لو علم كل زوجين ما ينتظرهما بعد الانفصال ما كان هناك طلاق على الإطلاق هذه مقولة مأثورة عن أبغض الحلال عند الله والذى أصبح ظاهرة تهدد استقرار المجتمع، فقد كشفت إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ودراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مجلس الوزراء، ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر من 7% إلى 40% خلال الخمسين عاماً الأخيرة، ووصل العدد إلى 149 ألفاً و367 حالة طلاق فى 2010، واستمر التصاعد فى عام 2013 ليصل إلى 324 ألف مطلق ومطلقة، كما أكدت الدراسة تزايد معدلات الطلاق بنحو 5 آلاف حالة سنوياً، منها 86 ألفاً فى مناطق الحضر، و75 ألف حالة فى الريف. وأوضح علماء الدين أن سوء الاختيار، وقلة الوعى الاجتماعى لدى الأفراد، وتراجع منظومة القيم الأخلاقية، وضعف الوازع الدينى يعد أبرز أسباب ارتفاع نسبة الطلاق سنويا، بشكل أصبح معه ظاهرة تهدد استقرار المجتمع. ففى قرار الانفصال وهدم بيت الزوجية بالطلاق لا ينظر الزوجان إلا لنفسيهما فقط ويظل كل منهما يعاند ويكابر ويرفض الإصغاء لصوت العقل وما إن تنتهى تلك المرحلة حتى تبدأ مراحل أخرى كالنفقة والرؤية وحضانة الأولاد وحق الاصطحاب والسفر للخارج، وهى مرحلة يلعب فيها العناد والمكابرة والإغاظة المتبادلة دورا مكملا للطلاق ومحو ما تبقى من المودة والرحمة والمعاملة الحسنة التى كانت تعيشها الأسرة، ونتيجة لذلك يغيب التسامح وتتضخم الأمور البسيطة لتتحول إلى قضايا معقدة ومن هنا نستطيع أن نتوقع تداعيات انفصال الزوجين على مستقبل الأبناء والمجتمع بأسره. ويقول الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق، إن ما يحدث من انشقاق بين الزوجين ينعكس أثره سلبيا على الأبناء نظرا لعدم تطبيق الأحكام الشرعية على هذا الخلاف بمعنى أن كلا الزوجين لا يراعى حق الله سبحانه وتعالى فى هذا الخلاف ومن الثابت أن المسلم لا يكره زوجته أبدا لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة أى لا يكره إن كره منها خلقا رضى منها آخر» وأيضا حتى إذا كرهها فقد وجهه الإسلام إلى إمساكها وبقائها زوجة لأن الله سبحانه وتعالى يقول: «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا «النساء: 19، بمعنى أن الزوج إذا كره زوجته لا يطلقها وإنما يمسكها ويعيش معها فعسى أن الله سبحانه وتعالى يرزقه منها رزقا كثيرا، وإذا حدث ذلك وبقى الزوجان معا يجب ألا يخرج نطاق الخلاف عن منزل الزوجية، بمعنى أن الزوجين حتى إن تخاصما فإن الخصام فقط فى غرفتهما وأما خارجها فيتحدثان أمام الأبناء وأمام الضيوف وأمام الأقارب وكأن شيئا لم يكن حتى لا يؤثر هذا على نفسية الأبناء ويعطى الفرصة لتدخل الأقارب والأصدقاء ومن ثم تزيد هوة الخلاف بين الزوجين. وأضاف: انه إذا طبقنا هذا الكلام تطبيقا عمليا فلن تحدث حالات طلاق إلا نادرا جدا مادام يراعى الزوج حق الزوجة والزوجة تراعى حق الزوج بما يرضى الله بل إن هذه الأسرة ستكون سعيدة حتى إن اختلف الزوجان باعتبارهما من البشر والاختلاف طبيعة بشرية لكن هذا الاختلاف لن يؤثر على نفوس الأبناء. أما عن الأزواج الذين يجدون فى الطلاق الحل الأمثل بدلا من الاستمرار فى العيش معا خوفا من تأثير ذلك فى الحالة النفسية لدى الأبناء، فيقول الدكتور أبو طالب: إن هذا ليس مبررا فإذا تم الطلاق فإن الأبناء سيتشردون أكثر، إلى جانب أنهم سيصابون بأمراض نفسية وذلك لانصراف الأب والأم عنهم وهم الذين يدفعون فاتورة الخلاف بين الزوجين، فعلى الأزواج الصبر والتحمل والجلد من أجل رعاية ومستقبل الأبناء لأن الزوج وكذلك الزوجة إذا فكر كل منهما فيما سيحدث لأبنائهما من التشرد والانهيار فى المجتمع فإنه سيتنازل بعض الشيء فى التعامل مع الآخر وبالتالى تستمر هذه الأسرة فى مسيرتها فى تربية الأبناء. إهدار الحقوق يحرم على كلا الزوجين أن يكيد الزوج الآخر ليأخذ شيئا منه بغير حق أو أن يحرمه من حقه كأن يستعين الزوج بمحامين لحرمان الزوجة من حقوقها أو استعانة الزوجة بمحامين لإكراه الزوج على تحمل أشياء ليست من حقها، فكلاهما محرم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى ذلك: «ولعل بعضكم ألحن أى أقوى بحجته عن بعض فأقضى له على نحو ما أسمع فلا يأخذ من ذلك شيئا لأنه يقتطع قطعة من نار» وهذا الجزاء الشديد لا يستحقه إلا من فعل أمرا محرما، ومن هنا نفهم انه يحرم على الزوجين أن يكيد بعضهما بعضا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: «ولا تنسوا الفضل بينكم» البقرة: 237، أى ما بينكما من حياة سعيدة فبمجرد وجود خلاف يقوم كل منهما بإفشاء الأسرار وتزداد الفضائح وما نراه ونسمعه على مواقع التواصل الاجتماعى من كلام لا يليق حتى ان اختلفنا فالاختلاف أمر وارد ولكن لا بد أن يكون له حدود. غياب المودة والرحمة وفى سياق متصل، يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق، إن الزواج سكن ومودة ورحمة ولقد جعل الله تبارك وتعالى بين الزوجين أغلظ المواثيق لقوله سبحانه:«وأخذنا منكم ميثاقا غليظا» فإذا بنيت الأسرة على أسس من الخلق والدين ستحيا حياة كريمة بإذن الله أما إذا بنيت على غش وتدليس ومكر واعتبر أن الزوجين أحدهما أو كلاهما صفقة فلا بد أن تبوء هذه الزيجة بالفشل، ولذلك لم يكن فى صدر الإسلام بل إلى عهد قريب وثيقة أو قسيمة الزواج وإنما كان الزواج ينعقد بالإيجاب والقبول: (زوجنى ابنتك..قبلت) فإذا كان هناك إيجاب وقبول وصداق وشاهدا عدل فهذا المتبع فى الزواج فى صدر الإسلام بل إلى عهد قريب أيام أم كان الرجل رجلا أما وقد تذأب الرجال فسنت الدولة قوانين تحمى المرأة والأسرة من الضياع فكانت قسيمة الزواج، وإذا استحالت العشرة كان الطلاق لقوله تعالي:«وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته» ولقد أمر الإسلام كلا الزوجين فى حال الفراق ألا يبيحا أسرارهما ولا ينسيا الفضل بينهما.