عيار 21 الآن يسجل تراجعًا جديدًا.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 30 أبريل بالمصنعية (التفاصيل)    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    «المقاطعة تنجح».. محمد غريب: سعر السمك انخفض 10% ببورسعيد (فيديو)    متحدث الحكومة يرد على غضب المواطنين تجاه المقيمين غير المصريين: لدينا التزامات دولية    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن سلسلة غارات عنيفة شرق مخيم جباليا شمال غزة    مصدران: محققون من المحكمة الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية بغزة    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    مستشارة أوباما السابقة: بلينكن لن يعود لأمريكا قبل الحصول على صفقة واضحة لوقف الحرب    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي في الدوري المصري    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي في الدوري    حقيقة رحيل محمد صلاح عن ليفربول في الصيف    الإسماعيلي: نخشى من تعيين محمد عادل حكمًا لمباراة الأهلي    الأهلي يفعل تجديد عقد كولر بعد النهائي الإفريقي بزيادة 30٪    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    مصدر أمني يوضح حقيقة القبض على عاطل دون وجه حق في الإسكندرية    حشيش وشابو.. السجن 10 سنوات لعامل بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في سوهاج    محافظة المنوفية تستعد لاستقبال أعياد الربيع.. حملات مكثفة للطب البيطرى على الأسواق    الغربية تعلن جاهزية المتنزهات والحدائق العامة لاستقبال المواطنين خلال احتفالات شم النسيم    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 30-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    شم النسيم 2024: موعد الاحتفال وحكمه الشرعي ومعانيه الثقافية للمصريين    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    مجدي بدران يفجر مفاجأة عن فيروس «X»: أخطر من كورونا 20 مرة    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    محافظ دمياط: حريصون على التعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية    أخبار 24 ساعة.. وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلى حتى الآن    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تراجع مبيعات هواتف أيفون فى الولايات المتحدة ل33% من جميع الهواتف الذكية    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    محافظ كفر الشيخ يشهد الاحتفالات بعيد القيامة المجيد بكنيسة مارمينا والبابا كيرلس    7 معلومات عن تطوير مصانع شركة غزل شبين الكوم ضمن المشروع القومى للصناعة    محطة مترو جامعة القاهرة الجديدة تدخل الخدمة وتستقبل الجمهور خلال أيام    محامو أنجلينا جولي يصفون طلب براد بيت ب"المسيء".. اعرف القصة    برج الجدى.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: مفاجأة    فصول فى علم لغة النص.. كتاب جديد ل أيمن صابر سعيد عن بيت الحكمة    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    أخبار الفن| علا غانم تكشف تفاصيل تحريرها محضرا بسبب الفيلا.. تشييع جنازة خديجة العبد    حلمي النمنم: صلابة الموقف المصري منعت تصفية القضية الفلسطينية    "بيت الزكاة والصدقات" يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة 7 بالتعاون مع صندوق تحيا مصر    يويفا: سان سيرو مرشح بقوة لاستضافة نهائي أبطال أوروبا 2026 أو 2027    شباب مصر يتصدون لمسيرة إسرائيلية فى إيطاليا دفاعا عن مظاهرة دعم القضية    هزة أرضية بقوة 4.2 درجات تضرب بحر إيجه    الكبد يحتاج للتخلص من السموم .. 10 علامات تحذيرية لا يجب أن تتجاهلها    أول تعليق من "أسترازينيكا" على جدل تسبب لقاح كورونا في وفيات    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    عيد العمال وشم النسيم 2024.. موعد وعدد أيام الإجازة للقطاع الخاص    خاص | بعد توصيات الرئيس السيسي بشأن تخصصات المستقبل.. صدى البلد ينشر إستراتيجية التعليم العالي للتطبيق    وزير العمل ل «البوابة نيوز»: الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 6000 جنيه اعتبارًا من مايو    آليات وضوابط تحويل الإجازات المرضية إلى سنوية في قانون العمل (تفاصيل)    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    المحرصاوي يوجه الشكر لمؤسسة أبو العينين الخيرية لرعايتها مسابقة القرآن الكريم    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    وزيرة التضامن تستعرض تقريرًا عن أنشطة «ال30 وحدة» بالجامعات الحكومية والخاصة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لو لم أكن مصرياً..
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 05 - 2016

مصر لدى المصريين قلادة وعبادة.. اسم ورسم وأرض ووطن وسؤدد وملاذ.. قول وفعل ووفاء بوعد وبذل وسماحة وعطاء.. حضن وقلب ورأس وقوة بأس وجيش خير أجناد الأرض.. مهد وظل وحمامة أيك وغيث ومأوى ومرقد.. مصر لحن وشجن وقصيدة وَجْدَ ومديح وابتهال وآذان وترتيل وقرآن.. مصر نبض وروض ووحى وأرض الأنبياء... مصر الرسالة الحماية العقيدة الشهادة والاستشهاد. مصر تاريخ وأثر وهرم وشعب وشغب وجد وأب وحفيد وشقاوة عيال.. مصر الضحكة الرايقة والدمعة الفارة والقافية المارقة والنكتة الحارقة والزغرودة أم ذيل.. مصر السماء الصافية وشمسها الدافئة ونيلها العذب وقلبها الذهب.. مصر عديّة ياسين والحسين والبخور وشرف البنية وسيتى ستار ومارينا والشرابية وشارع التسعين وخمسة وخميسة.. مصر السبع آيات المنجيات والسبع سواقى والسبع خرزات والسبع معلقات والثعلب فات وفى ذيله سبع لفّات.. مصر بنت النيل والهرم وخالتى صفية والزمن راح وانت جاية.. مصر عروسة المولد وعروسة النيل وعروسة الماريوت وعروسة البرقع وعروسة ابنى لما تكبر ويخرطها خرّاط الصبايا.. مصر حلاوتها زاعقة وضحكتها زاعقة وألوانها زاعقة وأفراحها زاعقة وصرختها زاعقة وكلام الهمس تقوله بالزعيق.. مصر نشّافة تبلع الزلط وتمتص الآلام وعهود الظلام لكن حكم الإخوان واقف فى زورها..مصر الأمان كما فى قوله تعالى، وفى حديث خير الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.. مصر الزعامة ناصر والسادات والسيسى والزعيم مصطفى كامل الذى وصفه الخديوى عباس الثانى فى مذكراته التى كتبها فى منفاه عام 1939 بعد حكم دام ثلاثة وعشرين عاماً من 1892 حتى 1914: «كان شاباً يحمل كل زخم الشباب بما فى ذلك الأفكار المقدسة، وفى المفاضلة بين الحياة المادية والروحية اختار الثانية.. كان مصطفى كامل بسيطاً وصريحًا وواضحًا بلا لف ولا دوران وتحت مظهره السمح تختبئ نفس متفتحة لأجمل الأحاسيس وقلب كبير يتأثر بالحنان، وكانت فصاحته واضحة جلية، وأسلوبه بليغاً رشيقاً مليئاً بالصور متحركاً من البساطة الملائكية إلى الفصاحة العارمة لشيوخ روما فى تاريخها، وكان موهوباً بالقدرة على الإقناع، كما يحيطه ذلك الإشعاع الذى كان للرسل والأنبياء، وكان الحب الذى يكنه لبلاده يتجلى فى حماس متقد، لكن العقل أبدًا لم يفقد السيطرة عليه.. وكان شباب هذا القائد الوطنى يسمح له بأن يراجع نفسه، وأن يتطور برشاقة وذكاء متجنباً الأخطاء.. وعلاوة على موهبته الكاسحة كخطيب وكاتب وطموحاته المشروعة فإن مصطفى كامل كانت له صفات صلبة وشكيمة قوية تفرض وجودها وحضور طاغ مما جعله يحظى بالتقدير فى كل مكان يمر به.. ولما كان قد درس فى الخارج فإنه فهمَ أن الدولة التى تحب أن تزدهر عليها أن تحافظ بعناية على علاقاتها مع دول الخارج، وهذه النقطة لم يهملها مطلقاً، فكان صوته يدوى إلى الآفاق البعيدة فسمعوه فيما وراء النيل.. وكنت أقدره حتى حينما لم يكن ممكناً لى متابعته، ففى الوقت الذى نرغب فيه سماع صوت القلب نضطر كحكام إلى الانحناء أمام عقل الدولة.. لقد كان مصطفى صوت الحرية، وكنت أوافقه تماماً، وإذا ما وقع أحياناً ما يثير شعور الود فإن سوء الفهم كان يتبدد بسرعة عن طريق الصدق الذى كان نابعاً فى كلماته وأفعاله.. وربما كان الإنجاز الكبير له أنه قام بتحديد المثل الأعلى للأمة، وأنه قد شجعَ جماهير الشعب المصرى على الوصول إلى هذا المثل الأعلى، ولقد نقى خطه الوطنى من كل ما هو جامد متحجر ليظل متديناً حقاً مرتبطاً بتعاليم الإسلام.. وكان تأثيره بنوع خاص تأثيرًا لفظياً، وقد قام بإنشاء صحف لنشر أفكاره، وكانت جاذبيته الشخصية وحيويته سبباً فى أن الجموع المنجذبة إليه كانت متعلقة بشخصه أكثر من أفكاره، وهذا هو سبب الارتفاع والانخفاض فى مصير الدول، فمرة نجدها تعيش فى حالة انبهار لا مثيل له وفى ازدهار عام وكأنما مستها يد السحر لتشرئب بأعناقها تجاه الشمس، ومرة أخرى تجدها باهتة الضوء، خافتة الحيوية فى نفس الوقت الذى تختفى فيه شخصية الزعيم المُلهم، ونقول عنها فى فترة الخمود تلك أنه ليس أمنا ولا سلاماً وإنما بمثابة الصمت الذى يُخيم على القبور فلا توجد حياة فى دول القبور.. ولقد قالوا أيام كفاحه العصيب إنه كان لى خصماً، وقالوا أيضاً إنه كان من صنعى، وليس هناك تضليل أكثر من ذلك.. ذلك أن مصطفى كامل عاش لعقيدته ومات فى سبيلها، أما فيما يتعلق بى عباس حلمى فإننى لم أكن أبدًا خصماً له، ولم يكن أبدًا مندوباً لى، وإنما كان مُلهماً طليعياً مستقلا وطنيا، وكان جندياً باسلا يحارب فى سبيل مثله الأعلي، ولقد نظر إليه الشيوخ على أنه المنشق بينما تبعه الشباب بكل قوة.. وكان قلمه الفصيح ولواؤه جريدة اللواء المحارب من علامات الفخر أثناء فترة حكمى، ورغم ما كابده مصطفى كامل من محاولات تعتيم وإجهاض لأحلامه من قبل المندوبين البريطانيين هؤلاء المغتصبون الذين أعلنوا من السنة الأولى للاحتلال 1882 وعلى رأسهم لورد دوفرين أنهم على استعداد لأن يجلوا عن مصر.. أعلنوها مرات ولكن تجهموا لها، فإن كل فترة حكمى بطولها تحتفظ ببصمات مجهوده الوطنى وأقل مثال على ذلك الجامعة الوطنية الجديدة التى رأسها عمى الأمير أحمد فؤاد وتوالت عليها المِنح والهِبات حتى أن متحف اللوفر فى باريس أرسل مجموعة من أشهر أعمال الفن الفرنسى، وأرسلت دار ريكوردى فى ميلانو بمجموعة كاملة من الأوبرات والموسيقى الإيطالية ذات الشهرة العالمية..
وإذا ما كانت المرأة قد لعبت دورا فعَّالا فى حياة الزعماء أماً وزوجة فقد قامت بهذا الدور مدام جولييت آدم الكاتبة الفرنسية الشهيرة التى كانت بمثابة الأم الثانية لمصطفى كامل من بعد تخرجه فى مدرسة الحقوق المصرية الفرنسية عام 1894 حيث لم يعمل بالمحاماة وإما وهب نفسه لقضيته (استقلال مصر) فيسافر إلى فرنسا التى كانت فى ضيق من انفراد انجلترا باحتلال مصر، ففتحت له أبواب المنتديات السياسية فى باريس بما فيها الجمعية الوطنية، وقام بتأسيس جريدة اللواء عام 1900 لتكون محور النشاط المعادى للإنجليز، فلما اتفقت الدولتان انجلترا وفرنسا على ترتيب المصالح بينهما فيما عٌرف بالوفاق الودى فى 8 ابريل 1904 أدارت فرنسا ظهرها لمصطفى كامل فقام بإعادة ترتيب أوراقه ليؤسس الحزب الوطنى فى أواخر 1907 ليقود النضال بشكل أكبر تنظيما حيث لا يتوانى عن استشارة أمه مدام جولييت المرحبة دوماً به المشجعة جميع خطواته الوطنية، وكانت قد سبقته على الساحة المصرية عدة أحزاب منها حزب «الإصلاح» لمؤسسه الشيخ على يوسف لتأييد الخديوى، وحزب «الأحرار» لمحمد بك وحيد الذى نشأ فى أحضان الاحتلال، والحزب «الدستورى» لرئيسه إدريس بك راغب الذى يؤيد السلطتين الشرعية والفعلية، وحزب «النبلاء» لرئيسه حسن حلمى زاده الذى يُعبِّر عن عودة السيادة للعناصر التركية الشركسية، والحزب «المصرى» لرئيسه لويس لويس أخنوخ الذى حمل فى طياته سمة مصر القبطية، وحزب «الأمة» لحسن باشا عبدالرازق صاحب شعار مصر للمصريين، والحزب «الجمهورى» لرئيسه محمد غانم، وجميع تلك الأحزاب كانت تطالب بالجلاء والحياة النيابية، لكن كلا منها بالكيفية التى يرى أنها مناسبة للعصر ولما يعبر عنه من مصالح!
من تراث مكتبة أبى وقع فى يدى كتاب «رسائل مصرية فرنسية» يضم الخطابات الخاصة التى أرسلها مصطفى كامل فى حياته بخط يده لمدام جولييت آدم لتهدى منها مائة رسالة بعد وفاته لشقيقه الضابط «على فهمى كامل» فيقوم بترجمتها إلى العربية لتنشر عام 1909 مع الاحتفاظ بحقوق الطبع والنشر لمدرسة مصطفى كامل، وثمن النسخة 15 قرشاً، ويضم الكتاب العديد من صور الزعيم الشخصية فى مراحل حياته المختلفة، بما فيها صورته على فراش المرض الأخير، ومشاهد من وقوفه خطيباً بين جماهير الساحات وفى قاعات المحاضرات، ولقطات لمدام جولييت التى تكبره ب38 عاما.. الكتاب يحمل مقدمة تروى فيها الكاتبة الفرنسية بداية معرفتها بالشاب مصطفى كامل عن طريق رسالة كتبها لها فى 12 سبتمبر 1895 أرفقها بكتيب من تأليفه بعنوان «الخطر على مصر» وقد جاء فى سطور رسالته قوله: «إنى لا أزال صغيرا ولكن لى أحلاماً جساماً فإنى أريد أن أوقظ فى مصر الهرمة مصر الفتاة.. أريد أن أكتب وأخطب وأنشر الحمية والإخلاص للوطن اللذين يجيشان فى حنايا نفسى، ولقد قيّل لى إنى أريد المحال، فأعينينى يا سيدتى فإنك من الوطنية بمكان يمكنك من تقوية عزمى ومساعدتى».. وتذكُر مدام جولييت أن مشاعر الأمومة تجاه مصطفى كامل قد تولدت منذ اللحظة الأولى التى قابلته فيها فى دار «لانوفل ريفو» وأنها لشدة عداوتها لإنجلترا وحبها لمصر كانت فى حالة ترقب لنهضة تحدث فى وادى النيل، وترى بأنه لا يصح أن يؤاخذ المسكين «عرابى» وحده بأفعال انجلترا المتربصة لدخول الإسكندرية واحتلال مصر.. ولقد تمكنت منها أمومتها للمصرى القادم من بلاد الأهرامات خاصة وأن أمه الحقيقية قد أرسلت لها تقول بأنها لم تعد تخاف على ابنها من الاغتراب منذ علمت بأن له أمًا أخرى تضعه تحت جناحها وتخاف على صحته كما تخاف.. «ولقد تعرفت على مشروعات مصطفى واحدًا واحدًا، وشاركته أرقه وقلقه عند إنشاء جريدة اللواء، ومدرسته، ومخاوفه على أخيه الضابط على الذى وقع تحت طائل السردار الإنجليزى كتشنر فى حرب السودان، وشاركت بمشاعر الأم الحقيقية جموع المصريين الحزن على وفاة الابن الذى كان يقول عن مصر بلسان المغرم الولهان (أمتى) التى لم يكن يقولها بلسان الملك عن رعاياه، بل كان فى قوله هذا يحيا فى بلاده ووطنه لأنه كان يحب أمته حباً لا يقوى عليه الموت»!..
ومن بين خطابات الزعيم تخيرت باقة متواترة آمل أن تغطى تلك الفترة المهمة من تاريخ حياته وتاريخ النضال المصرى:
باريس فى 2 مايو 1897
سيدتى المبجلة... جاءتنى برقية من القاهرة تنادينى للعودة على جناح السرعة وفيها ما يشبه المهمة الوطنية بأن الإنجليز يحرضون اليونانيين القاطنين فى مصر على أن يثوروا على المصريين المسلمين وأن يوجدوا القلاقل التى يستفيد منها الاحتلال، وطوعاً لوطنيتى عزمت على العودة يوم الأربعاء..
القاهرة فى 24 ديسمبر 1899
سيدتى المبجلة.. لقد أيقظنى خطابك من سباتى بعد أن مكثت زمنا طويلا لم أنبئك بأخبارى مع ما تفرضه علىّ واجبات العطف البنوى نحوك أنت التى ظللتنى بجناحيك، ولذلك فإنى اليوم آمل أن تصفحى عنى.. لاتزال الحالة السياسية فى مصر على ما هى عليه والحكومة المصرية آثمة لاهية عن واجباتها.. وإذا كانت الحكومة مهملة فإن الأمة قد بدأت تعلم نفسها بنفسها، فإن المدارس الأهلية التى أنشئت فى العام الماضى قد نجحت نجاحا عظيما، وفى مدرستى اليوم 265 تلميذا كلهم من سلالة مصرية وعلى أتم الذكاء، وأقوم من جانبى ببث الشعور الوطنى فيهم بأكمل معانيه، وأملى أن أكوّن منهم وطنيين عظماء.. ألقيت خطابا وطنياً فى يوم الاثنين الماضى وليس فى إمكانى أن أصف لك قوة تأثيره، أما عدد الحاضرين فيقدر بأربعة آلاف على الأقل، ومن شدة تأثيره رأت جرائد الحكومة وجوب الثناء عليه حتى تهدئ الرأى العام ولا تهيجه.. وقد عزمت كما أنبأتك من قبل على إصدار جريدة كبرى يومية عربية اسمها «اللواء» ولذلك أرجو منك بإرسال مقالة كتحية تتكلمين فيها عن الأمة المصرية.. (ملحوظة) أكون شاكرا لو تفضلت بإرشادى إلى المؤلفات الخاصة بالتاريخ الوطنى عن كل البلاد لأنقل للشعب المصرى نماذج من كفاح الشعوب الأخرى ليكون حافزا وملهما. والدتى تعانقك بكل حنان وترسل لك هدية من بلح تميل إليه بنوع خاص.
تريستا فى 21 يونيه 1900
سيدتى المبجلة... وصلنا إلى تريستا وتم الحجر علينا لأنهم يزعمون أن الطاعون فى الاسكندرية.. قرأت كتابك عن «الوطن المجرى» وهل يسمح لى الزمان أن أقرأ يوماً مؤلفاً لك عن «الوطن المصرى» إنك سبق ووعدت وما وعد به واجب الإنجاز.. ماذا ترين فى سياحة الخديوى فى انجلترا؟! أعلم أنك شغوفة بالاطلاع على رأيى الخاص الذى لن أخفيه عليك بأن هذه السياحة أهاجتنى بل أهانتنى وسأظل صديقك الوفى المستظل بكنفك والمعترف بالجميل»..
بودابست فى 28 يونيه 1900
سيدتى المبجلة.. سعيد إذ علمت أنك الآن فى صحة جيدة فإنها أغلى ما لدى فى فرنسا.. إن سياسة الحكومة الفرنسية لم تعد تعمل عملا واحدا يجعلنى آملاً فيها.. أعتقد أنه سينصب لأوروبا فى الصين أشراكاً تندم عليها بكل تحسر. فقد جارت ألمانيا فى سياستها بالشرق الأقصى، وهذا المرض الذى ابتليت به أوروبا وهو رغبتها فى امتلاك كل شيء فى الوجود سيعود عليها بالوبال! أين شرف أوروبا من اتحادها وشهامتها أمام الصين وانقسامها ووجلها أمام انجلترا! وهل أضرت الصين بالسلم بين الأمم كما أضرت به انجلترا؟!
فيينا فى 13 سبتمبر 1902
سيدتى المبجلة.. اليوم ذكرى السنة العشرين لمعركة التل الكبير، أرى هذا اليوم يمر وأنا فى هم كبير لأنه يذكرنى بمرور عشرين عاما على تسليم وطنى العزيز إلى انجلترا خصمها اللدود، وقد حدثتنى نفسى بأن أحسن وسيلة لتهدئة نفسى أن أكتب إليك مناجياً متسائلا: ما لذّة الحياة فى رق انجلترا الظالمة؟ وما العمل لنجاة الوطن الغالى المقدس؟!.. وماذا يخبئ القدر لمصر غدًا؟ خيرًا أم شرًا.. لا أرتاب فى أن انجلترا ستجد يوماً حتفها وإلى زوال، ولكن متى؟! أأعيش ولو دقيقة واحدة بعد استقلال وطنى؟!.. إننى أفكر دائماً فى كرم أخلاقك نحوى، وفى كل ما قدمت لخادم وطنه المتواضع.
الأستانة فى 3 أكتوبر 1902
سيدتى المبجلة... معك بكل جوارحى وأدعو الله من صميم فؤادى أن يطيل بقاءك وثقى أنى أشغل الموضع الأول بين أولئك الذين سيفكرون بكل حنو فيك يوم الاثنين المقبل الذى هو يوم ذكرى مولدك «ولدت مدام جولييت آدم فى 4 أكتوبر 1836» اليوم الذى أسأل القادر العظيم أن يكون موضع حفاوة الفرنسيين كعيد من أعياد نجوم فرنسا..
القاهرة فى 21 نوفمبر 1902
سيدتى المبجلة... افتتح كتشنر كلية غوردون ليحول بين مصر والسودان روحاً كما حال بينهما جسماً إذ يعلّم الأساتذة الإنجليز فتيان السودان كيف يكرهوننا وهاتان الأمتان المصرية والسودانية اللتان كانا فى جميع أدوار التاريخ أمة واحدة ستكونان من الآن وبفضل الإنجليز غير متحدتين إلى الأبد، وهو خطر جديد قد أصاب وطنى العزيز وأنهم فى انتظار افتتاح الخزان..
القاهرة فى 25 ديسمبر 1902
سيدتى المبجلة... عدت من أسوان التى سافرت إليها لمشاهدة افتتاح الخزان، وأستطيع القول بأن اعتقاد المصريين أن هذا الخزان من حيث الرى ذو منفعة كبرى فى الوقت الحاضر ولكن لو أقام الانجليز فى مقتبل الأيام خزانات أخرى فى السودان فإن مصر تصبح تحت رحمتهم ويلحقها أكبر الأخطار، لأن مفاتيح النيل تصبح عندهم وأخاف على وطنى يوماً أن يتعرض للجفاف، وأما من الوجهة السياسية فإن خزان أسوان ليس إلا سورا بين مصر والسودان اللذين فى حقيقتهما بلد واحد هو وادى النيل..
القاهرة فى 26 يونيو 1903
سيدتى المبجلة... أسافر إلى أوروبا فى السابع من يوليو يرافقنى صديقى محمد فريد بك الذى كنت قد قدمته إليك منذ سنتين وذلك لقضاء زمن علاجى فى فيشى لأن الأطباء رأوا لزوم قضاء بعض الزمن فى الجبل إذ أخذ الإعياء يستولى على أعصابى ولا شيء يضايقنى هنا فأنا بين رهط من المصريين ومختلفى الأجناس والمياه صحية جدا، ولقد قرأت بكل تحسر ما يدور فى سبيل تقرب فرنسا من إنجلترا، ولقد أصبحت ولا شيء يدهشنى فى هذا الوجود فكل شىء جائز الوقوع حتى زواج فرنسا بانجلترا..
القاهرة فى 10 نوفمبر 1903
سيدتى العزيزة... سافرت إلى الاسكندرية ثلاث مرات لمقابلة الخديوى الذى جذب إليه القلوب مرة أخرى لمنحه مبلغ 70 ألف فرنك فى كل عام لملجأ الأيتام واللقطاء الذى أنشئ حديثا، ولقد أظهر سروره بأنك ستكونين فى الاسكندرية فى 5 يناير لتهنئته بمناسبة عيد جلوسه على العرش، ولى أمل فى أن تكون سياحتك على الباخرة بين ضفاف النيل أبدع رحلات حياتك وإلا فلا أكون وطنيا جديرا باستضافتك ولقد نشرت لك مقالتك «مصر الفتاة» على 14 عمودا مما كان له تأثير عظيم..
القاهرة فى 14 مارس 1904
سيدتى العزيزة... أنعم على جلالة السلطان بلقب باشا وأنا فى الثلاثين وإن كان ذلك لا يهمنى.. ولقد وقع حادث سياسى خطير بين الخديوى والانجليز بشأن سياحتك ومقالاتك التى ننشرها لك مما أطار لب المحتلين فأوغروا إلى جريدة البروجريه الانجليزية التوجه والتى تحرر بالفرنسية تحت إدارة يونانى خسيس فنشرت مقالة بذيئة ضدك وضد الخديوى وضدى، وقالت إن سموه نظرا لتأثير المحيطين به كان يجهل مسئولية الاستقبال الفخم الذى استقبل به الكاتبة العدوة للانجليز مدام جولييت، وقد هددت الجريدة عزيز مصر بوضع مندوب انجليزى فى القصر لقيادة سموه فى الطريق اللائق بمركزه... ظهرت المقالة يوم الجمعة، وفى صباح السبت «أول أمس» كان رئيس النظار وناظر الخارجية فى حضرة سموه بسراى عابدين، وأبلغاه إلى أى درجة من التأثر وصل اللورد كرومر، وبعد دقيقة قابل اللورد سموه وانطلق يشكو ويئن ويثور ويفور من استقبال مدام آدم الذى يعد بمثابة عمل عدائى ضد انجلترا.. الخ. وقد أجاب سموه بثبات عجيب بأنه يعرف مدام آدم من ثمانى سنوات وأنه دعى إلى منزلها فى باريس وأن ما قام به نحوها ليس إلا واجبا يتحتم عليه نحو صديقة شخصية له ولجده.. ولما رأى كرومر أنه لا وجه لمواجهة الجواب المقنع حوّل الدفة نحوى قائلا إن علاقتى بسموه جارحة للاحتلال، وأنه ما كان يعتقد أن سموه يعطف على عدو انجلترا الأكبر فى مصر، فأجابه الخديوى بكل وطنية: «إنه للرد على مطاعن الصحافة الإنجليزية فإنه ليس فى حاجة فقط إلى مصطفى كامل واحد بل إلى ألف مثله، وأنه من غير اللائق وخارج نطاق الأدب أن الجرائد الاحتلالية بعد حكم له بلغ اثنى عشر عاما، وسن بلغت الثلاثين، وأبوة لستة أبناء تُلقبه تلك الجرائد بالحدث؟!!» ومن هنا سكت اللورد وانتهى الأمر.. والدتى تعانقك بكل جوارحها..
القاهرة فى 26 ديسمبر 1904
سيدتى العزيزة... إنى أحضر مشهدًا من أفظع المشاهد. ذلك هو سقوط وطنى. ولو كنت لا أستطيع تنفس الصعداء كل لحة لقُبرت من زمن بعيد.. إنه لمن أشق الأعمال أن يجاهد المرء ضد الزمن والحوادث والناس! وليس هناك شيء يؤلمنى أكثر من الانحطاط الأدبى الذى استولى على أولئك الذين كان يجب عليهم أن يكونوا أكبر الناس شمماً وشهامة!
القاهرة فى 13 يناير 1905
سيدتى العزيزة... نشرت فكرة باهرة بمناسبة عيد ارتقاء الخديوى على العرش وهى تأسيس جامعة وطنية فى القاهرة باسم «محمد على الكبير» ومن وقتها ولا حديث للناس غيرها.
القاهرة فى 20 يناير 1905
سيدتى الغالية... نشرت جميع الجرائد مقالات كلها مديح على اقتراحى بتأسيس جامعة وطنية سوف أجمعها فى كراسة لأستحث بها هِمة الأغنياء وأمراء البيت الخديوى.. وقد راقنى ما علمت من أحد أصدقائى من أن الخديوى قدر أخيرًا سلوكى الوطنى حق قدره وقال: «إن حذاء مصطفى لأثمن من رءوس الآخرين»، ولن أيأس من أن أراه قريباً معترفاً بأنه كان مجحفاً بى.. وأزف إليك نبأ مفرحاً من أن أعدائى كانوا يعملون ليل نهار ليحملوا صاحبة الدار التى أسكنها على مطالبتى بدفع ضعف الأجر أو تطردنى، ولكنى أوتيت نصرًا عليهم إذ استأجرتها من هذه السيدة الباسلة لمدة اثنى عشر عاما، وعلى ذلك هدأ بالى فى المكان الذى اعتدت على هوائه وسقفه وحضن جدرانه.. بعض أمراء البيت الخديوى يدعون أنى لا أحترمهم كما ينبغى، وما أن علمت حتى عزمت على أن لا أقرئهم السلام من أصله ولا شيء يعود على رجل ذى الشعور الكبير مثل الصداقة المصنوعة.. جميع أفراد الأسرة فرحون لقران أختى، أما قرينها فهو إنسان وديع ومن عرفه عطف عليه ووثق به وأنه يهمنى كثيرا إسعاد أهلى.
القاهرة فى 16 فبراير 1905
سيدتى العزيزة... اللورد كرومر يتجول فى البلاد مفتشا جاريا مجرى الحاكم، فقد ذهب أخيرًا إلى الفيوم وخطب فى أعيانها بلهجة الأمر، ولو كنت خديوى مصر لتألمت كثيرًا، وقد أظهرت فى مقالات كلها جرأة حجم التناقض بين أفعال كرومر وأقواله، وبذلك كان اللواء الجريدة الوحيدة التى عرفت كيف تُسقط خطاب المعتمد البريطانى وكنت أنا المصرى الوحيد الذى يرفع لواء الاستقلال.. اشتكى معى الخديوى البائس وابكى كذلك حظ وطنى العزيز إذا كان فى عينيك دمع لم يسكب إلى الآن فى سبيل فرنسا الحزينة..
لوزان فى 11 أغسطس 1905 الثالثة بعد الظهر
سيدتى العزيزة... أمضيت ليلة مفزعة بسبب ما انتابنى من المرض الذى لم أر مثله فى حياتى وما أن فارقنى الطبيب بورجيه حتى تناولت القلم لأكتب إليك، وأمرنى بأن أقصد بلومبيير لأنها توافق صحتى على ألا أستعمل المرش «الدش» وقال إن حمامات بلوميير الحارة تفيدنى كثيرًا.. إنى كلما فكرت فى أنه مع زوالى لا يُسمع لوطنى صوت أحادث نفسى بأنه يجب علىّ من أجل بلادى العناية بصحتى وتنظيم شأنى.
باريس فى 15 أكتوبر 1905
سيدتى العزيزة... قصدت جريدة الفيجارو واستقبلنى مديرها مسيو «كلمت» بكل ترحيب وأخبرته بأنك ترين من الواجب عدم توقيع المقالة فوافق على ذلك لتظهر بإمضاء «سياسى».. أقبل يدك وأسأل الله لك الهناء.
برلين فى 21 أكتوبر 1905
سيدتى الغالية... دفعت إلى جريدة «البرلنرتا جبلاط» الألمانية مقالة عن «الإمبراطور غليوم والإسلام» قلت فيها رأيى بكل صراحة وإخلاص، ويرى رئيس تحرير الجريدة أنها ستحدث ضجة هائلة وقد أرسلت صورتها إلى بعض الجرائد الباريسية لنشرها.. إن بلاغة لغتنا العربية والفرنسية بحذافيرها لا تفى بإعرابى لك عن إقرارى البنوى بمعروفك..
القاهرة فى أول يناير 1906
سيدتى العزيزة... تهنئة بالعام الجديد.. ولم يكن إجماع أبناء وطنى على الاعتراف بنزاهة جهادى كإجماعهم الآن ولست أطمع فى أجر فوق هذا.. كتابى «المصريون والانجليز» لا أريد أن يقدمه غيرك إلى سمو الخديوى..
باريس فى 14 يوليو 1906
سيدتى العزيزة..
أحدثت مقالتى فى انجلترا تأثيرا إلى حد أن «ذى تريبيون» علقت عليها بمقالة كبيرة طلبت فيها بحق وجوب معاملة المصرى معاملة محترمة لائقة وأن تُمنح مصر حقها فى حكومة مستقلة..
لندن فى 18 يوليو 1906
سيدتى الغالية.. أحدثت حادثة دنشواى تأثيرا سيئا فى انجلترا وقد قرر مسلمو لندن إقامة حفل عظيم احتفاء بى وسأخطب فيهم حول نهوض الإسلام..
فيشى فى 13 أغسطس 1906
سيدتى المحترمة... غدا تذكار ميلادى إذ أبلغ الثانية والثلاثين وأنا لا أترك لحظة تمر من حياتى بدون أن أغرس حب مصر فى قلوب أبنائها.
القاهرة فى 23 نوفمبر 1906
سيدتى الغالية... توصلت إلى إنشاء شركة توصية وطنية رأسمالها عشرون ألف جنيه «500 ألف فرنك» لتأسيس جريدة فرنسية انجليزية وقد عينت بالفعل مديرها على أن يكون من محرريها كبار كتاب فرنسا وأنت على رأسهم وبهذا يكون فى قبضتى ثلاثة جرائد: «اللواء ولتندار، وذى ستندرد» وكل ما أتمناه من جميع أصدقائك رسائل فى كافة الموضوعات وليس بالضرورة أن تختص بمصر فقط فذلك مما يعين على رواج الجريدة.. ابحثى لى عن سكرتير فإننى فى حاجة إلى مساعد.
القاهرة فى 19 ابريل 1907
سيدتى المبجلة.. الحركة الوطنية تنتشر بسرعة زائدة نارا ونورا وكان سقوط كرومر أمرا مرضيا لنا.. وإذا ما وهبنى الله قوة لأستمر فى جهادى خمس سنين فقط لوصلنا لا محالة إلى نتائج عظيمة.. والدتى تلازم الفراش ونخشى من عودة النوبة إليها وإنى بسبب ذلك لممن يرثى لهم.
القاهرة فى 15 مايو 1907
سيدتى الغالية.. والدتى العزيزة المالكة فؤادى قد فارقت الحياة يوم الأحد الفائت.. إن حزنى لشديد وحياتى كادت تنقضى..
القاهرة فى 26 اكتوبر 1907
سيدتى العزيزة.. أزداد منذ عدت يقيناً بالولاء العظيم الذى تولينى إياه أمتى وإن كنت لا أستحقه فإن ثلاثة آلاف مصرى جاءوا لاستقبالى فى محطة القاهرة يوم عودتى من أوروبا ولكى ينتقم الانجليز متى استكتبوا الجرائد التى تخدمهم بأنى أريد أن أصير خديويا، وما تركتهم أبدًا يتمادون بل صرحت بأن أول آمالى الحصول على استقلال مصر الداخلى مع بقاء الحكم فى بيت محمد على وأننى أوفى صديق للخديوى وللعرش..
القاهرة فى 7 يناير 1908
سيدتى العزيزة.. إنى مريض جدا منذ السابع عشر من نوفمبر ولقد بذلت مجهودا فوق الطاقة لإلقاء خطبتى فى الجمعية العمومية للحزب الوطنى.. صحتى بين اليأس والرجاء وإذا ما تحسنت فسوف أسافر بعد أسبوعين لأقيم شهرا فى أسوان.. هذا فيما يختص بالسياسة والصحة.. اعف عنى إذا لم أكتب إليك كثيرا فإن كثرة الكتابة تتعبنى.. المخلص لك بكلياته..
ويكتب الضابط على فهمى كامل شقيق الزعيم مصطفى كامل رسالته إلى مدام جولييت آدم:
القاهرة فى 27 فبراير 1908
سيدتى والدة أخى مصطفى.. «مات مصطفى! وقد فقدت روحى بموته كل أمل لى منذ اليوم فى الوجود! وما أسعد حال أمنا بموتها من قبله وما أسوأ حالى بحياتى الآن.. لقد كان يفكر فيك وقد سألنى أن أحرر إليك خطابا قبل أن يفارقنا بيوم واحد لأعرب لك عن تحسن حالته لإدراكه مدى قلقك على حياته، وما كنت لأدرى بأن الخطب بالباب وأن زهرة الوطن النضرة الزاهية ستذبل بعد ساعات.. عانقته فى يوم الأحد التاسع من هذا الشهر إذ كنا فى منتصف العاشرة بعد أن تحادثت معه ما يقرب من ثلاث ساعات وكان فائض الحديث لطيفه، ثم ذهبت لأستريح، وفى صبيحة الاثنين العاشر من هذا الشهر ذهبت إلى غرفته كعادتى لأطالع محياه ولكنه كان لايزال نائما.. وبعد أن فضضت بريده ووزعت عمل جريدة اللواء صعدت لأراه وكانت الساعة العاشرة قبل الزوال فوجدته معافى وسألته بعدما صافحته كيف قضى ليله فكان جوابه مرضياً، إلا أنه قد لاحت فى حديثنا أن لونه قد أخذ يتغير وأن عينيه تحدقان نحوى على نحو غريب فانزعجت وسألته ممَ يتألم فرد بكلمة واحدة: «تشجع يا على واستمر فى عملك بحكمة ليسهل علينا بلوغ الأمل».. وطار لبى فهو لى كل شيء فإنك تعلمين إنى ما تزوجت ولا ولد لى ولا أب ولا أم ولكنه مصطفى كان كل حياتى ولا أمتاز فى هذا عن كل أهله وشعبه!»..

وحدث فى مصر أن رجلا فى الرابعة والثلاثين سار خلف نعشه خمسمائة ألف مصرى يجهشون جميعا بالبكاء. وظن الإنجليز أن المعارضة قد ماتت بموت مصطفى لكن اجتماع الجمعية العمومية للحزب الوطنى قامت بانتخاب خليفته الذى نال جميع الأصوات.. أخو الجهاد محمد فريد الذى أتى رافعاً شعار «مصر للمصريين» من بعدما قال مصطفى كامل: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً»..
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.