استضافت العاصمة اليابانية طوكيو من6 إلي9 ديسمبر الحالي حدثا اقتصاديا مهما علي الصعيدين العربي والياباني, ألا وهو الدورة الأولي للمنتدي الاقتصادي العربي الياباني, ولهذا المنتدي قصة. حيث أن الجانب العربي طرح فكرة إقامة هذا المنتدي عبر القمة العربية بتونس عام2004, وذلك علي غرار منتديات أخري قامت بين الدول العربية مجتمعة وأمانة الجامعة العربية من جهة ودول وتجمعات إقليمية أخري مثل الصين والهند وأمريكا اللاتينية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وغيرها من جهة أخري, ولكن المنتدي الاقتصادي العربي الياباني كان له خاصية مميزة ألا وهي اقتصاره علي الجانب الاقتصادي, وأن كان بالتعريف الواسع لتلك الكلمة, وبما تشمله من تجارة واستثمار وزراعة وصناعة وسياحة وبنية تحتية وبيئة وقضايا مياه ومصادر الطاقة وتطوير الموارد البشرية والبحث العلمي والتكنولوجيا, وغير ذلك من مجالات ذات صلة ولكنه استبعد من نطاقه الجوانب السياسية والثقافية علي سبيل المثال.. وكان هذا التركيز علي الجانب الاقتصادي مفهوما في ضوء مايراه العالم الخارجي, بمن فيهم العرب ممايسمي ب المعجزة الاقتصادية اليابانية, أي نجاح اليابان في تحويل مالحق بها من دمار شامل في نهاية الحرب العالمية الثانية إلي أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية, ويرتبط بذلك ايضا وبالضرورة ما حققته من طفرة كبيرة في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مختلف المجالات, خاصة الطاقة والمياه والبيئة وغير ذلك, وأخيرا وليس آخرا النموذج المتميز الذي تمثله في مجال تطوير الموارد البشرية عموما والتعليم علي وجه الخصوص. قد استغرق الأمر حتي ديسمبر2008 للتفاوض بين الجانب الياباني ممثلا في وزارتي الخارجية والتجارة والصناعة والاقتصاد واتحاد رجال الأعمال اليابانيين( الكايدنران) من جهة, والجانب العربي ممثلا في مجلس السفراء العرب في اليابان والأمانة العامة لجامعة الدول العربية من جهة أخري, وفي يناير2009 أعلن الجانبان العربي والياباني رسميا عن التوصل إلي اتفاق بشأن إنشاء المنتدي وإن استمر التفاوض حول نص مشروع مذكرة تعاون بين الجانب الياباني والأمانة العامة لجامعة الدول العربية حتي تم الاتفاق بشأنها والتوقيع عليها خلال فعاليات المنتدي ذاتها. وجاء انعقاد المنتدي في ظروف مختلفة عن ظروف اقتراح إنشائه منذ سنوات في بعض الجوانب ومتشابهة معها في جوانب أخري. أما عن جوانب التشابه, فمنها ان الاقتصاد الياباني مازال ثاني أكبر اقتصاد في العالم وإن كان الاقتصادي الصيني يسعي للاقتراب منه بخطي متسارعة. والأمر الثاني من الثوابت هو أن الدول العربية, سواء الحكومات أو الشعوب مازالت تري في اليابان نموذجا اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وتعليميا يمكن الاستفادة منه, وثالث الثوابت هي أنه بالرغم من مرور هذه السنوات فإن واردات اليابان من الدول العربية وكذا غالبية استثمارات اليابان في هذه الدول تكمن في قطاعات النفط والغاز, أي مصادر الطاقة التقليدية. فاليابان مازالت تعتمد في90% من وارداتها من النفظ علي أربع دول منها ثلاث عربية, وهذه الدول هي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر. أما عن جوانب الاختلاف فمنها انه في عام2003 لم تكن هناك آليات للتعاون الجماعي العربي الياباني, ولكن منذ ذلك الوقت حدثت ثلاثة تطورات ذات دلالة, الأول هو إنشاء منتدي الحوار العربي الياباني المقصور علي اليابان ومصر والسعودية بمبادرة من رئيس الوزراء الياباني الأسبق كويزومي عام2003, بعد زيارة له لمصر والسعودية. والثاني هو انعقاد المؤتمر العربي الياباني الموسع الأول بدعوة من مكتبة الإسكندرية في نوفمبر2007, وبمشاركة نحو250 مشاركا من17 دولة عربية واليابان. والثالث هو توقيع حكومتي مصر واليابان في26 مارس2009 علي اتفاق إنشاء الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا واعتبارها مفتوحة لجميع الطلاب العرب والأفارقة. وثاني أوجه الاختلاف هو أن اليابان كانت عام2003 قد أعلنت دعمها صراحة للغزو الأمريكي للعراق, وبالتالي حاولت احتواء الغضب العربي إزاء هذا الموقف عبر اقتراح إنشاء منتدي الحوار العربي الياباني الذي تعرضنا له آنفا, بينما في سبتمبر من عام2009 شهدت اليابان تغيرا سياسيا دراماتيكيا تمثل في خسارة الحزب الليبرالي الديمقراطي الانتخابات لأول مرة منذ54 عاما ومجيء الحزب الديمقراطي الياباني لقيادة الائتلاف الحاكم لأول مرة في تاريخه. وبالتالي بات علي العرب التعرف علي والسعي للتأثير في توجهات الحكومة الجديدة, خاصة تجاه القضايا التي تهمهم, ومثل انعقاد الدورة الأولي للمنتدي الاقتصادي العربي الياباني فرصة مواتية لجس النبض في هذا السياق. ولكن ماذا عن المنتدي ذاته في دورته الأولي وعن نتائجه؟ فبداية لاشك أن المنتدي أظهر اهتمام الطرفين الياباني والعربي كل بالآخر من خلال مستوي وحجم تمثيل الرسميين ورجال الأعمال من الجانبين. ويكفي أن نقول إن عدد المشاركين من رجال الأعمال اليابانيين فاق الألف بالاضافة إلي وزيري الخارجية والاقتصاد, وأن تسعا من الدول العربية شاركت علي المستوي الوزاري واثننين منها شاركتا بأكثر من وزير, وشارك الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسي. أما الملاحظة الثانية فهي أن الجانب الياباني ايضا علي الجانبين الرسمي والقطاع الخاص أظهر اهتماما بموضوعات اخري غير مصادر الطاقة التقليدية, يعتقد ان لديه بشأنها مايقدمه للجانب العربي ويزيد من عري العلاقات العربية اليابانية توطدا, ومن هذه الموضوعات مايتصل بالمياه وإدارة مواردها ومعالجتها ومصادر الطاقة الجديدة والمتجددة من طاقة شمسية وطاقة رياح, ومايرتبط بحماية البيئة, وأيضا ما يخص تنمية الموارد البشرية عبر التعليم والتدريب, وإدراك أهمية تنويع الاستثمار الياباني في العالم العربي خارج نطاق مصادر الطاقة التقليدية, بما في ذلك إمكانية الاستثمار السياحي. أما الملاحظة الثالثة فيتصل بأن الجانب الياباني سعي لتأكيد أن اهتمامه بتعزيز علاقاته بالعالم العربي تمثل هدفا في حد ذاته وليس بغرض المنافسة مع قوي دولية أخري موجودة علي الساحة العربية. وتكمن الملاحظة الرابعة في أن الجانب العربي أبدي اهتماما بأمرين بارزين, الأول هو دعوة الجانب الياباني لتوسيع دائرة الحوار بما لايقتصر علي الموضوعات المذكورة عاليه, بل يمتد إلي تناول القضايا السياسية محل الاهتمام المشترك, وأيضا التعرض للعلاقات الثقافية, أما الأمر الثاني الذي اهتم به الجانب العربي فكان إيجاد آلية متابعة مشتركة للموضوعات التي أثيرت في الدورة الأولي للمنتدي حتي انعقاد الدورة الثانية في تونس خلال عام لضمان استثمار الزخم الذي تولد عن الإقبال علي الدورة الأولي.