اليوم ونحن علي اولي عتبات الديمقراطية, حيث إننا ولأول مرة نمارس حقوقا لم نعرفها ولم نمارسها لسنوات طويلة, ليس عيبا ان ندرس ونعرف ممن سبقونا في هذا المضمار, كيف يمارسون ديمقراطيتهم, حتي وان لم تكن الافضل. فشعوب بلاد مثل بريطانيا والولايات المتحدةوفرنسا تمارس الديمقراطية منذ عشرات السنين وارست نظمها تدريجيا كل لتناسب شخصيتها وظروفها وتاريخها, ولقد شاهدنا اخيرا تجربة الانتخابات الرئاسية في فرنسا حيث فاز مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا أولاند بالرئاسة بعد17 عاما لم يتمكن الحزب الاشتراكي من الفوز بها, وخرج مرشح اليمين نيكولا ساركوزي من الاليزيه بعد فترة واحدة, فشل فيها ان يحتفظ بثقة الغالبية العظمي من الناخبين. فان كانت الديمقراطية هي حكم الشعب, فذلك يعني أنها حكم أغلبية ابناء هذا الشعب التي من حقها ان تدلي بصوتها, وبالرغم من ان الاغلبية ليست بالضرورة هي دائما علي صواب, فانها تظل هي الاحق وهي المسئولة عن اختيارها. لذا فلكي تنجح الديمقراطية يجب ان يمارس الشعب هذا الحق بشكل دوري ودائم, ليست فقط في فترة الانتخابات العامة او الرئاسية, ولكن في كل اوجه الحياة, يجب ان يواجه دائما بالاختيارات وان يكون دائما مستعدا لابداء الرأي في حياته اليومية والعملية, ويمارس الديمقراطية في المجال المحلي والمدرسي والعائلي. فان الشعب الواعي هو الذي يختار بوعي من تحتاجه البلاد, وليس اختيار عاطفي او مجاملة. ونري مثلا علي الاختيار الاصلح في بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية, عندما رفض الناخب البريطاني اختيار حزب رئيس وزرائه العظيم, ونستون تشرشل, الذي قاده الي النصر في الحرب العالمية الثانية, واخرجه من الانتخابات العامة في عام.1945 فقد ادرك الناخب ان من قاده الي النصر في الحرب لن يقوده الي البناء في فترة السلام, وان البلاد دخلت مرحلة جديدة اصبحت في حاجة لشخص اخر لكي يبني ويعمر. من ناحية اخري, الديمقراطية ليست فقط اختيار وممارسة, ولكنها ايضا قبول وتسليم بالواقع وبحق الاغلبية في ان تري مرشحا يتولي شئون الحكم, فقد رأينا كيف تصرف مرشح الرئاسة السلفي حازم ابو اسماعيل, وما يطلق عليهم تعبير ابناء ابي اسماعيل عندما استبعد من الانتخابات وسمعنا كيف يبايعونه بالدم, وفي الوقت نفسه, اعرب العديد من الشباب عن نيته الهجرة من البلاد في حالة فوز مرشح أخر غير الذي يؤيده, او في حالة نجاح الاخوان, احتجاجا علي النتيجة, الموقفان متشابهان, والجانبان يفتقدان الي الكثير من الوعي الديمقراطي, فان قبول اختيار الاغلبية مهما تكن النتيجة, هو اول درس في الديمقراطية, فإن تابعنا الانتخابات الفرنسية واتخذناها مثالا علي ذلك فسوف نجد ان ابتعاد مرشحي الحزب الاشتراكي عن الرئاسة لسبعة عشر عام لم يدفعهم الي التظاهر ان الاحتجاج او الهجرة, واليوم وبعد فوز اولاند, لم نسمع ان اليمين سواء المعتدل او المتطرف, قرر الهجرة او اعلن احتجاجه علي النتيجة معتبرا ان الاغلبية التي اختارت اليسار هي اغلبية متخلفة وجاهلة. واخيرا, الديمقراطية هي ايضا قبول الهزيمة بكرامة واحترام من جانب المرشح, وليس فقط من جانب انصاره, فمن يتصور انه فوق النقد والانتقاد بسبب تاريخه وخبراته, او بسبب تقواه وتقربه الي الله, او بسبب تمتعه بكاريزما شعبية, ومن يتوقع عن تقديم نفسه ويتعالي علي الشعب, فقد ابتعد عن الديمقراطية المعني والممارسة. فبالرغم من كل التحفظات علي سياسات الرئيس الفرنسي المهزوم نيكولا ساركوزي, الا ان خصومه اعربوا عن اعجابهم الشديد باسلوب قبوله هزيمته, وكيف انه تقبل الهزيمة بكرامة سواء في كلمته التي القاها يوم الاعلان عن هزيمته واعترافه بمسئوليته وحده عنها, ليرفع عن انصاره مشاعر الاحتجاج والانتقام, او عندما دعا الرئيس المنتخب, أولاند, لان يرافقه في الاحتفالات بذكري نهاية الحرب العالمية الاولي ووضع اكاليل الزهور علي قبر الجندي المجهول, وهي اخر مهام ساركوزي قبل نقل السلطة في يوم16 مايو الحالي, مما ادي الي خفض التوتر والاحتقان بين الجانبين, او اخيرا من خلال لجوئه الي الصمت والتراجع بكرامة باعثا بذلك برسالة الي الشعب الفرنسي اكد فيها ان الرئيس المنتخب الذي اختاره اكثر قليلا من51% من الناخبين سيصبح هو رئيس كل الفرنسيين. قد لا تكون الديمقراطية هي افضل النظم السياسية, ولكن لا يوجد حتي الان نظام اخر افضل منها واكثر عدلا, فبالرغم من الانتقادات التي يمكن ان نوجهها الي النظام علي اساس ان الاغلبية ليست دائما علي صواب, الا ان علينا الاعتراف بانه النظام الوحيد الذي يقدم الآليات التي تضمن ضمانا اكيدا بأن بعد سنوات محددة سيتم اجراء الانتخابات مرة أخري, ومن فشل في مهمته في ادارة البلاد وفي تحقيق التقدم والتنمية المنشودة والمرجوة وفي تنفيذ التعهدات التي اعلنها, لن يعاد اختياره مرة أخري الي المنصب, كما ان النظام هو الضمان الوحيد لتطبيق القانون بدون استثناءات, وارساء العدالة التي هي اساس الحكم الرشيد. المزيد من مقالات ليلى حافظ