يُسأل الفقيه كيف حال الأمة وهى ترتع تحت الغمة والكرب ويهيم العامة تحت مطارق ألسنة الفقهاء يستنجدون ويصرخون من هول أحداث حاقت بهم فتدهسهم عجلاتها وتلتبس عليهم الأمور وهم يعلمون أنهم صناع الأزمات وهم حلولها ولكن فريضة أن يكون ركبهم تحت أقوال العلماء والفقهاء... من بعد رسول الله الذي أُنيرت منارات الهدى به وبمن اتبعه بإحسان من أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم أجمعين والأمة تعج بالرحمات وحسن المقصد ليكون المال والثروة هي الحلول بذاتها لكل الأزمات فيلقوا بأموالهم وممتلكاتهم تحت أقدام رسول الله ومنهم من جهز جيش العسرة للمسلمين ومنهم من أنفق وبه خصاصة(يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) لا يلوذون به ولا بثنيهم ولا يبطل هممهم ومنهم من تبرع بماله كله أو نصفه فتنتهي حقبة الإيثار على النفس وتأتى بعدها حقبة الملك والملوك الحاشية والقصور وتنتهي راحة البال للمسلمين بمقتل (على رضي الله عنه ) وبلوغ ( معاوية رضي الله عنه ) منصات الملوك ليواكب العلماء الحدث وتتقطع بهم سبل الجزم والحزم في الأمور وليتلون البعض بلون البلاط الأسود الذي على أجنابه أسس الملك وما يتطلبه من مصطلحات فقهية وفتاوى شرعية تشرع له الحدث وتمكنه من امتطاء العرش فتنتزع الآيات وتُسكن الأحاديث وتنتهي مقاطعها بما تحمله من معاني ومفاهيم ملتبس فيها، عند رغبة الحاكم وأهوائه فيمثل مقتل الحسين فارقة وتغيرا في مسلك العلماء وفقههم الذي ورثناه حتى الآن ثم من بعده عبدا لله بن الزبير ومحمد النفس الذكية وأخيه إبراهيم لقد قتلوا جميعهم تحت مظلة وشرعية نصوص قرآنية مبتورة ومفرغة من معانيها الحقيقية وبأحاديث سُمعت من رسول الله لا تواكب الا ظرف اللحظة التي قيلت فيها ولكن ُسير ركبها لتناسب كل طامع وراغب في تملك الدنيا وعلى أسسها انجرفت الفتاوى والأحكام لتطوق رقاب المسلمين وتكبل أيديهم وأرجلهم وألسنتهم وفى صدارة تلك الفتاوى هي ( أن الخروج على الحاكم كفر ومفسدة وعصيان و....وإثم فى اخف الفتاوى وقعا على رقاب المسلمين وقد رممت تلك الفتاوى بأحاديث عن رسول الله ما كان مقصدها بلوغ الملوك لناصيتها والمناورة بها لتخدير الأمم وتغييبها لتترعرع تلك الفتاوى في بلاط الملوك والحكام وبها ينهشون أعراض الرعية ومالها وحقوقها وتخطف يقينها برحمة الله.. ليعانى الناس معاناة تقنعهم بأن الاستكانة لظلم الحاكم وجبروته هو من صميم الدين والصبر علية عباده والعيش في ذله اختبار من الله وتظل الناس تزحف تحت وطأة الحاكم الظالم حتى يقضى الله أحدا الأجلين إما الحاكم أو المحكوم ليصل بنا الحال نحن عامة المسلمين بالتسليم أن الُملك ما هو إلا جينات وراثية في طبقة معينة من الرعية لا يحق لنا النظر إليها أو التأمل فيها أو الحلم بها لأنها قاصرة على قوم انتزعوها من الأقدار انتزاعا ليكرس عند جمهور المسلمين مفهوم المُلك والحُكم على انه ليس هبة من الله يهبها لمن يشاء وينزعها ممن يشاء حتى صارت دول المسلمين عقيمة رتيبة وتقليدية يقتلها الذل بدعوى الزهد ويقتلها الفقر بدعوى القناعة ويقتلها التخلف بدعوى عدم المروق عن أحكام العلماء لنتصلب أمام قوالب فقهية صنعت خصيصا للعلو بشأن الملوك وأعطت للحكام ضمانات البقاء لهم ولذريتهم جاثمين على صدور العباد .... وهذا هو الجنوح والانحراف عن مبتغى العقيدة ومفاهيمها ورغم أن ذلك منافي لسلوك الصحابة أمام خلفائهم (والله لو اعوججت لقومناك بالسيف هذا ما قيل لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ) ليت الأمر توقف عند هذا الحد بل سير العلماء لخلق فتاوى شرعية لابتزاز الشعوب وإنهاكها اقتصاديا إلا قليل منهم من امتنع واعتصم بالله وأربأ بنفسه من فتنة التسكع على بلاط الحكام ومنهم العز بن عبد السلام حينما طلب منه السلطان قطز سلطان المسلمين فتوى بجواز فرض ضرائب جديدة لتجهيز جيش المسلمين قال له الإمام والفقيه الراغب في رضي ربه لا يجوز لك فرض ضرائب مؤقتة حتى تنفق أنت وأمراءك أموالكم التي تفيض عن حوائجكم الأساسية فإن لم تكفى جاز لك فرض الضرائب على الشعب ، رغم ان غيره تغنى بمعاناة الشعوب وأطرب السامعين وهو في مسلكه بعيد كل البعد عن هذا بل ذهب البعض إلى مخالطة الأمراء والملوك والارتزاق منهم والترويج لتثبيت ملكهم وظلت تلك المفاهيم ترافقنا وتلوى رقابنا وألسنتنا بمفاهيم بشرية منسوبة لإرادة الهبة حتى جاءت ثورة 25 يناير لتغير مجرى المفاهيم التي زرعها بعض الفقهاء في عقول الرعية وهذا بفضل جيل قدر له ألا يستوعب أو يلقن مصطلحات كبلت سابقيهم وسرعان ما تعالت الفتاوى بجرم ما يفعله هؤلاء من نزع الحاكم من ملكه ولما نجحوا تبدل الأمر وانكشفت الوجوه وتعرت الحجج التي رُوج لها من مئات السنين هي إذن منظومة ولاء لفقه صنع خصيصا ليخدم قطيع معين من الأمة ومدارس إسلامية بعينها صنعتها الظروف وألهمها العلماء حسن الصواب والقوام والحق يقال أن هؤلاء هم اشد وقعا في قسوتهم وظلمهم من الحكام أنفسهم فقد ضلوا وأضلوا واغتنموا وأفقروا غيرهم حتى لتجد العالم منهم يصرخ من على منصات المنابر يتباكى ويتشاكى بأحوال المسلمين فيبكى ويُبكى من حوله وبعد انتهاء خطبته ينزل من على منبره ليركب سيارته الفارهة متوجها إلى فلته النادرة ليودع ما تقاضاه نظير أقواله بالبنوك وتُكون لجان الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لتسلط على رقاب العباد والبسطاء فمن أخطأ منهم عوقب ووبخ وفُضح ويغض الطرف عن تصرفات الملوك والحكام وأسرهم الذين يرتعون في الأرض فسادا ولا يجرئ العالم على النصح لهم أو نهيهم وهى تلك ازدواجية المعاملة والمعادلة... فيُرد العبد الفقير في شقاءه على نفسه وفى انحرافه على سلوكه وفى إحباطه على قنوطه من رحمة الله متجاهلين صنيعة الحاكم الذي أفقره وأمرضه وأعياه ويُرد الحاكم في بغيه وطغيانه وسرقة أموال المسلمين إلى حظه السعيد وتمكين الله له في الأرض وتتغير المعادلات الفقهية تبعا للظروف من حيث الزمان والمكان وطبيعة الحاكم وما يرضيه وما يسخطه حتى تحول الإسلام بفضل هؤلاء إلى دين أنقذ العالم من جهله وتخلفه ولم ينقذ معتنقيه الذين أُسروا بفعل فتاوى مشبوهة ومفخخة لانحراف بعض العلماء عن الغاية التي خلقوا من اجلها ولنجد الإسلام صناعة عربية بإتقان غربي وبفضل هؤلاء ظل المسلمين معتقلين بهذا الفقه المشبوه والذي يتمثل بخضوعهم المفرط للحاكم الذي قدره الله لهم حتى انهار المسلمين بتنازلهم عن حقوقهم فرضخوا واستسلموا و فرطوا في كل شئ وانتزع منهم كل شئ علمهم وعملهم وعبادتهم و..... وصل بهم الأمر أن انتزعت مقدساتهم أو لوثت بأقدام المشركين الكاتب / محمد زين العابدين صبرى