في خاتمة السلسلة القصيرة من صفات الحاكم الصالح وأعوانه في الكتاب القيم العقد الفريد أحرص هنا علي الحديث عن أهمية حزم الحاكم وأخذه بالمشورة. حيث قال الحكماء: أحزم الملوك من قهر جده هزله وغلب رأيه هواه وجعل له الفكر صاحبا يحسن له العواقب وأعرب عن ضميره فعله ولم يخدعه رضاه عن سخطه ولا غضبه عن كيده, وفي نصيحة من عبد الملك بن مروان لابنه الوليد وكان ولي عهده قال: يا بني اعلم انه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه الرعية الا حزم أو توان. وقالوا قديما: لا ينبغي للعاقل أن يستصغر شيئا من الخطأ أو الزلل فانه متي استصغر الصغير يوشك أن يقع في الكبير فقد رأينا الملوك تؤتي من العدو المحتقر ورأينا الصحة تؤتي من الداء اليسير, وقال الحكماء: لا يكون الذم من الرعية لراعيها الا لإحدي ثلاث: كريم قصر به عن قدره فاحتمل لذلك ضغنا أو لئيم بلغ به ما لا يستحق فأورثه ذلك بطرا أو رجل منع حظه من الانصاف فشكا تفريطا, وقيل لملك سلب ملكه: ما الذي سلبك ملكك؟ فقال دفع شغل اليوم الي غد واستكفاء كل مخدوع عن عقله وهو من بلغ قدرا لا يستحقه أو أثيب ثوابا لا يستوجبه, وقال المغيرة بن شعبة: ما رأيت أحدا أحزم من عمر بن الخطاب, كان والله له فضل يمنعه أن يخدع بفتح الياء والدال وعقل يمنعه أن يخدع بضم الياء وفتح الدال. وفي أخذ الحاكم بالمشورة قال النبي صلي الله عليه وسلم: ما ندم من استشار ولا خاب من استخار, وقد أمر الله تبارك وتعالي نبيه بمشاورة من هو دونه في الرأي والحزم, وسئل بعض الحكماء: أي الأمور أشد تأييدا للحاكم وأيها أشد اضرارا به؟ فقال: أشدها تأييدا له مشاورة العلماء وتجربة الأمور وحسن التثبت وأشدها اضرارا الاستبداد والتهاون والعجلة. وأشار حكيم علي حكيم برأي فقبله منه فقال له: لقد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمره وسهله بوعره وقد وعيت النصح وقبلته اذ كان مصدره من عند من لا يشك في مودته وصفاء غيبه ونصح جيبه. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام, وأوصي ابن هبيرة ولده فقال: لا تكن أول مشير واياك والهوي ولا تشيرن علي مستبد ولا علي متلون ولا علي لجوج وخاف الله في موافقة هوي المستشير فان التماس موافقته لؤم وسوء الاستماع منه خيانة. وقيل لرجل من عبس ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد فنحن نشاوره فكأننا ألف حازم. المزيد من أعمدة نهال شكري