هذا العام وكل عام وبالتحديد يوم 15 مايو، يحيى الفلسطينيون والعرب ذكرى نكبة فلسطين التى بدأت عام 1948 ولا تزال أسبابها وتداعياتها مستمرة حتى الآن، حيث تم اغتصاب أرض فلسطين العربية على أيدى العصابات الصهيونية بالتآمر والاشتراك مع بريطانيا وإعلان قيام دولة اسرائيل وتدمير 531 قرية ومدينة وأهلها بالكامل وارتكاب 50 مذبحة موثقة تاريخيا ودوليا وقتل 30 ألف فلسطينى وتهجير 840 ألفا آخرين ومصادرة أراضيهم وتشريد أعداد كبيرة من الشعب الفلسطينى وتحويلهم إلى لاجئين داخل فلسطين وخارجها. إلا أن الذكرى ال 68 لتلك النكبة حلت علينا هذا العام والقضية الفلسطينية تواجه أسوأ مراحلها، فلم تعد قضية العرب الأولى التى خاض من أجلها العرب أربع حروب كبرى ضد الكيان الصهيوني، فقد تراجعت أولوياتها فى الاجتماعات والمؤتمرات والمنتديات وحتى فى القمم العربية ولم تعد تتصدر جدول الأعمال إلا ذرا للرماد فى العيون باعتبارها قضية العرب الأولي، نظرا لوجود نكبات عربية أخرى خلقت واقعا جديدا فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، فالسورى يقتل السورى والعراقى يقتل العراقى واليمنى يقتل اليمنى والليبى يقتل الليبي، دفاعا عن الطائفة أو المذهب أو العرق أو الجماعة أو الفصيل أو الحزب، لا دفاعا عن الوطن ووحدة أراضيه واستقراره وتنميته وتقدمه فى مواجهة مخططات امريكا واسرائيل والغرب لتقسيم وتفتيت المنطقة لصالح اسرائيل أو المشروع الايرانى الفارسى لإعادة الامبراطورية الفارسية أو المشروع التركى لإحياء دولة الخلافة الاسلامية، ناهيك عن انتشار آفة الإرهاب وبقاء الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ 22 عاما. ووجود لبنان بدون رئيس قرابة عامين وانزلاق عدد من الدول العربية إلى عداد الدول الفاشلة.كما بقيت القضية الفلسطينية جوهر الصراع فى المنطقة وأكليشيه ينطق به القادة العرب دائما بعد أن دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا لها، ولم تفلح فى تصحيح الخطأ التاريخي. فظلت النكبة كارثة تعكس عجز العرب عن التصدى لنتائجها واستمرارها، لأنهم اكتفوا بما يربط بينهم من عوامل الأخوة والتاريخ والدين واللغة والموقع، ولم يشكلوا كيانا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا قويا فى عالم لا وجود فيه إلا للتكتلات والأقوياء. وعلى عكس ما تفعله الدول بعد فترات محددة من تاريخها بالإفراج والكشف عن وثائقها الرسمية السرية، وما تتضمنه من أسرار ومواقف انطلاقا من أن الشعوب من حقها الاطلاع على تلك الوثائق والأسرار وما تحتويه من انكسارات أو هزائم أو انتصارات، لم تفرج أى دولة عربية عن وثائقها الرسمية السرية الخاصة بمشاركتها فى حرب 1948 التى تكشف عن أسباب حدوث نكبة فلسطين وقيام دولة إسرائيل وما أحدثته من تغيرات أساسية فى المنطقة.والسؤال القديم الذى نطرحه فى مناسبة هذه الذكرى هو : ما هى الأسباب الحقيقية لتلك النكبة؟ وهل مازالت مستمرة؟ الجواب عند العرب هو: أن سبب النكبة مؤامرة خارجية نفذتها دول وقوى أجنبية بما يفوق قدرات وطاقات العرب!.. أما القادة العرب أنفسهم حينذاك فقد تبادلوا فيما بينهم التهم التى يندى لها الجبين ليتهربوا من مسئولياتهم عن وقوع تلك النكبة، بعد فشلهم فى الاتفاق على قيادة موحدة لجيوشهم وأستطيع القول إن العرب قادة وشعوبا وحكومات مطلوب منهم الآن وقبل فوات الأوان أن يتمثلوا جميعا موقف الحكيم العربى الذى جمع ابناءه وأعطى كلا منهم عودا وحزمة وطلب من كل منهم أن يكسر العود أولا ثم الحزمة ثانيا، ففعل الأولى لم يقدر على كسر الثانية فقال لهم:«إنكم كذلك».. فى تفرقكم ضعف قابل للهزيمة.. وفى تجمعكم قوة يصعب التغلب عليها. لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين