في زمن طغت فيه المادة، وانعدمت فيه الصلات، وكثرت فيه المشكلات والاعتداءات والاتهامات، وانتشرت فيه الأكاذيب، يحتاج المسلم إلى الأنس بربه، والالتجاء إليه، والاتصال به ليل نهار، واستشعار معيته سبحانه، فإنا بحاجة إلى أن نلجأ إلى الله في كل كبيرة وصغيرة، سائلين إياه العون، طالبين منه المدد، خاضعين خاشعين نبتغي رجاءه سبحانه أن يصلح حال بلدنا الحبيب مصر وسائر بلدان المسلمين. إن استشعار معية الله تبارك وتعالى أمر يقوي عزيمة المسلم، ويجعله ماضيًا في طريقه، وبالذات في هذا الزمان الذي كثرت فيه المشاق والتبعات، وقلت فيه فرص العمل، واشتعلت فيه الأسعار، فليس الدعاء وقت الحاجة فقط بل في كل وقت وحين مهما غرتنا الأسباب والقدرة على فعل الأشياء، فلا بد للمسلم أن يأنس بربه، ويستشعر معيته في كل كبيرة وصغيرة ولا يكفي الاستغناء بالأسباب عن الاستعانة برب الأسباب وخالقها تبارك وتعالى. يقول ربنا عز وجل في الحديث عن الدعاء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، أضاف المولى جل وعلا العباد إليه، وجاء الرد المباشر عليهم منه سبحانه، ولم يقل: فقل لهم: إني قريب، إنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال (فإني قريب)، (أجيب دعوة الداع إذا دعان) حقا إنها آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين بما عند الله، وفي ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود، وهذه الاستجابة الروحية، يوجه الله عباده إلى الاستجابة له، والإيمان به، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح، فيقول سبحانه: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون). كثيرون هم الذين يعتقدون أن الدعاء يُلجأ إليه عند الحاجة فقط، والحقيقة هذا اعتقاد جانبه الصواب، فالدعاء هو عبادة لله عز وجل مصداقا لقوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم:48-50]، وقال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، إن الدعاء هو من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد على الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفضل العبادة الدعاء)). فهيا أخي المسلم سارع واغتنم الفرص وارفع يديك إلى مولاك راجيا رحمته طامعا في رضاه خائفا من عذابه، سائلا إياه تفريج الكروب ورفع البلاء عن بلادنا وإصلاح ذات بيننا، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبين))، فاللهم استجب دعاءنا ولا تخيب فيك رجاءنا، إنك ولي ذلك والقادر عليه. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر