في17 مايو1954 أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكما ينص علي أن التمييز العنصري الممارس في المؤسسات التعليمية مناقض للدستور. ومع ذلك فقد قبض علي سيدة سوداء كانت تجلس في المكان المخصص للبيض بأحد الأتوبيسات. وإثر ذلك الحادث نشأت حركة حقوق الإنسان التي أفضت إلي تمزيق الشعب الأمريكي. ومع هذه النشأة صدرت ثلاث روايات مهمة لثلاثة أدباء من نيجيريا. صدرت الرواية الأولي في عام1954 تحت عنوان شعب المدينة من تأليف سبيريان اكونسي(1921-2007) يكشف فيها عن الصراع بين التراث وافريقيا الحديثة. وقد اعتبرت هذه الرواية أول عمل نيجيري يلقي رواجا دوليا, وأول رواية نيجيرية تطبع في انجلترا, ومع ذلك صودرت في ايرلندا وهاجمتها الكنائس الكاثوليكية والانجيلية بدعوي أنها تروج للخلاعة الجنسية. وصدرت الرواية الثانية في عام1958 تحت عنوان أشياء في حالة تمزق من تأليف شنوي أشبي(1930- ؟) يصف فيها الوضع القائم في غرب افريقيا وينتهي إلي نتيجة مفادها أن كل المجتمعات وكل الحضارات تحمل في طياتها بذور فنائها, وأن مهمة الرجل الأبيض تسريع الوصول إلي هذا الفناء. أما الرواية الثالثة فقد صدرت تحت عنوان الأسد والجوهرة(1958) للشاعر والمسرحي وول شوينكا(1934- ؟) وفيها يصف اقليما يسمي الغابة الشريرة, حيث يقيم فيها المبشرون المسيحيون. والجدير بالتنويه أن شوينكا قد فاز بجائزة نوبل في عام1986 بسبب دفاعه عن الثقافة الوطنية والثقافة الانسانية, ونضاله ضد الديكتاتورية والإرهاب السياسي في وطنه, الأمر الذي أفضي إلي اعتقاله في عام1967 لمدة عامين. واللافت للانتباه هاهنا أن كلا من أشبي وشوينكا كان يستعين بالأساطير لإعادة صياغة الثقافة الافريقية, وكان الملهم لهما عالم الانثروبولوجيا الفرنسي من أصل بلجيكي كلود ليفي ستراوس(1908-2009) الذي كان مهموما بتشريح الأسطورة ابتداء من عام1955 عندما نشر بحثا عنوانه دراسة بنيوية للأسطورة ثم كتابا في نفس ذلك العام عنوانه أحزان استوائية, ثم أسطوريات في ثلاثة مجلدات(1964-1968) ثم كتاب الأسطورة والمعني(1978). والسؤال بعد ذلك: ماذا يعني مصطلح البنيوية الذي ورد في البحث الأول؟ البنيوية تعني البحث عن الثابت و سط المتغيرات السطحية في كل مجال من مجالات المعرفة الانسانية, بحيث ننتهي الي توحيد المعرفة لفهم الكون. و من أجل الكشف عما هو ثابت يلزم البحث في جذور الثقافة البشرية أو بالأدق في جذور الأسطورة. وإذا تمكنا من فهم الأسطورة تمكنا من الكشف عن كيفيه قدرة الإنسان البدائي علي فك طلاسم الكون, وبالتالي تمكنا من الكشف عن البنية الأساسية اللاشعورية للعقل الإنساني. وقد أعلن ستراوس عن هذا الكشف واستدل منه علي أن ليس ثمة فارق بين العقل البدائي و العقل المتحضر, أو بالأدق بين الأسطورة و العلم, وكل ما هنالك من فارق هو أن العقل البدائي لا يعرف الكتابة. وفيما عدا ذلك ليس من حقنا القول إن هذا العقل في مستوي متدن عن العقل المتحضر, إذ الفارق يكمن في أن العقل البدائي ينشد الفهم الشامل للكون, وليس الفهم العام الذي ينشده العقل المتحضر. والفارق بين الشامل و العام يكمن في أن الأول يمنحك الوهم بأنك متحكم في الكون اما الثاني فيمنحك القدرة علي التحكم بالفعل في الكون. وبسبب الوهم, في الحالة الأولي, فان العقل ليس في حاجة إلي تنمية قدراته لأنه لا يشعر بأنه في حاجة إلي هذه التنمية. ومن هنا تتباين الثقافات, ولكن مع تباينها ليس من حقنا تقسيمها الي ثقافات رفيعة المقام و ثقافات منحطة المقام, وعيها بأصالتها, لأن فقدان الوعي بالأصالة يحدث عندما تصبح الثقافة مستهلكة, بمعني أن تستهلك اي شيء من أي مكان في العالم, و من أي ثقافة. وتأسيسا علي رؤية ستراوس يمكن القول إن ثمة علاقة عضوية بين الأسطورة و العلم والثقافة. ومن هنا قيل عن هذه الرؤية إنها مدافعة عن الأصوليات الدينية. وإذا كان ذلك كذلك فهل ثمة علاقة عضوية بين هذه الأصوليات والأساطير علي نحو ما يري ستراوس؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فهل هذا هو حال الأصوليات في مصر؟ المزيد من مقالات مراد وهبة