يعد هارون الرشيد اكثر خلفاء الاسلام الذين تعرض تاريخهم للتشويه والتزوير ووصفوه بانه لا هم له سوي الجواري والخمر والسكر مع أنه من اكثر خلفاء الدولة العباسية جهادا وغزوا واهتماما بالعلم والعلماء. قال عنه احمد بن خلكان كان من انبل الخلفاء واحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة وراي فقد كان ناصرا للحق محبا للنصيحة مقربا ومتقربا للعلماء ويكفيه انه عرف بالخليفة الذي يحج عاما ويغزو عاما. طلب الرشيد من ابي يوسف القاضي ان يضع له كتابا في الخراج ولكن ابا يوسف لم يفته ان يقدم النصيحة للخليفة في مقدمة الكتاب فقال: يا امير المؤمنين: إن الله وله الحمد. قد قلدك امرا عظيما ثوابه اعظم الثواب وعقابه اشد العقاب. قلدك امر هذه الامة. فاصبحت وامسيت وانت تبني لخلق كثير. قد استرعاكهم الله وائتمنك عليهم وابتلاك بهم وولاك امرهم. وليس يلبث البنيان اذا أسس علي غير التقوي ان يأتيه الله من القواعد فيهدمه علي من بناه, واعان عليه, وإن الرعاة مؤدون الي ربهم ما يؤدي الراعي الي ربه. فاقم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهار, فان اسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت به رعيته.. ولاتزغ فتزيغ رعيتك. وإياك والامر بالهوي والاخذ بالغضب وإذا نظرت الي أمرين. احدهما للآخرة والآخر للدنيا فاختر امر الآخرة علي الدنيا. فان الآخرة تبقي والدنيا تفني. واجعل الناس عندك في امر الله سواء القريب والبعيد. ولاتخف في الله لومة لائم. وإني اوصيك ياأمير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله. ورعاية ما استرعاك الله. والا تنظر في ذلك إلا اليه وله. واحذر ان تضيع رعيتك, فيستوفي ربها حقها منك, ويضيعك بما اضعت اجرك, وإنمايدعم البنيان قبل ان ينهدم. وإنما لك من عملك ما عملت فيمن ولاك الله امره, وعليك ما ضيعت منه, فلا تنس القيام بامر من ولاك الله امره, فلست تنسي, ولا تغفل عنهم وعما يصلحهم, فليس نغفل عنك.يقول الدكتور حسين عبدالحميد بودي مدرس العقيدة والفلسفة بكلية اصول الدين جامعة الازهر باسيوط. اكدت تلك المقدمة ما ينبغي ان يكون عليه الحكام وحدودهم الملزمة في شريعة الاسلام. كما اظهرت وبينت ما ينبغي ان يكون عليه العلماء: من محبتهم السواد وانتشار العدل بين الناس, حتي لايقع ظلم علي الرعية فيثقل كاهلهم, ويخرب عمرانهم. كما اظهرت قوة العلماء في وعظهم الحكام والملوك وانهم لايخشون في الله لومة لائم. وفيها ايضا لفت نظر الحكام الي انه ليس لهم حق في ان يخرجوا شيئا من يد احد إلا بحق ثابت معروف. وفيها: تحذير للحكام من عدم مراعاة حقوق الرعية وقد بينه ابو يوسف في جزء من مقدمته فقال:( وإن الله بمنه ورحمته جعل ولاة الامر خلفاء في ارضه وجعل لهم نورا يضئ للرعية ما اظلم عليهم من الامور فيما بينهم وبين ما اشتبه من الحقوق.