يذهب كل أحد إلي سباق الخيل, تلك العادة التي لم يغيرها لسنوات طويلة,ينسي كل شيء: موعد ذهابه للطبيب, أولاده في اي سنة دراسية, هل ستتم ترقيته ام لا؟... لكنة لن ينسي ذلك الموعد أبدا- موعد سباق الخيل أو يلفت نظرك بملابسه الرثة وحذائه القديم وشعره الأبيض الذي يكاد ينسي مقص الحلاق, لكن ما سيجعلك تنظر إليه هو الجريدة الصغيرة, جريدة السبق الذي يخرج جزء منها من فوق الجيب الأيمن للبالطو الذي يلبسه دائما صيف شتاء, ينتهز اي وقت فراغ موجود أمامه ليضع خطوطا بالقلم الرصاص فوق اسماء الخيول التي يتوقع أنها ستكسب والخيول التي يتفائل باسمائها, او أسماء الجوكي الذي يركبها, الشيء الآخر الحريص عليه دائما هو اشتراكه في مسابقات اليانصيب إلا انها اختفت مع الوقت ولم يبق أمامه سوي سباقات الخيل, لم يعرف أحد حتي من اقرب المقربين اليه, هل كان يكسب في هذه المسابقات أم لا ؟ ولم يجب أبدا علي هذا السؤال, الا انه ورغم تقدمه في السن ظل يحافظ علي سباقات الخيل, دائما ما يستغني عن ربع مرتبه للمراهنات ومع الوقت أصبح يضحي بثلثه لهذا الغرض. أجمل أيام الأسبوع بالنسبة إليه هو يوم الاحد من كل اسبوع, لا يعرف أحد علي وجه التحديد كيف يترك عمله يوم الأحد, وماهي الأعذار التي يختلقها لكي يقتنع رؤساؤه العديدون بتلك الأعذار بل وكيف انتقل في وظائف عدة؟ لكنه حافظ علي طقس غيابه يوم الأحد, كانت نشوته القصوي التي فاقت حتي متعته بالجنس كما أخبر أصدقائه, هي لحظة بدء السباق, ان لحظة انطلاق الخيول وخروجها للمضمارهي أكبر متعة في الحياة, بل هي الحياة ذاتها, صار مدمنا ليس لهذه اللحظة فقط بل وللحظة وقوف الخيول قبل بدء السبق وصهيلها الجميل, صوت دبيب الخيول مع حركة العلم وصوت طلقة النار, انه عشق السرعة ومحبة الخيل, يشعر بأنه يطير في هذ ة اللحظة, وكأنه درويش يحلق بوجده في عالمه الخاص تجذبه فكرة ان اي شئ بعد ذلك غير متوقع يتابع كل حركة للجوكي وللحصان وحركة اللجام وضربات حوافر الحصان علي الارض اي شئ يعاد تلك العلاقة الخفية بين الجوكي والحصان واثرها علي صراخ الجماهير انها اثارة لايمكن وصفها او تخيلها الا لمن عاشها فقط. فهو يعرف من نظرة عين واحدة الحصان العربي الاصيل, الا ان تلك الهواية صارت الان هواية محرمة يخاف منها الناس ولم يعد أحد يهتم بسباقات الخيل, حاول مرات عديدة ان يتوقف عنها إلا انه لم يستطع, قرر في هذه المرة أن يراهن بكل ما يملكه ليس علي حصان واحد, بل علي كل الاحصنة كان يعرف انهم سينقلون مضمار السباق وانه لن يستطع ان يذهب لهذا المكان البعيد, وهكذا اتته الفرصة ليتخلص من العادة, الحلم,العشق الذي اهلكه وافني عمره فيه. بدء السباق, كل جوكي يتأكد من ربط خوذته, انها لحظة الوداع أو مبارة الاعتزال, تحرك العلم واطلقت الرصاصة, الجمهور القليل يصيح ولكن ليس كما كان في السابق, انها بالفعل المرة الاخيرة أرجوكم تحمسوا وتفاعلوا مع الحدث, انها مباراتي الاخيرة هكذا كلم نفسه, لكنه أحس بان الأمر لم يعد كما كان, خرج من المكان وهو لايعرف أي حصان بالضبط سوف يفوز,وتخيل الجلبة التي ستحدث عندما يبحثون عن الرجل الفائز, ولكنهم لن يجدوه فهو مشارك بالرهان علي كل الخيول وبالتالي سيفوز حتما من سيأخذ الاموال التي سيكسبها, هل سيزورن في الأوراق أم سيحصل عليها من هم بعده في الرهان بمبالغ اقل مما دفعها لحظات الخسارة واليأس التي عاشها ستنتهي اخيرا. وشعر بانة كسب اكبر مكسب في حياته, لقد صنع حدثا وحدث نفسه: لن اعود لمضمار السباق لن اعود اليه ابدا مهما حدث بينما صوت الخيول وجريها مازال يتناهي إلي سمعه.