، الوزير المفوض التجارى رئيس المكتب الاقتصادى التجارى المصرى فى الصين، حيث زاد حجم التبادل التجارى بين البلدين كما زاد حجم الاستثمارات الصينية وعدد الشركات المستثمرة فى مصر. وفى تصريح خاص ل«الأهرام»، يوضح الدكتور أيمن على عثمان أن حجم التبادل التجارى بين مصر والصين بلغ عام 2015 نحو 13 مليار دولار أمريكى، بزيادة قدرها 11% عن عام 2014، وهى أعلى قيمة يصل إليها حجم التبادل التجارى بين البلدين، لكن مازال التفوق للصادرات الصينية إلى مصر، حيث وصلت قيمتها إلى حولى 12 مليار دولار فى عام 2015، مقارنة ب10.5 مليار دولار عام 2014، وتتمثل أهم الصادرات الصينية لمصر فى الهواتف بأنواعها (المحمولة – الإلكترونية- اللاسلكية)، والقماش، وخلائط الصلب، والملابس الجاهزة، فيما تتركز الصادرات المصرية إلى الصين فى عدد محدود من البنود الجمركية، مثل الرخام والجرانيت ومحضرات التشحيم، والموالح، والقطن، وخامات الحديد، بالإضافة إلى الصادرات البترولية (الزيوت النفطية)، وقد وصل إجمالى الصادرات المصرية للصين خلال 2015 إلى مليار و116 مليون دولار أمريكى. وأشار الوزير المفوض التجارى رئيس المكتب الاقتصادى التجارى المصرى فى الصين، إلى أنه من المتوقع أن تشهد الواردات المصرية من الصين تراجعا خلال العام الحالى، فى ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادى للصين، وكذلك بعد قرار وزير الصناعة والتجارة بشأن تسجيل المصانع المؤهلة للتصدير لمصر، وهو الأمر الذى قد يقلل من عدد المصانع الصينية المصدرة للسوق المصرية. الاستثمارات والسياحة شهدت حركة السياحة الصينية لمصر زيادة كبيرة فى عام 2015، حيث بلغ عدد السائحين الصينيين الذين زاروا مصر 115 ألف سائح، بزيادة تجاوزت 80% عن العام السابق 2014، وبزيادة 15% على 2010 الذى يعتبر عام الذروة للسياحة المصرية، حيث زار 100 ألف سائح صينى مصر خلال ذلك العام، ومن المتوقع أن يصل عدد السياح الصينيين الذين سيزورون مصر خلال عام 2016 إلى 200 ألف سائح. وحول حجم الاستثمارات الصينية فى مصر، يقول الدكتور أيمن على عثمان إنها بلغت حتى نهاية شهر ديسمبر الماضى 545 مليون دولار أمريكى، وتحتل الصين المركز ال23 بين الدول المستثمرة فى مصر، بإجمالى 1250 شركة، تتنوع بين العمل فى المشروعات الصناعية بنسبة 68%، والخدمات التمويلية 15%، وفى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 9%، ونسبة ال8% الباقية للقطاعات الأخرى، وأشار عثمان إلى أن الاستثمارات الصينية فى مصر ستشهد زيادة خلال الفترة المقبلة، خصوصا مع اهتمام الشركات الصينية بالاستثمار فى محور تنمية قناة السويس، وأوضح فى هذا الصدد أن عددا من رؤساء كبرى الشركات الصينية قد زاروا المنطقة أخيرا، بعد التواصل مع المكتب التجارى، للتعرف على المشروعات المتاحة للاستثمار.