تعاقبت العصور المناخية والجيولوجية لفترات تمتد آلاف السنين، مما يجعل تخيلها أو تصورها لغزاً شديدا التعقيد، يعجز العقل البشرى عن استيعابه فنسمع عن العصر الجليدى الأول، حيث سيطر على العالم برد قارس منع أى تطور أو تغيير أو عصور أخرى سادت فيها الزواحف الطيارة، كالديناصورات منتفخة البطون صغيرة الرؤوس يسير عليها الصلف تلك العصور السحيقة، بما فيها من تجمد وعدم قدرة التغيير وما فيها من صلف وغياب للعلم والحكمة والانسانية. هذا التشبيه الاقرب لحال الصجة فى مصر مقارنة بمجتمعات أخرى أخذت نفسها بجدية وصرامة حتى تتطور وتتحقق فيها إنسانية الانسان فى لحظات ضعفه ورغما عن غناه أو فقره فعبر ثلاثة عقود من الممارسة كممتهن للطب والجراحة والرعاية بالبشر تم إجبارى وإجبار عشرات الالاف من ممارسى مهنة الطب والتمريض والرعاية الصحية على تغيير مفاهيمنا عدة مرات عن كيفية التعامل مع المرضى فى بريطانيا ورعايتهم وحقوقهم وذلك لأن الساسة، ورجال الادارة هم من يحددون مسار الصحة فى تلك الدول فلقد أجبر (السياسيون) هناك مهنة الطب وكل الأطباء وكل ممتهن للصحة على التغيير مضطرا .. تغيير فى حقيقته هو استجابة للأرقام أرقام المضاعفات، وأرقام الوفيات أرقام فترة الاضطرار للإقامة فى المستشفي، أرقام قوائم الانتظار للعمليات أرقام انتظار الاطباء فى العيادات الخ. (لاشىء مقدس) فى الغرب إلا التحسن المستمر فى الإدارة والأرقام الكتب المقدسة ذاتها من الانجيل للتوراه تقف مطأطئة الرؤوس أمام قداسة الارباح وسرعة الاستجابة لها. قداسة (أرقام الارباح ومعدلاتها) خلقت قداسة للأرقام فى كل المجالات ولضرورة وسرعة الاستجابة لها ولما تستدعيه من تغييرات عميقة. أرقام تستدعى تغيرات تكاد تكون مستحيلة ولكنها تغييرات تتم رغما عن تمرد دائم من الاطباء واحتجاجاتهم المتوالية وأنانيتهم وسلوكهم الذى يقدس ما عرفوه واعتادوه وتفضيلهم لما اعتادوه من ناموس مستقر يضمن كسل الحياة وسكونها ومصالح حساباتهم المصرفية. الأطباء والجراحون هم كهنة أنانيون فلقد اقتربوا مما لايعرفه الناس أو يدركونه اقتربوا من قدس الاقداس. العلاقة المعقدة بين السياسيين ومهنة الطب هى الغائبة فى بلادنا فالسياسى المصرى يقترب من الطب بحذر فالطب المطلسم بالغموض لغز أمامه هذا اللغز فى نظره لا يحله إلا (أساتذة الطب) فى المستشفيات الجامعية أولئك الاساتذة هم قلب الداء. فأولئك بالاساس ليسوا رجال إدارة كما أنهم أصحاب مصالح والتزامهم المهنى بمؤسسات الدولة واه كخيوط العنكبوت فالغالبية العظمى من أساتذة المؤسسات المقدسة كقصر العينى أو عين شمس يحضرون مستشفياتهم (كزوار) متعطفين هكذا هى الحال بعد الوصول لدرجات عليا من الاستاذية، وتلك هى رؤيتهم لقداسة أناملهم ولمعارفهم كجراحين وذاك هو تعطفهم بعد أن تتراكم الأموال فى خزائنهم من العيادات الخاصة إنه دور الزكاة والمن والعطف. تقدم الطب فى شمال العالم عبر تاريخ طويل من تأنيب الضمير لممارسى مهنة، الطب. ترى كم من أساتذتنا قلب الدنيا وأقعدها لأن أرقام أو نسب العدوى فى وحدات الأطفال المبتسرين فى مستشفى حكومى مرتفعة؟ أو لأنه عرف أن نسب الاحتياج لنقل الدم مرتفعة فى بعض المستشفيات وتحديداً فى أيادى بعض الزملاء من الجراحين؟ أو لأن نسبة الالتهاب الدماغى السحائى أرتفعت فى مدينة بعينها؟ أو لأنه سمع مثلا كما سمعت من طبيبة مصرية أن هناك مسابقات تدور بين النساء حول من سينهى عملية القيصرية أولا، مسابقة بمعنى مسابقة بين طبيبين صغيرين فى حجرتين للعمليات. فى مناخ كهذا يكون من الوهم أن نتحدث عن المريض واحتياجاته وهو بؤرة الرعاية الطبية المستشفيات والمؤسسات الطبية فى العالم كله أماكن خطيرة. يتعرض فيها المريض لأخطار. تحيطه أثناء وجوده فى أى مستشفى أو مكان للعلاج. فكم سمعنا عن أعضاء تم بترها خطأ بينما بقى العضو المصاب؟ وكم سمعنا عن إصابات ميكروبية مستعصية تصيب الناس أثناء دخول المرضى كمرضى داخل المستشفيات، وكم سمعنا عن عمليات لنقل الكلى تنجح فيها العملية ولكن المريض يصاب بجلطة فى ساقه أو رئته تقضى عليه. وكم سمعنا عن أهمية التدخل فائق السرعة فى حالات الجلطة الدماغية أو القلبية؟ تلك القضايا نستطيع تخليصها بأن المستشفيات أماكن خطرة جداً حتى فى أكثر دول العالم تقدما، أماكن يتلقى فيها المرضى العلاج والجراحات، لكن كل تلك التدخلات لاتتم دون مخاطر جسام. فهل هناك فى بلادنا من يتأمل فى تلك المخاطر ويجبر تلك المؤسسات الطبية على الانصياع للعلم الحديث وعلى صنع الوثائق العلاجية المقدسة، التى تجبر الاطباء على الانصياع. هذا حدث فى أوروبا ويحدث حتى اليوم أمام ارتفاع نسبة جلطة الرئة منذ عشرات السنوات أو نسبة ازدياد وفيات الامهات نتيجة للإجهاض غير المقنن فى الستينيات مما أجبر تدخلا برلمانيا بإباحة الإجهاض! ودون انغماس الساسة والاداريين الجادين فى إدارة الطب، فستظل صحة المصريين مجالاً للعبث وللربح السريع. وستظل صحة الناس مجالاً لكثير من الدموع ولتقليب عاجز للكفين ولإيمان واهم بالقدر فالله وحده هو القادر على إضفاء السكينة فى قلب الانسان الذى خذله أمثاله من بنى البشر.. المجتمع العاجز هو ذاك الذى يقبل عجزه وعجز البشر فيه كقدر إلهي، والله منه برىء. لمزيد من مقالات د. حازم الرفاعي