مما لا شك فيه أن أموال وثروات رؤساء الدول مادة مثيرة للمعرفة خاصة بعدما إنكسر تابو ثروات زعماء دول الربيع العربي علي يد أبنائها أوائل العام الماضي. فمعيار الديمقراطية في الدول يقاس بمدي شفافية ثروات ورواتب القادة. وقد سجلت الدول الغربية مواقف من الرقابة والمساءلة لرؤسائها مثيرة للدهشة رسخت من خلالها نظم ديمقراطية لشعوبها, اما الأنظمة العربية فقد اعتبرت أموال الرئيس سرا عسكريا لايجوز الافصاح عنه وخطا أحمر لايجوز تخطيه أو الاقتراب منه وهو ما يطيح تماما بأبسط حقوق المواطن في ممارسة الديمقراطية المتمثلة في الرقابة الشعبية علي التصرفات المالية للرئيس وحكومته. وفي الحقيقة أن الملوك والرؤساء ينقسمون إلي قسمين أحدهما يقتني فيه الزعماء ثرواتهم بصفة شخصية وشرعية عبر مشاريعهم وأعمالهم الخاصة لا يستخدمون فيها النفوذ السياسي, والأخر يقتني فيه الزعماء ثرواتهم بطرق غير شرعية عبر توظيف نفوذهم السياسي في أعمالهم الخاصة لتحقيق مكاسب مادية بمخالفة للقوانين والدساتير الرئاسية المطبقة في جميع بلدان العالم. وتحت مظلة القانون والدستور فإن الرئيس لايسمح له بممارسة الأعمال بمختلف صورها وبكل أشكالها طوال فترة حكمه فضلا عن تقديمه إقرارات الذمة المالية وما يمتلكه من أموال وأصول قبل أن يرشح نفسه لهذا المنصب الرفيع. في الواقع لقد كشفت لنا ثورات الربيع العربي عن حجم الأموال الهائله لزعماء الدول العربية وعادة ما تصاحب هذه الثروات قضايا الشفافية والفساد. ففي مصر وبعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في يناير من العام الماضي تضاربت الأرقام حول حجم ثروته. وذكرت وقتها بعض وسائل الإعلام انه يمتلك هو واسرته ما بين40 الي70 مليار دولار. ووفقا لما نقلته صحيفة ال تليجراف البريطانية ان مبارك نقل امواله الخاصة التي تقدر ب3 مليارات دولار الي مصارف في نيويورك ولندن وباريس وبفرلي هيلز, وكانت معلومات أخري قد تناقلتها وسائل الاعلام قد اشارت الي ان مبارك يضع امواله في بنك يو بي إس السويسري, وبنك أوف سكوتلاند التابع ل لويدس البريطاني. وقد نشر احد مراكز الابحاث المصرية, أن مبارك إمتلك خلال السنوات الثلاثين الماضية ما يقرب من19 طنا من البلوتونيوم حيث يودعها في حساب خاص بأحد بنوك سويسرا, وتقدر قيمتهاب15 مليار دولار. ولم يعرف احد من شعبه حتي الآن ما هو البيزنس الذي كان يحيط به هو وأبنائه والهدايا التي قدمت له. ورغم ورود اسم مبارك ضمن قائمة أغني أغنياء العالم وفق مجلة فوربس الأمريكية المتخصصة في شئون المال والاقتصاد فإنه لم يقم مطلقا بالإعلان عن مصادر ثروته او الكشف عن راتبه رغم أن القانون يحتم علي رئيس الجمهورية الكشف عن ثروته ومصادرها أمام شعبه. ولكن ليس مبارك وحده الذي لا نعرف ثروته وراتبه الشهري بل أن جميع الزعماء العرب لا يعرف أحد رواتبهم الشهرية لدرجة أن مجلة فوربيس نشرت تقريرا عن رواتب جميع قادة العالم ولم تتطرق إلي أي رئيس أو زعيم عربي لقلة المعلومات. ففي سوريا ووفقا لقائمة اعدتها صحيفة جلوبس الاقتصادية العبرية, يمتلك الرئيس السوري بشار الاسد ما بين30 الي40 مليار دولارا, تدور استثماراتها بين أسرة الاسد داخل وخارج سوريا, ووفقا للصحيفة العبرية فأن ثروة أسرة الاسد تجاوزت ال40 مليار دولارا, ويعتبر جزء كبير من هذا المبلغ ثروة خاصة للرئيس بشار. وعن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي, كانت اسرته واسرة عقيلته ليلي طرابلسي تسيطران علي ما بين30 الي40% من اقتصاد تونس. ووفقا لمعطيات منظمة ترانسفرانسي انترناشيونال المالية جمعت العائلتان مبالغ مادية ضخمة تقدر ب عشرة مليارات دولار, شملت استثماراتها مختلف المصارف وشركات التأمين والسياحة والمؤسسات العقارية العملاقة في البلاد. اما الزعيم الليبي معمر القذافي فقدرت بعض وسائل الإعلام ثروته ب200 مليار دولار وفي اعقاب العقوبات التي فرضها مجلس الامن الدولي علي نظام الحكم في طرابلس, منعت الولاياتالمتحدة القذافي وعائلته من التصرف في ثروة تقدر ب30 مليار دولار, واعلنت عن ذلك في حينه وزارة الخزانة الامريكية, كما تم تجميد اموال لأسرة القذافي في البنوك الكندية بلغت قيمتها2.4 مليار دولار, فيما ابلغ بنك استراليا المركزي عن تجميد1.6 مليار دولار, واحبطت بريطانيا محاولة القذافي قبل مقتله تحويل4,1 مليار دولار. بالاضافة الي ذلك استثمر معمر القذافي في عام2009 ما يقرب من22 مليون دولار, في شبكة متشعبة من الفنادق الايطالية لأعماله الخاصة في مقاطعة لاكويلا. وكشفت صحيفة ال نيويورك تايمز عن سيولة مادية تقدر ب50 مليار دولار عبارة عن صندوق إستثمارات يستثمر امواله في دار النشر البريطانية العملاقة بيرسون, ونادي كرة القدم الايطالي يوفنتوس. وعلي صعيد الدول الغربية, الأمر يبدو مختلفا كثيرا, فثروات الرؤساء معلومة من خلال القوانين المنظمة لذلك وأيضا من خلال الذمة المالية والنظام الضريبي. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية كشف الرئيس باراك أوباما عن ثروته بموجب قانون الأخلاق في الحكم الذي سن عام1978, ويجبر كبار المسئولين الفيدراليين علي رفع النقاب عن ثرواتهم. ويذكر أن نشر هذه الثروات لا يتم بالأرقام وإنما بتقدير قيم الممتلكات بما فيها الأرصدة البنكية. المزيد من مقالات شريف أحمد شفيق