ما من شك أن الأوضاع الثقافية فى مصر بحاجة إلى تدخل عاجل من المسئولين لإصلاحها باعتبارها مسألة «أمن قومي». الأهرام تفتح اليوم عبر ملف الثقافة من وجهات نظر مجموعة من الأدباء المشاركين بأقلامهم وابداعاتهم فى الحياة الثقافية المصرية اليوم. حيث طرح كل منهم مبادرة رأى فيها الأمل للنهوض بجانب من جوانب حياتنا اليومية انطلاقا من الفكر والإبداع، مثل الإبداع الروائى وأدب الأطفال والتعليم, خاصة تعليم الأدب, والإصدارات الفكرية وتنظيم مؤتمرات عصف ذهنى لجمع أفكار المثقفين لإصلاح المجتمع. يرى الشاعر حسن طلب أن المهمة الرئيسية التى يجب إنجازها من أجل نجاح أى تحرك ثقافى هى إعادة هيكلة وزارة الثقافة من جديد وانتاج سياسات جديدة تماما تكون مظلة تشمل جميع أطياف المجتمع المصري. وقال إن هذا لن يحدث إلا بعد أن يعاد النظر فى الأسماء التى تتكون منها كوادر الوزارة، بل والوزير نفسه وذلك مع الاحترام لكل القائمين عليها. لكن الواقع يقول إن كل وزير يأتى يعيش فى جلباب من سبقه. وكأن تغييرا لم يحدث. حتى عندما يتم اختيار وزير جديد يكون بمشورة الذى سبقه. وهكذا يأتى الجديد مدينا للقديم. ويقول طلب: نجد انعكاسات ذلك واضحة على مطبوعات وزارة الثقافة التى لم تعد تلقى رواجا لأنها تدور فى محور أشخاص بعينهم. وأشار إلى أن هيئة الكتاب التى تعتبر أهم هيئات الوزارة، والتى باتت اليوم فى حالة يرثى لها بسبب ضعف الإمكانات الأولية مثل الحبر. وقال إن المجلس الأعلى للثقافة يشهد تجربة متميزة كحالة استثنائية فى الوزارة حيث أتت الدكتورة أمل الصبان بفكر جيد وأثبتت أنه مازالت هناك كوادر قادرة على استيعاب الجميع والإنصات إلى كل الأصوات مع عدم الانحياز لأحد. وقال طلب: إن هناك الكثيرين جدا من المثقفين الذين يستحقون أن يستمع لهم صناع القرار فى مصر، مثل الروائى الكبير بهاء طاهر. لكنه لم يكن يوما ضمن المرشحين للقاء الرئيس لأنه ليس نجماً من نجوم الفضائيات. وأضاف طلب أنه بمجرد إعادة هيكلة الوزارة يجب أن تضع لنفسها الخطة التالية, وهي: خوض معارك متعددة الجبهات مثل التنمية ومواجهة التطرف والتصدى لمحاولات تشويه الأزهر وإعادة القيم المنهارة فى المجتمع. وقال إن كل ذلك من الممكن أن يحدث من خلال الأنشطة والفعاليات والمطبوعات الورقية والإليكترونية وأن يكون المسئولون عن ذلك هم من لا يلهثون وراء المناصب بأى شكل وبأى ثمن. أما الروائية سلوى بكر، فاقترحت من جانبها أن تعقد الدولة مؤتمرا كبيرا يضم جميع مثقفى مصر، ليطرح كل منهم بدوره مبادرته فى شكل علمى موثق و بملامح محددة وواضحة فى كل المجالات المتعلقة بالثقافة فى بلدنا مثل الأدب والفن التشكيلى والمسرح والتعليم والإعلام. وقالت إن الثقافة فى أى مكان فى العالم تشمل جميع مناحى الحياة، بما فيها كيف نعيش وكيف نفرح وكيف نستمتع بالحياة وبأى منطق يكون استهلاكنا. وقالت إن نشر الوعى بثقافة الاستهلاك فى ظل ظروفنا الاقتصادية الحالية أمر فى غاية الأهمية والخطورة. وأضافت: إننا فى أمس الحاجة إلى خلق حالة من العصف الذهنى بين جميع مثقفى مصر ليستفيد منها البلد على الوجه الأمثل وتكون الدولة ملتزمة بتنفيذ هذه التوصيات. الروائى جار النبى الحلو، اعتبر أن المبادرة الأهم التى يجب طرحها على الرئيس هى »آليات دعم الثقافة فى المجتمع المصري« بإبداء المزيد من الاهتمام للقضايا الثقافية ودعم قنوات انتشار الثقافة, لأنها هى القلعة الأخيرة للدفاع عن الوطن ضد الإرهاب والتطرف الفكري. وقال: يجب أن يكون على الساحة عدد من الإصدارات الأدبية التى تناسب جميع الأعمار، وأن تصب جميعها فى صالح إعمال الفكر والعقل ونبذ الأفكار الهدامة المتطرفة. وأوضح الحلو أن المطلوب من المثقفين ألا يكونوا نجوم مجتمع بقدر ما يجب أن تفسح لهم مساحات كافية على الساحة ليقوموا بالدور المنوط بهم من إحداث تغييرات ايجابية حقيقية فى المجتمع. وأضاف: إن مجرد الالتزام بما ينص عليه الدستور المصرى سيكون دعما حقيقيا للمثقف المصرى لأنه يدافع عن حرية تفكيرهم و إبداعهم. وهو يرى أن مصر تحارب الإرهاب بجيشها وشرطتها, إلا إن المعركة ليست عسكرية مسلحة فقط. بل لا بد من تنوير العقل لمواجهة الخرافات. وختم الحلو حديثه بقوله: نحن لسنا معزولين عن العالم. ولا بد من استغلال الطفرة التى أحدثها الرئيس عبد الفتاح السيسى على صعيد علاقات مصر الخارجية، لنسوق من خلالها صورة مصر الحقيقية الراقية المبدعة المفكرة و المنتجة. بينماأكد الشاعر ابراهيم داود أن المثقفين دائما ما يخوضون معارك كثيرة دون الحاجة إلى تكليف من السلطة من نابع شعورهم بالمسئولية. و الدليل على ذلك المعارك التى خاضوها ضد التطبيع والتطرف وقمع الحريات، مطالبا الدولة بدعمهم. و طالب بنشر المناخ الابداعى فى القرى والنجوع, كما اقترح إقامة دورات لتنمية الجانب الإبداعى عند الأطفال لحمايتهم من الفكر المتطرف, على أن تشتمل هذه الدورات على فنون الرسم والموسيقى أيضا. وطالب أيضا بضرورة تفعيل دور الثقافة الجماهيرية. وعن أفكاره فى مجال الشعر، طالب داود بضرورة الانفتاح على جميع مدارس الشعر العربى فى اختيار النصوص التى تدرس فى المناهج التعليمية، واللجوء إلى مختلف المثقفين فى أداء هذه المهمة. وأشار إلى أن ما يتم تدريسه حاليا من نصوص شعرية يدل على الاكتفاء بأزمنة معينة دون النظر إلى أهمية غيرها. من جانبها، شددت الكاتبة أميمة عز الدين (الفائزة بجائزة معرض الكتاب الأخير لأدب الطفل) على ضرورة الاهتمام بأدب الطفل على أن تبدأ هذه المعالجة بالاهتمام بهذه النوعية من الكتب شكلاً ومضموناً, لأن الواقع يقول إن كاتب الطفل ما زال يعانى ويعامَل على أنه كاتب غير مهم, فى الوقت الذى يغفل فيه الكثيرون من أصحاب القرار عن أن هذا الكاتب على وجه التحديد هو من يسهل المهمة على الدولة بكاملها فى بناء مستقبل الوطن. وقالت إنه بالنظر إلى التجارب الأجنبية، نجد أن كتاب الطفل هو أكثر نوعا من الكتب يلقى اهتماما ودعما ويعتبره الناشرون الأكثر قيمة. لأنهم يدركون جيدا أن طفل اليوم هو رجل المستقبل. وقالت عز الدين: أتمنى أن تطلق الدولة مبادرة للاهتمام بالكاتب فى هذا المجال الحيوى. أما الكتاب فيجب أن توليه الدولة اهتماما كبيرا من حيث انتقاء النصوص المؤثرة بالطفل وطباعته بشكل جذاب. وأضافت: أحلم أن تكون هناك وزارة أو جهة مستقلة للطفل, تعنى باحتياجاته الصحية والنفسية والتعليمية والثقافية, وأن نعطى للطفل الفرصة حتى يبدع وينمو خياله ويبتكر. أما الدكتورة كرمة سامى أستاذ الأدب الانجليزى بكلية الألسن بجامعة عين شمس ولها إبداعاتها فى مجال القصة القصيرة، فاعتبرت أن قضية التعليم بصفة عامة والحفاظ على اللغة العربية بصفة خاصة هى قضية أمن قومى, وفى هذا تقول: لابد أن نواجه الكارثة التى وقعنا فيها بشجاعة وشفافية.. التعليم فى مصر ليس تعليما حقيقيا. الشهادة التى يحملها التلميذ المصرى فى كل مراحل التعليم ليست سوى مجرد ورقة تفرح بها الأسرة المصرية ثم تكتشف أنها مجرد «حبر على ورق»!! واعتبرت كرمة أن المدرسة مدانة وكذلك الأسرة ووسائل الأعلام والمؤسسات الثقافية التى جعلت الطفل المصرى للأسف «يتيما» رغم أنه فرد فى أسرة مكونة من 90 مليونا!! ربما نهتم بملبسه ومأكله ودرجاته الدراسية، لكننا لا نهتم بعقليته وثقافته وسلوكياته ولغته، بل نأتى بمن «يلتهم» دخل الأسرة كى يساعده على «اقتناص» درجات تحفظ له مكانا فى جامعة حكومية ليتخرج فيها حاملا ورقة أخرى تضاف إلى الأوراق التى يحملها ويظهرها عندما يتقدم لطلب يد ابنة أسرة من الطبقة المتوسطة أو لوظيفة حكومية!! يحدث هذا ونحن نعلم جيدا للأسف أن الشهادات لم تعد تعنى الثقافة أو الادراك والوعى.