مثلما لم تعد المأساة السورية الراهنة سوريةً ولا حتى عربية أو إقليمية، وتحولت بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية إلى مشكلة دولية عصيَّة عن الحل، أو هكذا يراد لها، فإن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، سيجعل من السيادة على الأراضى السورية حقا للدول الأخري، وهو ما يظهر فى تصريحه: لقد حان الوقت ليعترف المجتمع الدولى بالحقيقة، بعد 50 عامًا، وهى أن الجولان سيبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية. نتنياهو خاطب المجتمع الدولى من ذلك نقاشه فى موسكو مع الرئيس فلادمير بوتين ولم يخاطب الدولة السورية ولا دول الجوار ولا حتى الدول العربية التى دخلت فى معاهدات سلام مع إسرائيل، أو التى تتعامل معها فى الخفاء، أو التى ستعلن فى المستقبل المنظور اعترافها بها. عربيًّا، علينا أن ننظر بجد ووعى للتصريحات الإسرائيلية، خاصة تلك التى قال فيها نتنياهو: «لقد اخترت عقد الجلسة للحكومة فى مرتفعات الجولان كى أمرر رسالة واضحة، وهى أن مرتفعات الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد، وأنها لن تنزل من مرتفعات الجولان»، وهذا يعنى كما جاء فى تعليقات الإذاعة العامة الإسرائيلية أن انسحاب إسرائيل من الجولان ليس مطروحًا على الإطلاق، لا حاضرًا ولا مستقبلًا. والقول بضرورة النظر إلى هذا الأمر بجدية، ليس فقط لأن تلك التصريحات تتزامن مع مفاوضات السلام التى تُجرى فى جنيف حول النزاع فى سوريا، ولكن لأن الهجمة على سوريا تتعدى عملية العبث والتآمر لإسقاط النظام إلى تقسيم سوريا، والمراقب للوضع هناك ومنذ انطلاق الفتنة يلحظ انتشار خطاب تقسيم سوريا من قوى داخلية وخارجية، ومنذ الشهور الأولى للانتفاضة انتشرت شائعات ولا تزال إلى الآن، وهي: أن الرئيس بشار الأسد يسعى فقط لحماية العلويين من خلال إقامة دولة لهم على الشريط الساحلى فى حال خروجه من السلطة، ولتحقيق ذلك أصبح الخطاب السائد لدى المعارضة هو الحديث عن مكونات الشعب السورى العرقية والدينية والمذهبية، بل والطبقية والفئوية. عمليًّا، لا يختلف كثيرا موقف الحكومة الإسرائيلية عن تلك المواقف الدولية القائلة بتحويل سوريا إلى فيدرالية، أو إعطاء بعض الأقليات الأكراد مثلا استقلالا ذاتيا، كما لا يختلف عن القول بإقامة مناطق آمنة، أو دعم الجماعات الإرهابية لإفراغ سوريا من أهلها، وتحويل الشعب السورى كله إلى ضحية للحسابات وللأطماع الدولية، وعلى العرب هنا أن يدركوا جيدا أن مصير سوريا إن قسمت هو نفس المصير الذى ستؤول إليه كل الدول العربية، مهما بدت اليوم مستقرة، والدرس العراقى خير شاهد على ذلك. هناك مسئولية قومية تقع على عاتق كل دولة عربية وعلى كل الدول العربية مجتمعة تجاه ما قامت به إسرائيل، وتلك المسئولية لا تختصر فى بيانات التنديد كالعادة، وهنا نتساءل: أيعقل أن تعلن إسرائيل ضم هضبة الجولان إليها، فيكون الرد العربى ببيان ختامى صادر عن اجتماعات الجامعة العربية على مستوى المندوبين؟ ألا يتطلب الموقف اجتماع القادة أو على الأقل اجتماعا على مستوى وزراء الخارجية؟ وهل يكفى القول: إن جامعة الدول العربية تندد بضم الجولان للسيادة الإسرائيلية، وأنه انتهاك واضح وصارخ للقوانين والمواثيق الدولية؟ وهل يكفى القول أن الجامعة ترفض القرارات الإسرائيلية بضم الجولان السورية المحتلة، لعدم استنادها لأى سند أو حق قانونى فى ذلك، واحتفاظ سوريا بحقها الكامل فى استعادة الجولان كاملة من تحت قيادة الاحتلال الإسرائيلى؟ لقد طلبت جامعة الدول العربية من مجلس الأمن الدولي، فرض الالتزام على إسرائيل للعودة لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن الحقوق فى الجولان، ووضع السوريين المقيمين هناك، معربة عن ثقتها فى توحيد الصف العربى واتخاذ موقف موحد يحافظ على وحدة الأراضى السورية وأحقيتها فى الجولان المحتلة، وهذه الفقرة تتناقض مع ما تقوم به بعض الدول العربية تجاه الأزمة السورية، إذْ كيف تدعو إلى وحدة الأراضى السورية، وهى تُسْهم فى تقسيمها؟ من ناحية أخري، كيف لمجلس الجامعة العربية، أن يعرب عن دعمه الكامل لحق سوريا فى استعادة الجولان كاملة، استنادا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وهو أخرج سوريا العضو المؤسس للجامعة من هذا التجمع العربي، وترك مقعدها شاغرا، بل إن دولا عربية على خلاف مع النظام السورى حاولت منحه للمعارضة؟ الخطاب العربى الرسمى يركز على المصالح القطرية لكل دولة عربية حتى لو كان ذلك على حساب الأمن القومى ومصالح الدول العربية الأخري، كما أنه يقدم تصورا لا يوجد إلا عند العرب، وهو الفصل على مستوى المواقف بين الحكومات والشعوب، وهذا خطاب جديد على الساحة العربية، وظهر على خلفية الصراع القائم بين الحكم السورى وكثير من الأنظمة العربية، حتى إن بعض الدول دافعت عن حق الشعب السورى فى الجولان لتتفادى الحديث عن النظام الحاكم. أيها العرب مجتمعين أو متفرقين، إن مواجهة إسرائيل بخصوص الجولان تحديدا، تبدأ من عودة سوريا بغض النظر عن النظام الذى يحكمها إلى عضوية الجامعة العربية، إذْ من غير المعقول أن نحاور إسرائيل ونعزل النظام السورى بحجة جرائمه المتراكمة، كما أن مواجهة إسرائيل تمر عبر الدفاع عن وحدة الأراضى السورية بصدق وبعيدا عن خطاب استهلاكى للشعوب، يتم العمل ضده من خلال دعم الجماعات الإرهابية، علما بأن تلك الجماعات حليف استراتيجى لإسرائيل. أيها العرب، هضبة الجولان ليست فقط قطعة من الأرض، وإنما هى من أهم مواقع المواجهة مع العدو، قبولنا بضم إسرائيل لها يعنى الإشراف الدولى على تقسيم سوريا، وذاك مصير ستؤول إليه كل الدول العربية.. فهل من منقذ أو مجيب؟ لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه