جرت وقائع التصعيد في مسألة نقابة الصحفيين بسرعة إلى الحد الذي فاجئنا بأزمة طاحنة دون سابق إنذار، فلا النقيب ابلغنا أن هناك صدامًا وشيكًا بين النقابة وسلطات الأمن، بسبب لجوء اثنان من المطلوبين للنائب العام للتحصن بمبنى النقابة، ولا أبلغنا أن هناك نيه للتصعيد ضد أجهزة الأمن ممثلة في السيد وزير الداخلية مباشرة باعتباره من وجهة نظر المجلس هو المسئول الأول عن هذا الاقتحام. والحقيقة أننى شعرت بالاستياء من موقف المجلس والنقيب، ذلك أنه وضعنى في مأزق حقيقي كعضو نقابة، يهتم بنقابته ويحرص عليها، إذ دفع مجلس النقابة والنقيب الأحداث في تسارع متتالى، ووضعنا جميعًا في خانة"اليك"، إما أن نوافق على هذا التصعيد، أو نصبح من وجهة نظر المساندين لهذا الموقف من دعاة شق الصف . وأظن أن النقيب مع كامل إحترامى له قد أخطأ فيما اتخذه من إجراءات في المرتين، فلو كان النقيب قد بدأ بالدعوة إلى اجتماع للجماعة الصحفية لبحث الأمر واستشارة الجماعة الصحفية في الأزمة قبل التصعيد لكان ذلك أفضل، ولربما وجد أصواتًا عاقلة محنكة تنبهه إلى ضرورة الحذر من التصعيد لأعلى درجة مرة واحدة، إذ كيف يعقل أن يبدأ بالتصعيد مباشرة ضد الوزير ويطالب بإقالته، دون توجيه السؤال أولًا للوزير عن الأسباب التي دفعت المسئول الأمنى إلى هذا الاقتحام لو كان قد حدث اقتحام بالقوة كما قيل، وبعدها كان يمكنه البدأ بطلب اتخاذ إجراء ضد المسئول لو كان قد أخطأ إذا لم يجد استجابة من السيد الوزير. ثانيًا لماذا اتخذ قرارًا منفردًا بالسماح للمطلوبين بالتواجد بالنقابة دون إخطار الجماعة الصحفية، ودون التواصل مع السيد وزير الداخلية وطلب الإذن منه بأن تتريث سلطات الأمن لحين اصطحاب النقيب لهما بنفسه إلى الجهات المختصة، تمامًا كما كان يفعل أساتذتنا النقباء السابقين. الحقيقة أننى استطيع أن أتفهم هذه الثورة العارمة وبهذه القوة من مجلس النقابة، لكن هذا المجلس نفسه هو الذي وقف متفرجًا على انتهاكات وتنكيل لزملاء في المهنة من قيادات في مؤسسات صحفية، وكنت أتمنى أن يثوروا ولو حتى جزءاً يسيراً من هذه الثورة ضد من ينكلون بهؤلاء الزملاء، والزميلان العزيزان يحيى قلاش وخالد البلشي يعلمان تمامًا ما أشير إليه وحذرتهما منه في مكالمة هاتفية منذ أقل من شهر، إذ كنت قد حذرتهما من مغبة شعور الزملاء بعدم التوازن في موقف النقابة من الدفاع عنهم حين يحتاجون إليها. ذكرتنى تلك الوقائع ايضًا بواقعة حدثت في أواخر التسعينيات حين ترشح الزميل الأستاذ مجدى أحمد حسين لمنصب النقيب في التجديد النصفي أمام الأستاذ إبراهيم نافع، وقتها كنت لا أزال أعمل ضمن فريق جريدة الأهرام إبدو الصادرة باللغة الفرنسية عن مؤسسة الأهرام. جلسنا نستمع إلي الزميل المترشح وحين جاء دورنا في إلقاء الأسئلة قلت له، أستاذ مجدى، أنت تنتمى للتيار الإسلامى فماذا يضمن لنا أنك لن تؤسلم النقابة حال فوزك؟ أجاب مبتسمًا: نحن حين نتولى منصب النقيب نخلع العباءات السياسية والمذهبية ونتفرغ للعمل النقابي. ابتسمت وقلت له، سوف أحاول أن اصدقك ولكنك ضيف دائم على السجن لأسباب سياسية، والمفروض أننا نلجأ للنقيب إذا تعرضنا للسجن، فقل لي لمن سنلجأ إذا إذا تم سجنك وأنت نقيب الصحفيين؟ ضحك وقال، لقد أغلقوا لنا جريدة الشعب المسئولة عن وضعنا في السجون ولا أظن أننى سوف أسجن من جديد.. رحل المترشح عن الجريدة ولم أنتخبه بالطبع واظن أنه سُجن بعد ذلك. لا أعرف بماذا يمكننى أن أنصح النقيب الآن فلقد سبق السيف العزل كما يقولون، لكننى أرجو أن يتريث الجميع وأن يُعملوا العقل ويسترشدوا بشيوخ المهنة لحل هذه الأزمة بهدوء حرصًا على المهنة والنقابة والمستقبل. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود