يقول رسول الله.. صلي الله عليه وسلم.. إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها.. متفق عليه. وليس القصد بتجديد الدين أمور الفقه والشريعة والفتوي.. ولا هو المظاهر الشكلية والخارجية كاللحية والجلباب والنقاب والحجاب التي يتصور البعض أنها لب الدين.. وليس القصد بها التطرف في السلوك والعبادة والمغالاة في التدين. فالرسول يقول:( إياكم والغلو في الدين.. فإن الغلو أهلك من كانوا قبلكم). إن الإسلام أكبر وأعظم من هذا.. إنه دين العلم والحضارة.. دين العمل علي خدمة الناس ورفع شأنهم علميا واقتصاديا واجتماعيا! والرسول.. صلي الله عليه وسلم.. يقول:( لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه حتي يقضيها له خير من عكوفه في مسجدي هذا عشر سنين قيامها وصيامها). ومعني ذلك أن الإسلام يجعل خدمة الناس والعمل علي تحسين معيشتهم.. ومكافحة الفقر والبطالة.. ونشر التعليم وبناء الجامعات.. وإنشاء المصانع التي تسد حاجات الأمة وتصدر للخارج.. وبناء دور الخدمات الاجتماعية والتربوية والترفيهية. التي ترعي اليتامي وأطفال الشوارع وفقراء الأمة. كل هذه الخدمات جزء مهم من الدين ومرتبتها عند الله تأتي أكبر من الصلاة والصيام والعكوف في المسجد ليل نهار.. (وأن خدمة الناس عبادة). لقد انتشرت بين الكثيرين من أثرياء المسلمين ومن أصحاب السلطة والنفوذ والحكام التقليديين فكرة أن الإنسان الذي ينعزل عن الناس وعن قضايا الأمة ويتفرغ لمصالحه الخاصة وجمع المال.. مادام لا يؤذي أحدا.. ومادام يؤدي ما عليه من صلاة وصوم وحج البيت فلا لوم عليه ويدخل الجنة, وهذه فكرة خاطئة وهدامة تتعارض مع أصول الدين.. وهي التي أدت إلي تخلف المسلمين في عصرنا الحاضر عن كل شعوب العالم وانتشار الفقر والبطالة والتأخر بينهم! والرسول.. صلي الله عليه وسلم.. يقول: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم). والله تعالي في كتابه الكريم الذي هو دستور هذه الأمة.. ينذر أي حاكم أو مسئول يقصر في هذه الواجبات, وفي تحقيق هذه الحقوق للرعية بالويل والثبور ويعتبره مقصرا في حق من حقوق الله.. ومكذبا بالدين فيقول: (أرأيت الذي يكذب بالدين.. فذلك الذي يدع اليتيم.. ولا يحض علي طعام المسكين). فجعل سبحانه وتعالي.. إهمال حقوق الرعية في الإصلاح والخدمات وعدم تأمين العيش الكريم لهم.. مثل الكفر تماما.. ومثل التكذيب بالدين.. ويعد من يقصر في هذا من الحكام والمسئولين كما يحدث في كثير من بلاد العالم العربي والإسلامي اليوم بالويل والعذاب يوم القيامة! وقد اجتهد علماء الفقه والشريعة المسلمون في استنباط حق الإنسان المسلم الضعيف من القرآن والسنة وقالوا أن الحاكم الصالح يجب أن يهييء للرعية كل أسباب المعيشة الكريمة والآدمية, فيكون للإنسان بيت للحماية من الشمس والبرد والمطر, ويكون له عمل ودخل يصل به حد الكفاية عن سؤال الناس, بل سموه حد الغني.. وأن ييسر له وسائل المعيشة الكريمة من كهرباء ومواصلات وتعليم وأن تخصص هذه الخدمات من أموال الزكاة ومن الصدقات التي هي ضريبة إجبارية علي كل مسلم, إضافة إلي موارد الدولة الأخري. ويقول الفقهاء القدامي (إذا لم تكف أموال الصدقات والزكاة في حاجة الفقراء فبمنع الأغنياء).. أي يؤخذ منهم في ضرائب تصاعدية.ورحم الله عمر بن الخطاب إذ يقول:( لو أن بغلة تعثرت في العراق ليحاسبني الله.. لم لم أسو لها طريقها). واليوم ونحن في مطلع القرن12 نجد تصديقا حيا لوعد رسول الله.. إذ يبعث الله إلي الأمة الإسلامية نموذجين من أعظم المجددين والمصلحين الذين نهضوا بشعوبهم نهضة رائعة وفي سنوات قليلة.. أحدهما هو المجاهد العظيم مهاتير محمد في ماليزيا.. والآخر هو رجب أردوغان في تركيا, ولنا مع كل منهما بحث مستقل عن إنجازاته العظيمة في إنقاذ أمته ونهضتها اقتصاديا وعلميا وحضاريا وصناعيا, حتي يكون هذا النموذج أمام بصيرة كل مرشح في مصرنا الحبيبة لرئاسة الدولة وهاديا للإصلاح والتقدم والنهضة, وخاصة أن كلا منهما قد تسلم وطنه وهو يمر بأسوأ حالات التأخر والفوضي والفقر.. وأسوأ ما تمر به مصر اليوم.. فأخذ يعمل بهمة وتفان وإخلاص لله حتي رفعها إلي مصاف أعظم الدول.. فهؤلاء حقا مجددون في الإسلام!