يقول عز من قائل وفي الأرض آيات للموقنين الذاريات20هذه دعوة كريمة مباركة من رب العزة و الجلال إلي الإنسان ليرتقي في معارفه الإنسانية, فإنه كلما ارتقي في المعرفة واتسعت مداركه وزادت معلوماته, وكثرت تجاربه واطلع علي أسرار الكون وأسرار النفس ارتقي نصيبه, وتضخم رصيده, وتنوع زاده الذي يتلقاه من المعارف في أسرار هذا الكون الذي نعيش فيه... فهذه الخلائق التي تعمر هذه الأرض من الأحياء. نباتا وحيوانا وطيرا وشمسا وزواحف وحشرات هذه الخلائق التي لم يعرف عدد أنواعها وأجناسها بعد, فضلا عن إحصاء أعدادها وأفرادها وهو مستحيل, وكل خليقة منها أمة! وكل فرد منها عجيبة. كل حيوان. وكل طائر. وكل زاحفة. كل حشرة. كل دودة. كل نبتة لا بل كل جناح يرقة, وكل ورقة في زهرة. وكل قصبة في ورقة! في ذلك الكون الإلهي العجيب الذي لا تنقضي عجائبه. ولا يدرك هذه العجائب إلا القلب العامر باليقين. وفي الأرض آيات للموقنين. آيات لا تعد ولا تحصي; في خلقنا, في طعامنا, في شرابنا, في أولادنا, في أزواجنا فيمن حولنا, في النباتات, في الأسماك, في الأطيار, في التضاريس, في الهواء, في الماء في المناخ, في المجرات وفي كل شيء له آية تدل علي أنه واحد. كلما تأملت في الكون ازددت معرفة بالله. وكلما عرفت أمره ونهيه عرفت عظمة الله عز وجل من خلال خلقه ومن خلال أمره, ومن خلال فطرته. هذا.. ومن الآيات الدالة علي عظمة الخالق البارئ المصور الطير في السماء وتشير إلي ذلك الآية القرآنية: في قوله تعالي:( أولم يروا إلي الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن) الملك19. إنها دعوة إلي التأمل والتدبر في هذا المخلوق العجيب نتدبر هذه الخارقة التي تقع في كل لحظة, تنسينا بوقوعها المتكرر ما تشير به وما تدل عليه من القدرة والعظمة فلنتأمل هذا الطير, وهو يصف جناحيه ويفردهما ثم يقبضهما ويضمهما, وهو في الحالين: حالة الصف الغالبة وحالة القبض العارضة يظل في الهواء, يسبح سباحة في سهولة ويسر, ويأتي بحركات يخيل إلي الناظر أحيانا انها حركات استعراضية لجمال التحليق والانقضاض والارتفاع. تأمل هذا المشهد ومتابعة كل نوع من الطير في حركاته الخاصة بنوعه لا يمله النظر, ولا يمله القلب, فهو متعة فوق ما هو مثار تفكير وتدبر في صنع الله البديع. والقرآن الكريم يشير بالنظر إلي هذا المشهد العجيب والمثير في قوله تعالي:( أولم يروا إلي الطير فوقهم صافات ويقبضن). فالآية هنا تدل علي كمال قدرة الله تعالي وبديع صنعه وحكمته في خلق المخلوقات, فإنه سبحانه خلق الطير وزوده بآلات تمكنه من الطيران, فجعل له جناحين يبسطهما ويقبضهما, ليتغلب بذلك علي مقاومة الهواء والجاذبية, وميزه عن غيره بالجسم الانسيابي الخفيف كما ميزه بالشكل والوزن, ليستفيد مما سخره الله سبحانه من طبيعة الجو فيسهل عليه خرقه ونفاذه فيه. ثم يوحي بما وراءه من التدبير و التقدير:( ما يمسكهن إلا الرحمن), والرحمن يمسكهن بقدرته القادرة التي لا تكل, وعنايته الحاضرة التي لا تغيب وهي التي تحفظ هذه النواميس أبدا في عمل وفي تناسق وفي انتظام فلا تفتر ولا تختل ولا تضطرب غمضة عين إلي ما شاء الله:( ما يمسكهن إلا الرحمن) بنواميسه التي أودعها فطرة الطير وفطرة الكون من حولها, وجعل الطير قادرة علي الطيران, وجعل الجو من حولها مناسبا لهذا الطيران, وأمسك بها الطير لا تسقط وهي في جو السماء صاف بهذا التعبير المباشر الذي يشي بيد الرحمن تمسك بكل طائر وبكل جناح. والطائر صفا جناحيه, وحين يقبض وهو معلق في الفضاء!,( إنه بكل شيء بصير) يبصره ويراه ويبصر أمره ويخبره. ومن ثم يهيئ وينسق, ويعطي القدرة, ويرعي كل شيء وكل لحظة رعاية الخبير البصير. وإمساك الطير في الجو كإمساك الدواب علي الأرض الطائرة بما عليها في الفضاء كإمساك سائر الأجرام التي لا يمسكها في مكانها إلا الله. فصنعة الله الذي أتقن كل شيء صنعه كلها إعجاز وكلها إبداع. وكلها إيحاء وكلها إيقاع. والقلب العامر بالإيمان يشعر ببدائع الخلق والتكوين ويدرك ما فيها من إعجاز وإبداع فيتأمل ويفكر في قوله تعالي:( وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه) فيملأه العجب ويتساءل: هل هناك طائر يطير بلا جناحين ؟! أو هل هناك طائر يطير بجناح واحد ؟! ولكن ذكر هذا الشيء البديهي, فيه كما يقول المفسرون: عناية بهذا الشيء. أي هل نظرت إلي جناحي الطائر الذين يطير بهما؟ هل نظرت إلي تطابقهما التام من حيث تركيب الريش, وحجمه, وتنوعه, وتدرجه ؟ تطابق يكاد يكون تاما من حيث الترتيب, والحجم والتنوع, والتدرج, والتنسيق. وهل نظرت إلي ريش الطائر الذي هو أساس طيرانه ؟ إنه يجمع المتناقضين خفيف إلي درجة انعدام الوزن, ومتين إلي درجة صلابة الفولاذ. فهو خفيف ومتين. وقابل للإصلاح, فأي خلل في ريشه ينبت ريشا كأنه من دون أن يضطر إلي أن يقعد عن الطيران, ويسهل علي الطائر أن يقوم برحلة يعجز عن إدراكها العقل, لو غير في زاويته درجة, لجاء في بلاد بعيدة كل البعد عن موطنه. إذن ما الذي يدفعه إلي الهجرة ؟! الذي يدفعه أن يخزن من الشحوم ما يعينه علي قطع سبعة عشر ألف كيلو متر في الهواء ؟ ما الذي يعينه علي أن يبقي في الجو سته وثمانين ساعة يطير ؟ ما الذي يهديه في ظلمات البر والبحر؟!.. إنها قدرة الله وعظمته ومشيئته. قدرة باهرة تهز المشاعر وتستجيش الضمائر والقلوب والنفوس الطاهرة فتسبح بحمد الله الخالق البارئ المصور. فسبحان الله وبحمده.. سبحان الله العظيم