أخي المسلم، يا من تشكو همًّا طالما أرهقك، أقبل على ربك محسنًا به الظن داعيًا إياه؛ فقد قال "أنا عند ظن عبدي بي..."، ادعُ ولا تخجل، بل ألحْ على الله في الدعاء، سائلا إياه حاجتك مهما عظمت، ولقد منَّ الله -عز وجل- علينا بشهر الصيام، شهر فيه تُفتّح أبواب الجنان وتُغلّق أبواب النيران وتُصفّد الشياطين، فما أحوجنا إلى التعرّض لنفحات هذا الشهر واغتنامه بالتقرب إلى الله والخضوع والخشوع بين يديه وطلب رحمته ومغفرته، وذلك يكون بأن نفعل أفضل العبادات والقربات، ونكثر من الطاعات. ومن هنا؛ فإن الدعاء هو من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل العبادة الدعاء"، فهيا أخي المسلم سارع واغتنم الفرص وارفع يديك إلى مولاك راجيًا رحمته طامعًا في رضاه خائفًا من عذابه، قال عليه الصلاة والسلام: "إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين"، وقد اختص ربنا تبارك وتعالى الصائم بأن له دعوة لا تُرد فلنغتنم هذه الفرصة ونكثر من الدعاء. ولكن كثيرًا من الناس يقعون في أخطاء تخالف آداب الدعاء التي نص عليها مصدرا التشريع الأصليان كتاب الله وسنة ورسوله صلى الله عليه وسلم ففيما يلي بعض من هذه الأخطاء. لا تربط الدعاء بالحاجة كثيرون هم الذين يعتقدون أن الدعاء يُلجأ إليه عند الحاجة فقط، والحقيقة هذا اعتقاد جانبه الصواب، فالدعاء هو عبادة لله عز وجل مصداقا لقوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم:48-50]، وقال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. وربنا تبارك وتعالى بعد أن حدثنا عن آيات الصيام في سورة البقرة عقّب بالحديث بعدها عن الدعاء فقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، فلم يقل ربنا سبحانه: فقل لهم: إني قريب، إنما تولى بذاته العلية الجواب عن عباده بمجرد السؤال: قريب، ولم يقل أسمع الدعاء، إنما عجل بإجابة الدعاء: (أجيب دعوة الداع إذا دعان)، وفي ظل هذا الأنس وهذا القرب وهذه الاستجابة الروحية يوجه الله عباده إلى الاستجابة له، والإيمان به، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح، (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).. فالثمرة الأخيرة من الاستجابة والإيمان هي لهم كذلك، وهي الرشد والهدى والصلاح. فالله غني عن العالمين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وصدق من قال: لا تسألنَّ بُنِيّ آدمَ حاجةً *** وسَل الذي أبوابُه لا تحْجَبُ الله يغضبُ إنْ تركتَ سؤالَهُ *** وبني آدمَ حينَ يُسألُ يَغْضَبُ فهيا أخي الصائم وأقبل على مولاك داعيًا إياه موقنًا بالإجابة محسنًا به سبحانه الظن، مهما عظمت حاجتك ومهما كان طلبك فالله تعالى يقول في الحديث القدسي: "يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عارِ إلاَّ مَن كَسوته، فاستكسوني أَكْسُكُم، يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم...".