جغرافيا، هي أصغرها مساحة وأطولها حدودا مع أفغانستان، واقتصاديا هي أفقرها وأسوأها حالا، وسياسيا هي الوحيدة من بين دول آسيا الوسطى التي لم تستطع الصمود أمام متغيرات سقوط الشيوعية واندلعت بها حرب أهلية، طاجيكستان كانت على موعد مع استفتاء مهم أثبت فيه الشعب أن مزاجه العام غير راغب فى التغيير لفترة طويلة قادمة, فقد وافق 94% من الشعب على جملة تعديلات دستورية أعدها البرلمان تضمنت 41 بندا أبرزها كانت السماح للرئيس الحالى إمام على رحمن (63 عاما) الذي يحكم البلاد منذ عام 1994 بترشيح نفسه لعدد غير محدود من الفترات الرئاسية, أما ثاني تعديل فكان خفض الحد الأدنى لسن الترشح على ذات المنصب ليصبح 30 عاما بدلا من 35، إذ يُتم الابن الأكبر لرحمن عامه الثالث والثلاثين نهاية الفترة الرئاسية الحالية لوالده، والتي مُدتها 7 سنوات تنتهي في 2020. ويري المراقبون أنه بتمرير المادتين جملة واحدة يحق لرحمن طرح نفسه للترشح مرات عديدة وإذا ما مرض أو قرر التنحي دفع بولده الأكبر لخلافته على كرسي الحكم, كما تقضي التعديلات أيضا بحظر تأسيس أحزاب سياسية على أساس ديني أو قومي، ليُقطع بذلك دابر قوى المعارضة في البلاد والمتمثلة في حزب النهضة الإسلامي الذي كان يعتبر معتدلا حتى العام الماضي عندما صنفته الحكومة كمجموعة إرهابية وإزاحته من المشهد السياسي, ليس هذا فحسب بل يجري التحقيق مع بعض زعمائه الذين قد يواجهون عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم, ليسدل الستار على حقبة تاريخية طويلة من النزاع السلطوي والأيديولوجي من عمر طاجيكستان، كانت قد بدأت مع إعلان الجمهورية الطاجيكية استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي فى ديسمبر عام 1991. "إنظروا إلى أفغانستان في الجنوب, انظروا إلى العراق وسوريا, هنا ننعم بالسلام والاستقرار".. جملة قصيرة ربما لخص بها "بارفيز حياتوف" سائق سيارة أجرة فى طاجيكستان الدافع الحقيقي وراء نتيجة هذا الإستفتاء, بالفعل يرغب المواطن فى الاستقرار وهو يشاهد يوميا على شاشات التليفزيون مئات القتلي والجرحي وعشرات البيوت تهدم وآلاف الأطفال تشرد, فالطبيعة الجغرافية لبلاده تجعله يشعر بالخطر المستمر من الإرهاب الذي يحيط بحدوده, فمن جهة الجنوب لدي طاجيكستان حدود طويلة مع أفغانستان تزيد علي ألف ومائتي كيلو متر، وهو ما يزيد من خطر تأثير الجماعات الإرهابية ومحاولاتها إستقطاب البعض, وربما تجلي هذا فى إنشقاق رئيس القوات الخاصة الطاجيكية، جولمورد خاليموف، من منصبه لينضم إلى تنظيم داعش الإرهابي الذي نشط اخيرا قرب حدود طاجيكستان في أفغانستان. أما عن حدودها الشرقية فتحاذيها الصين بينما تحدها أوزبكستان من الغرب, ونتيجة لأن عددا كبيرا من السكان الذين تجاوز تبعا لإحصاءات العام الماضي حاجز الثمانية ملايين شخص، أغلبهم يدينون بالإسلام كأغلب دول آسيا الوسطى، يتحدثون بالفارسية, لذا تعتبرها إيران امتدادا لثقافتها وحضارتها، إلا أن علاقاتها الإستراتيجية بالصديق الروسي تحول دون لعب دور سياسي إيراني كبير في الداخل الطاجيكي المتصارع. والحدود الملتهبة ليست الخطر الوحيد الذي يقض مضاجع المواطن هناك, فالخوف من شبح الحرب الأهلية مازال يلوح فى الأفق رغم مرور حوالى ربع قرن على بدء إندلاعها بين أبناء الجمهورية الواحدة عام 1992، والتى إستمرت قرابة 5 سنوات, حرب أهلية خلفت مائة ألف قتيل وما يربو من مليون مشرد كانت النقطة التاريخية الأبرز في التاريخ الطاجيكي, فمع تهاوي الشيوعية في الجمهوريات السوفييتية السابقة تولدت مجموعات سياسية معارضة للحزب الشيوعي المحتكر للسلطة طوال العهد السوفييتي، أبرزها كانا حزب الشعب الديمقراطي الطاجيكي وحزب النهضة الإسلامي. وكان إصرار الحزب الشيوعي على الإستمرار في السلطة في أعقاب الإستقلال ودفعه برحمان نابيف كمرشح شيوعي لمنصب رئاسة الجمهورية وإعلان فوزه، الشرارة الأولى التي قادت لإندلاع الحرب الأهلية الطاجيكية, وهو إعلان إعتبرته المعارضة الديمقراطية والإسلامية على السواء إستفزازا لها، فإندلعت تظاهرات وصدامات قتل خلالها العشرات، وإنتهت برضوخ نابيف وتشكيله حكومة إئتلافية حصدت فيها المعارضة نسبة مقاعد مُرضية، غير أن الأمور ساءت مجددا واحتدم الصراع من جديد وأُجبر نابيف هذه المرة على الإستقالة, وتبع الاستقالة حالة من الهرج بين الأحزاب وداعميهم إنتهت بكابوس الحرب الأهلية المفتوحة بخسائر مادية قدرت بسبعة مليارات دولار. خمدت نار الحرب، التي دامت لخمس سنوات، قليلا بإنتخاب إمام علي رحمن زعيم حزب الشعب الديمقراطي رئيسا للبلاد في نوفمبر عام 1994، والذي حاول التوفيق بين القوى المتصارعة، وتدخلت الأممالمتحدة لمحاولة تعطيل رحى الحرب الدائرة على آلاف الأنفس، واستطاعت التوفيق بين موسكو الداعمة للشيوعيين و سلطة "دوشنبة" عاصمة طاجيكستان وهدأت الأمور عام 1997 بإعطاء المعارضة بعض الحقائب الوزارية غير أنه تدريجيا بدأت عملية إستبعاد حزب النهضة من المشهد السياسي. على رحمن إذا ليس مجرد رئيس عادي فى نظر مواطنيه, فهو بحكم الدستور يعتبر"مؤسس السلام والوحدة الوطنية – زعيم الأمة" وهو اللقب الذي منحه له البرلمان العام الماضي, لذلك فإن امكانية الترشح لعدد غير محدد من الفترات الرئاسية لا ينطبق سوى عليه فقط لما يعطيه هذا اللقب من صلاحيات واسعة من ضمنها أيضا تحصينه هو وأفراد عائلته ضد أى ملاحقة قضائية, ورغم أنه متهم من قبل معارضيه بأنه لا يحترم الحريات الدينية والتعددية السياسية, إلا أن الناخبين يبدون متحمسين لدعم الرئيس الذي أعطاهم إستفتاء بنكهة الاستقرار.